مأساة جديدة لمسن يمني وابنيه وابني شقيقته على الحدود البولندية البيلاروسية

> "الأيام" وئام الزميلي:

> شباب يسقط في نهر متجمد وآخر يتوه في الغابات
> مواطن يمني في العقد الخامس من عمره مقيم في السعودية فقد أحد أبنائه وابن شقيقته عند السياج البولندي خلال رحلة مغامرة في محاولة للدخول إلى روسيا.

أديب محمد العفيفي اصطحب ابنيه الوحيدين واثنين من أبناء شقيقته وعزموا جميعا الهجرة إلى أوروبا بعد أن ضاقت بهم سبل الحياة في السعودية التي يقيمون فيها منذ 45 عاما، لكن الرحلة كانت مليئة بالمخاطر، إذ سقط أحد الشبان الأربعة في نهر متجمد وفقد آخر في الغابات.

يوضح أديب العفيفي أن قبل قرار الرحيل من السعودية كان يعرف تفاصيل كثيرة عن مثل هذه المغامرات ومخاطرها، ساردا ما يعرفه في هذا الجانب بالقول: "بعض الذين هاجروا إلى مدن أوروبا أخبروني بأنهم غادروا عبر بعض المكاتب السياحية، فهي تصرف لهم دعوات سياحية إلى روسيا، ثم إلى روسيا البيضاء ثم الاتجاه إلى مدينة موسكو ومنها إلى بيلا روسيا، وكل ذلك بالتهريب ومقابل مالي بالدولار، طبعاً وأنت قبل انطلاقك لهذه الرحلة الخطرة لا بد من وجود عندك خطة الوصول للمنطقة المرادة، فتبحث عن الطرق التي ستعبرها في هذه المشقة، وخططك لها، حيث كانت خطتي هي الوصول إلى موسكو ثم إلى بيلا روسيا، حيث عند الوصول لأقرب نقطة في مدينة موسكو، تنتظرك سيارة هناك، لكن قبل خروجك لأقرب نقطة حدودية".

وأضاف، "لا بد من أن تكون أنت على اتفاق مع شخص (المهرب) حيث يكون هناك طرف ثالث بينكما للضمان المال التي ستعطيه أنت للمهرب هذا، فالشخص الثالث هذا إذا تأكد من وصولك بعد إعطائك كودا أو دليلا لوصولك، يعطي المهرب المال الذي تم إعطاؤه من قبلك، ومن ثم تذهب لشراء أغراضك الذي يحددها لك المهرب، وعلى حسب الموسم، فالصيف يختلف عن الشتاء والعكس، حيث إن الأغراض هذه مبالغها تقدر بحوالي 500 دولار للفرد الواحد، وأن هناك الكثير يعانون بسبب عدم قدرتهم شراء هذه الأغراض، فتزداد معاناتهم في العراء القارس هناك، ومن ثم يأتيك المهرب ليحدد لك وقتا للخروج إلى المنطقة، إلى حدود بيلا روسيا - بولندا، وأن المهرب لا يعطيك إلا مجرد نقاط على GBS، توجيهات لا أكثر، وأما بقية المسير كله يعتمد عليك أنت الهارب، حيث إذا قدرت بمشيئة الله الهروب والإفلات من الجيش البيلا روسي، وعبرت المنطقة المحرمة التي هي المنطقة الحدودية بين السياج البيلا روسي والسياج البولندي، فأنت في أمان تقريبيا، أما إذا تم القبض عليك من قبل الجيش البيلا روسي سيتم التحقيق معك وتفتيشك في نفس الموقع، ما يستغرق نص ساعة على الأكثر، فإذا عجبه مظهرك من حيث لون البشرة البيضاء والنظافة والترتيب والتهذيب يسمح لك بالعبور، أما إذا لم يستريح لمظهرك لا يسمح لك، وممكن يعتدي عليك بالضرب، وكل ذلك من أجل الاستهزاء، فأفراد هذا الجيش في سن 17 وقائدهم في سن 20، فكلهم في ريعان شبابهم، ثم يأخذونك إلى مكان ليتم الفرز بينك وبين الهاربين الآخرين، حيث يتم الفرز على حسب الجنسية، ثم يأخذوك إلى نقاط في الحدود البولندية، ومن هنا تبدأ تكملة مسيرتك؛ لكي تجتاز السور البولاندي الذي ارتفاعه ما يقارب 6 أمتار، لا بد من وجود سلم، وبسبب التعب والبرد القارس في المنطقة المحرمة لا يستطيع الهاربون التكملة فينسحبوا إلى مدينة منسك، وهنا تبدأ مغامرة ثانية وهي أصعب من مغامرة الدخول، لأن الجيش البيلا روسي لا يسمح لك بالرجوع، ويلزمك بتكملة مسيرك نحو بولندا".


وعن تفاصل رحلته والمخاطر التي تعرضوا لها يقول العفيفي: "خرجت أنا وولداي وولدا أختي وغامرنا المغامرة التي تم سردها أعلى، وكنا من ضمن الهاربين الذين لم يحالفهم الحظ في اجتياز الحدود البولندية، وكانت خطوة الانسحاب إلى مدينة منسك بفعل شيطاني لما فيها من مخاطرة بليغة جدا، لأن لا بد من الهروب من الجيش البيلا روسي ما يقارب 16 مترا هرولة، هروبا في البرد القارس القاتم، حيث كانت درجة الحرارة تحت الصفر بعشرة، والسواد الليلي القاهر والتعب الجسدي والنفسي، وتعب ابن أختي تحت تلك الظروف الجبارة ولم يستطع التكملة، ولكن الجروب التي كنت أنا وأبنائي من ضمنهم يريدون مواصلة المسير إلى منسك تركونا وحيدين في العراء هناك لا منقذ ولا ملجأ، فقط نحن ورب العباد الذي متمسكون بحباله، وبعد أن ظللنا وحيدين هناك فمن المستحيل أن تظل دون نار حتى وإن كنت ترتدي الملابس الشتوية، وأيضا ماء وغذاء "سبل الحياة".


وأضاف، "تواصلنا مع المهرب عبر GBS لصرف سيارة تأخذهم لبر الأمان، لكن بسبب أن المنطقة وحلية جدا لا يستطيعون الوصول إليك، بل نحن علينا الذهاب إليهم، فالمسافة تبلغ حوالي 5 كيلو مترات للمنطقة التي فيها سيارة الإنقاذ، ما يقارب 6 ساعات للوصول، وهذا التقدير للشخص الصحيح، فهناك منطقة وحلية وعرة ومرض وتعب وخوف ومسؤولية وكل ذلك أحمله على كتفي وعقلي وقلبي، رغم ذلك واصلنا المسير وأبنائي الذين من ضمنهم المريض واسمه سعيد، وعبرنا الطريق بعيداً عن الوحل، لكن المسافة طالت أكثر فهي 5 كيلو مترات بطريق الوحل فقط، وفجأة من غير أن ننتبه سقط سعيد بنهر متجمد، لأنه كان موسم شتاء والعالم هناك متلبد بالثلج، حيث كان طوله حوالي 180 سنتمترا، ووزنه 100 كيلو، ولكن الحمد الله سحبناه إلى خارج النهر، وخلعنا ملابسه المبتلة وغيرنا له ملابس أخرى كانت ضيقة عليه، ولكن الغرض تغطيته من البرد، وغطيناه بأكياس لكي لا يؤثر عليه الهواء، ووصلنا إلى مرحلة كشف بطائقنا للأمن وإخبارهم بهويتنا، لعدم مقدرتنا تكملة المسير.


وأضاف، "حركنا اتصالاتنا للشرطة والدفاع المدني وعدد من الأصدقاء".

وتابع، "وظلينا على هذا الحال لمدة يوم كامل، حيث أخبرت بأني أضعت أحد أبنائي أثناء البحث عن المساعدة، فابن أختي مرمي على الأرض متجمد، وأحد أبنائي حسام بجانبه، فذهبت بطريق وابني الآخر محمود بطريق، وأضعته هنا، ورجعت المغرب إلى هناك وأنفاسي مقطوعة، وولدي لم يعد، وبسبب الوحل لم أستطع الذهاب والبحث عنه خوف الغرق في الوحل، وانتظرت للشروق والنور وكانت الساعة حوالي تسعة إلا ربع، فهنا طبق مثل (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة)، فذهبت للعثور على ابني وبعد حوالي ساعة كاملة عثرت على ابني محمود، ورجعنا، وبسبب حرارة الجسم يسخن الثلج ويتحول إلى ماء تتخلله ملابسهم".


وتابع، "بدأ أمل الرجوع والعيش يتلاشى إلى أن وصلت بقرار ذهاب أبنائي وأبناء أختي إلى طريق السياج البولاندي الذي أتوا من نحوه، لأنه قبل أن تطفى جوالاتنا أخبروني أولادي بأن هناك قرية قريبة، لكن بسبب الشبكة الضعيفة لم يتمكنوا من التأكد من مكانها وبعد فقدان الأمل أمرتهم بالذهاب وقلبي يتقطع عليهم، ولكن الظروف حكمت علي بذلك، فطلبت من ابني محمود، وابن أختي رويد العثور على هذه القرية، على أمل الحصول على مساعدة هناك، فأنا لم أهتم لأمري بكثر اهتمامي لهم، فأخبرتهم إذا وجدوا المساعدة يأتونا، وبعد مرور ساعتين من وقت انطلاقهم حيث كانت الساعة 5 وقت الغروب، وأصبحت الساعة 7 حين جاءنا 3 أفراد بيلا روسيين ليطمئنونا وكانوا أفرادا لمنظمة إنسانية، واهتموا بهم حيث أشعلوا لنا النار، وعملوا مساجًا للمريض سعيد، وحاولوا مساعدتنا أيضاً من ناحية الملابس".

وأضاف، "هنا استنجدت بهم بشأن أولادي الذين ذهبوا بحثاً عن المساعدة، لكن أخبروني بأنه سيتم الذهاب والعثور عليهم بعد أن يوصلونا إلى بر الأمان، ووصلونا إلى الجيش البيلا روسي، وجاءت سيارة الإسعاف واهتموا بنا جدا بعناية، وذهبوا بنا إلى مركز صحي، واعطونا بعض العلاجات مثل الجلوكوز وغيرنا ملابسنا المليئة بالطين والأوساخ، ومن ثم ذهبوا بنا إلى دار عجزة وأعطونا الأكل والشاي الساخن، وفي الصباح الباكر جاءنا نقيب وعسكريان اصطحبونا من مركز العجزة إلى محطة القطار، وأخبرونا بأن لا بد من أن نذهب إلى منسك.

واختتم، "بعد وصولنا إلى هذه المنطقة وجدنا معاملة حسنة جدا، وجاءت الشرطة وأخذت منا تعهدا للخروج من منسك، وقدرت الإفلات منهم، وبقيت في شقة مفروشة بمكان عزبة آملا وجود أبنائي، ولكن لا أستطيع العودة للمنطقة التي هم فيها، وهنا وقفت عاجزاً متجمدا باكيا وقلبي متقطع على أولادي آملا أنهم على قيد الحياة وإنما معتقلون هناك. أناشد صحيفة "الأيام" لفت الانتباه إلى قضيتي هذه من قبل الحكومة، آملا عودة أبنائي أحدهم ابني محمود أديب محمد العفيفي، والآخر ولد أختي رويد عبدالله باغشير".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى