«الخلع».. من حق شرعي للزوجة إلى ذريعة لقتلها

> سماح عملاق

> تعنيف زوجها لها حقٌ من حقوقه عليها، حسب رأي أسرتها، فلم تجد الثلاثينية فاطمة سندًا أمام جبروت الزوج، لجأت للأهل ثم للشيخ ثم للشرطة بلا جدوى.

فاطمة علي (اسم مستعار)، 32 عامًا، من محافظة إب، تقول: "يضربني ضربًا مبرحًا، وكثيرًا ما نمت وأنا أنزف من فمي ومواضع أخرى في جسدي".

وتشرح: "كان زوجي يعود متأخرًا في منتصف الليل، رائحة غريبة تفوح منه، عصبي المزاج دون سبب، وفجأة يبدأ بضربي وسبي".

بداية النهاية

"شاهدتُ مصادفة في التلفاز برنامجًا تلفزيونيًا ضيفته دكتورة في علم النفس، وتتحدث عن العنف الأسري، وخلال البرنامج لمعت في ذهني فكرة الطلاق، لكنني خفت على أولادي الثلاثة من التشرد، وخشيتُ ألا تتقبلني أسرتي بعد الطلاق، بخاصة أنني لا أعمل، بعد أن حرمني زوجي من إكمال دراستي الجامعية وكنت في المستوى الثاني قسم محاسبة".

فور وصول زوج فاطمة، حاولَت أن تبدي له رغبتها بالانفصال إذا لم يتوقف عن تعنيفها، وتقول إن الأمر أثار حفيظته أكثر ليمارس عليها العنف الجنسي كردة فعل.

على إثر الحادثة الأخيرة، هربت فاطمة نحو منزل أهلها في الحارة المقابلة، ليلًا، وهي تغرق في دمها وتعرج، انصدم أهلها هذه المرة، وكأنها المرأة الأولى التي تلجأ لهم فيها، حد تعبيرها.

تقول أم فاطمة: "تجاهلنا إهانة ابنتنا 6 سنوات، لظننا أنها قد تكون مخطئة، وخوفًا من نظرة المجتمع لابنتنا المطلقة، وخشية على أحفادنا من التشرد أو المعاناة على أيدي الغرباء".

وتضيف: "اكتفيتُ كأية أم في المنطقة، أن أباشر ابنتي بالنصائح قبل إعادتها لزوجها، رغم أني كامرأة أرغب في إنقاذها من بين فكي زوجها الذي لم يكف عن إهانتها".

ويتحدث عم فاطمة: "في المرة الأخيرة، وجدنا أن فاطمة على وشك الانتحار من قوة الوجع، وأبكتنا جميعًا من فرط ما لقيت من أوجاع بسبب زوجها، وبسبب تجاهلنا حسب ما قالت".

رحلة الطلاق

قررت العائلة أن تضغط على الزوج ليطلق فاطمة، عبر الاستعانة بوجهاء وأعيان، وقوبلت كل المحاولات بالعناد والرفض. حينها اتجهت فاطمة مع والدها إلى المحكمة لرفع قضية خلع.

الأخ الأصغر لفاطمة، والذي وقف جوارها في تجربتها مع زوجها، توقع مسبقًا أن المحكمة ستصدر الحكم لصالح شقيقته، نظرًا لاستخراجهم تقارير طبية تفيد بتعنيف الزوج لها، ولتوفر الشهود من الجيران ومن أسرة الزوج نفسه على الظلم الواقع على فاطمة.

ويضيف: "عقب 3 جلسات أصدر القاضي حكمه بخلع زوج أختي، بكت وانهارت فاطمة أمام القاضي بعد نطقه بالحكم، حاولت برفقة أمي مساندتها ورفعها، وحينها قررنا أن نعرضها على طبيب نفسي في صنعاء لمعالجة الآثار النفسية للتجربة".

خرجت العائلة منتصرة من المحكمة، أما فاطمة فكانت أمام أبواب حياة جديدة موفورة الكرامة، لكن الجميع لم يتوقع ما سوف يحدث.

بعد صدور حكم المحكمة لصالح فاطمة، كان الزوج قد نشر صورها، وحرض المجتمع عليها باعتبارها سيدة غير شريفة.

قوبلت فاطمة بغضب مجتمعي من ناحية، وباستهجان النساء من ناحية أخرى، دون تثبت.

تقول فاطمة: "سمعتُ كلمات جارحة لم أتوقع أن توجّه لي في يوم من الأيام، وأبدى كثيرون أني لا أشرف أي رجل أرتبط به، صدقوا افتراءات طليقي، وتجاهلوا معاناتي التي كانت على مرأى ومسمع منهم معظم الأحيان".

للبحث عن حياة آمنة، انتقلت فاطمة من قريتها في إب إلى مدينة أخرى، حيث قررت مواصلة تعليمها الجامعي، والعمل لإعالة أطفالها، وأفادت بأنها ستحضر جلسات للعلاج النفسي كي تتمكن من تجاوز تجربتها السابقة مع الزواج والطلاق.

الخلع مبرر لقتل الزوجة

عقب سفر فاطمة، برزت قضية أخرى للرأي العام في نفس المحافظة، ففي مطلع سبتمبر 2021 قتل رجلٌ زوجته، وكانت مع أخيها، أثناء خروجهما من المجمع القضائي في مدينة إب.

وقد حدثت الجريمة فور خروج المرأة وشقيقها من بوابة المجمع القضائي، بعد حضورهما جلسة المحكمة، لخلع الزوجة من زوجها، بينما انتظر الجاني أمام المجمع القضائي لتنفيذ جريمته.

وتقول اختصاصية علم النفس مروى العواضي: "إن الرجل هو المتضرر الأكبر من الخلع، نظرًا للثقافة المجتمعية التي تعيب على الرجل ذلك".

وتضيف أن المرأة اليمنية بشكل عام لا تلجأ إلى الخلع إلا بعد سلسلة طويلة من الحلول، حيث ترى أنه الحل الأخير لمعاناتها.

وقال أحد أصدقاء الزوج، في حديث لـ "المشاهد"، عن نظرة المجتمع للخلع، إن "خلع المرأة لزوجها قد يكون سببًا ومبررًا لقتلها، كونها أصابت الزوج في مقتل، فلن يتمكن بعدها من المشي مرفوع الهامة أمام الرجال، للتنمر والرفض الذي سيكون بانتظاره".

وأضاف أن من آثار الخلع سقوط حق المرأة في نفقة العدة وفي المهر إذا لم كان أي منهما ضمن شروط الخلع.

وأشار المحامي هاني الصلاحي، إلى أن آثار الخلع ومترتباته كثيرة على عدة مستويات، ولهذا السبب كان مكروهًا من قبل أفراد المجتمع اليمني.

يقول الصلاحي: "الآثار المترتبة على وقوع الخلع كثيرة، أولها الأثر الشرعي وهو عدم جواز رجعة الزوجة لزوجها باعتباره طلاقًا بائنًا بينونة صغرى إذا لم يكن الزوج قد طلقها من قبل طلقتين، وهو طلاق بائن بينونة كبرى حال طلقها من قبل، ومن مترتباته أنه لا يجوز للزوج أن يرجعها بإرادته المنفردة إلا إذا وافقت خلال فترة العدة، وهذا فقط في حالة الطلاق البائن بينونة صغرى".

بينما ينظر القانون اليمني لقتل الزوجة في هذه الحالة كقضية جنائية تستوجب العقاب المغلظ، باعتبارها قضية قتل عمد لا تسقط بالتقادم، وهذا ما حدث مع قاتل زوجته أمام بوابة المحكمة.

نظرة قانونية وحقوقية

يسمح القانون اليمني للرجل بتطليق الزوجة من طرفه بأن يلقي عليها يمين الطلاق ثلاث مرات حسب المادة 60 من قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لعام 1992، أما المرأة الساعية للطلاق من زوجها فتلجأ للمحاكم في حالات محدودة، مثل أن يخفق زوجها في إعالة أسرته ماليًا رغم أن لديه سبل الإنفاق، أو أن يعنفها بأي شكل من أشكال العنف.

إذا أرادت المرأة الطلاق من زوجها لأسباب أخرى، فيمكنها رفع قضية خلع، وبموجبها مطلوب منها أن تعيد مهرها، وأن تتنازل عن أية مطالبات بإعالة مالية مؤقتة، كالتي تتوفر في حالات الطلاق الأخرى غير الخلع.

وتلزم المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الدول الأطراف باتخاذ التدابير المناسبة لضمان المساواة بين الرجل والمرأة في نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه.

وذكرت لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، في تقريرها الأخير المنشور على صفحة المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على الإنترنت، أواخر يونيو 2022، أن "على الدول الأطراف إلغاء أية متطلبات إجرائية بمدفوعات من أجل الحصول على الطلاق لا تنطبق على كل من الأزواج والزوجات على السواء".

الأمر الذي يعني أن المرأة هي المتضررة قبل وأثناء وبعد الطلاق، حيث إنها تعاني كزوجة لتحصل على حكم الخلع، فتعاني ماديًا بالتنازل عن حقوقها، لتنطلق بعدها إلى مجتمع لا يرحمها باعتبارها سيدة متمردة على العادات التي تقضي ببقائها مكرهة تحت رحمة وإرادة الزوج منزوع منها حقوق عديدة كحق الحياة الكريمة وحق الطلاق وحق العودة برغبتها في فترة العدة، أما الخلع فسيعطيها هذه الحقوق وتصبح سيدة أمرها.

"المشاهد نت"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى