من أبطال المسلمين

>  القعقاع بن عمر

القعقاع بن عمرو بن مالك التميمي فارس وقائد مسلم، وبطل عربي مشهور، شهد حروب الردة والفتوحات الإسلامية وله بلاء عظيم في معركة القادسية واليرموك وغيرهما من معارك المسلمين، ظهرت ملامح شخصيته بوضوح شديد في الفتوحات فقد كان شجاعا مقداما ثابتا في أرض المعارك وبجوار شجاعته وشدة بأسه على الأعداء كان شديد الذكاء وذا حنكة عسكرية في إدارة المعارك وظهر ذلك في معركة القادسية، ولا يختلف المؤرخون على فروسيته، من بني أُسَيِّد من قبيلة بني تميم.

اختلف في صحبته، أن للقعقاع بن عمرو  دور كبير في حروب الردة، فقد أرسله أبو بكر الصديق  للإغارة على علقمة بن علاثة العامري وكان قد أسلم ثم ارتد عن الإسلام في عهد الرسول ﷺ وبعد وفاته عسكر علقمة في بني كعب يريد غزو المدينة المنورة فبلغ ذلك الصّديق فبعث إليه سرية بقيادة القعقاع بن عمرو ويقال القعقاع بن سور وقال له «ياقعقاع سر حتى تغير على علقمة بن علاثة، لعلك أن تأخذه لي أو تقتله، واعلم أن شفاء الشق الحوص، فاصنع ما عندك»، فخرج القعقاع على رأس هذه السرية، وكان علقمة مستعدا دائما، وعندما أقبلت عليه سرية القعقاع على الماء الذي ينزله علقمة هرب على فرسه ولم يستطع أحد اللحاق به، فأخذ القعقاع أهله وولده وقدم بهم على أبي بكر الصديق في المدينة وأنكر أهل علقمة وولده أنهم على حاله في الردة وقالوا لأبي بكر ما ذنبنا فيما صنع علقمة؟ فقبل منهم وأرسلهم، وقد أسلم علقمة بعد ذلك فقبل منه أبو بكر الصديق إسلامه وعفا عنه.

عندما انتهى خالد بن الوليد من قتال مسيلمة الكذاب، أتاه كتاب أبي بكر الصديق يأمره بالتوجه إلى العراق، وبعد وصول الرسالة قرأها خالد على جنده، فرجع أكثر الجيش ولم يبقَ معه إلى القليل، فطلب خالد المدد من أبي بكر فأمده برجل واحد وهو القعقاع بن عمرو فتعجب الصحابة من ذلك وقالوا لأبي بكر: أتمد رجلا قد انفض عنه جنوده برجل واحد؟ فقال لهم «لايهزم جيش فيه مثل هذا». وفي رواية أخرى «صوت القعقاع بن عمرو في الجيش خير من ألف رجل».

وهي بداية معارك المسلمين في العراق، سار خالد بن الوليد ومعه المدد الذي أرسله له أبو بكر الصديق وهو القعقاع بن عمرو، وانضم لهم المثنى بن حارثة الشيباني فكان مجموع الجيش ثمانية عشر ألف مقاتل.

فأرسل خالد رسالة إلى هرمز يدعوه فيها إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، فلما قدم الكتاب على هرمز جمع جموع جيشهم وخرج مسرعا بهم إلى كاظمة، وكان هرمز قد اتفق مع بعض جنوده على الغدر بخالد وقتله عند المبارزة ليكسر شوكة المسلمين، فخرج إليه خالد وهجم على هرمز واحتضنه، وفي تلك اللحظة خرجت المجموعة الفارسية التي اتفق معهم هرمز وهجموا على خالد وهو مشتبك مع هرمز وأحاطوا به من كل جانب، فخرج إليهم القعقاع بسرعة كبيرة، وحسن تقدير، وأزاح هذه الحامية عن خالد بن الوليد، وكان خروج القعقاع إيذانا ببدء القتال بين الطرفين، ولم يجد المسلمون صعوبة في التغلب على الجيش الفارسي الذي تحطمت نفسيته بمقتل قائدهم هرمز.

كان القعقاع بن عمرو مع الجيش المحارب للحيرة وشهد فتحها، بعدها قرر خالد الخروج للأنبار وكان فيها حامية فارسية، واستخلف القعقاع بن عمرو على الحيرة، وقد كان موضع ثقة لخالد بن الوليد فخرج خالد إلى الأنبار وعين التمر وأستطاع فتحهما، ثم توجه إلى دومة الجندل مدد لعياض بن غنم، فطمع الفرس بالإغارة على المسلمين.

وفي اليوم الثاني من أيام معركة القادسية، وفي هذا اليوم تجلت بطولة القعقاع بن عمرو بعد وصوله أرض المعركة، فبينما كان المسلمون مستعدين لقتال عدوهم، طلعت عليهم نواصي الخيل القادمة من الشام، والتي كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر بصرفها من الشام إلى العراق، وكانت تقدر بستة آلاف مقاتل، بقيادة هاشم بن عتبة وعلى مقدمتهم القعقاع بن عمرو، وقد أحس القعقاع بحاجة جند المسلمين في القادسية إلى المدد، فتعجل هو ومن معه وعددهم ألف فارس، فطووا المسافة قبل عامة الجيش، فوصل ورجاله في الوقت المناسب، في صباح يوم أغواث، فكانت بداية حسنة وجيدة للمسلمين، استبشروا بها خيرا، ورفعت معنوياتهم بعد يوم متعب وصعب وهو يوم أرماث، وقد عمد القعقاع إلى أسلوب تكتيكي رائع قبل وصوله، واخترع شكلا من أشكال الفن العسكري في المعارك، حيث قسم القعقاع فرسانه الألف إلى عشرات، وعهد إليهم أن يتوافدوا إلى أرض المعركة كل عشرة على حدا، وأن لا تتحرك المجموعة الأخرى حتى تصل الأولى، فتقدم القعقاع على رأس العشرة الأولى، ووصل إلى المسلمين وسلم عليهم، وبشرهم بقدوم المدد من الشام، وقال لهم: «يا أيها الناس أني قد جئتكم في قوم، والله لو كانوا مكانكم، ثم أحسوكم حسدوكم حظوتها، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم، فاصنعوا كما أصنع». ورغم صعوبة السفر وعنائه لم يخلد القعقاع للراحة، بل توجه إلى ميدان القتال مناديا: من يبارز؟ وكان فرسان الفرس على معرفة تامة بالقعقاع من حروبهم السابقة وأنه فارس لا يشق له غبار، مرهوب الجانب في المعارك، فترددوا في الخروج إليه، فاضطر أشجع فارس فيهم إلى الخروج إليه وهو بهمن جاذويه فقال له القعقاع من أنت؟ فقال أنا بهمن جاذويه، وعندها تذكر القعقاع ما أصاب المسلمين في موقعة الجسر على يد هذا القائد، ومقتل أبو عبيد الثقفي وألاف المسلمين، فثار الدم في جسمه ورأى أنها الفرصة المناسبة للأخذ بثأر المسلمين، فصاح القعقاع في وجه بهمن جاذوية يالثأرات أبو عبيد وسليط وأصحاب الجسر، وهجم القعقاع على بهمن جاذوية وقتله، وسر المسلمون بمقتله، ووهنت الفرس، فكانت هذه بداية حسنة للمسلمين، وبداية سيئة للفرس في هذا اليوم.

ولم تشترك الفيلة في هذا اليوم، فأراد القعقاع أن يرهب خيل الفرس، كما فعلت الفيلة بالأمس بخيل المسلمين، فحمل هو ورجال من بني عمه بني تميم على أبل قد برقعوها، وجعل لهذه الأبل المبرقعة فرسان تحميها، وحدث له ما أراد، فقد نفرت منها خيل الفرس، مما ساعد المسلمين على حربهم وطعانهم، ولقيت الفرس في هذا اليوم أشد من مالقيه المسلمون من الفيلة بالأمس، وظهر النصر في هذا اليوم للمسلمين بفضل الله عز وجل ثم بفضل خطط القعقاع بن عمرو، التي كانت لها الدور الأكبر في إرجاع كفة المعركة لصالح المسلمين، وقد حمل القعقاع في هذا اليوم ثلاثين حملة على الفرس، وفي كل حملة يقتل فارسا أو أكثر.

وكان اليوم الثالث والمسلمون والفرس في مواقعهم على استعداد كامل لبدء القتال، ورأى القعقاع أن يبدأ هذا اليوم بعمل يرفع فيه شأن المسلمين، وبدأ القتال بين الجيشان، وبدأ أصحاب القعقاع بالتوافد إلى ميدان القتال، فلما رآهم القعقاع كبر وكبر معه المسلمون، وقالوا جاء المدد، وكلما طلعت مئة عليهم كبر القعقاع وكبر معه المسلمون، فزاد ذلك من عزيمتهم وشدتهم على عدوهم، وقد استخدم الفرس في هذا اليوم سلاحهم الفتاك الفيلة، وقد رأى ما كان صنعه المسلمون بالفيلة في اليوم الأول بتحطيم توابيتها، فقاموا بوضع فرسان لحمايتها، وبدأ القتال شديد من أوله إلى آخره، وبعث يزدجرد بالنجدات والمدد إلى الفرس بالقادسية، وكان القتال سجالا بين الطرفين، وأحسن الفرس توجيه ما معهم من فيلة، فهاجمت المسلمين وفتكت بهم، وفرقت جموعهم، فرأى قائد المسلمين سعد بن أبي وقاص ما تفعله الفيلة بصفوف المسلمين، فاستشار بعض الفرس الذين كانوا قد أسلموا، وانضموا إلى جيوش المسلمين عن أفضل وسيلة لكسر شوكة هذه الفيلة، فقالوا له المشافر والعيون لا ينتفع بها بعدهما بالفيلة، فجال سعد ببصره يمنة ويسرة للبحث على من يحسن القيام بهذه المهمة، فوقع اختياره على القعقاع بن عمرو وأخيه عاصم بن عمرو التميمي، فأرسل إليهما ليقتلا الفيل الأبيض، فتقدم البطلان القعقاع وأخوه عاصم، فوضعوا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض في وقت واحد، بعد أن أوعزا إلى بعض فرسان الكتيبة بمشاغلة ومزاحمة حراسه حتى يزيدوا من حيرة الفيل واضطرابه، فانتفض الفيل، وسل القعقاع سيفه وضرب خرطومه فقطعه، فوقع الفيل على جنبه وسقط من كان في الصندوق فوقه.

مدينة المنزلة والتي سميت بهذا الاسم نظرا لنزول الكثير من الصحابة بها ودخل القعاع المنزلة وكانت تسمى "تنيس البحرية" وسميت بعد دخوله "منزلة القعقاع" وأمَّرَه القائد عمرو بن العاص عليها ليبني بها أول مسجد، وظل بها حتى توفي ودفن بضريحه بجوار المسجد ثم بعد تجديد المسجد والضريح أصبح مرتبط بالمسجد والذي أصبح مزارًا معروفًا .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى