المتغيرات العالمية وأصدائها على المسارات الوطنية والإقليمية

> د. صالح طاهر سعيد

> تأخذ موضوعات الرصد و التحليل طرائق وأشكال متعددة، إما أن تنحو المنحى التتبعي للتفاصيل الكمية للأحداث المتعاقبة في المكان والزمان المحددين، وإما أن تنحو المنحى التتبع للتغيرات النوعية وتناولها في ارتباطاتها بالحلقات الوطنية والإقليمية والدولية، وارتباطات التجاور والتعاقب، أو من حيث ارتباط النتائج بأسبابها.
د. صالح طاهر سعيد
د. صالح طاهر سعيد


نحن وبالنظر إلى تعقيدات المشهد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري الداخلي والخارجي الذي سيركز عليه هذا الموضوع سنكون مضطرين إلى الأخذ بالأبعاد كلها والكشف عن التوازنات القائمة التي ينبغي أن تكون بين هذه التقسيمات الكمية والنوعية للأحداث، سوف نركز في هذا المقال على تناول الحراك السياسي والدبلوماسي الخارجي المتصل بقضية شعب الجنوب وعلى المتغيرات العالمية إجمالا وأصدائها على مسارات الداخل.

أولا: الجانب السياسي والدبلوماسي:

انتقل مركز الثقل في التطور العام للأحداث والتحركات من الداخل إلى الخارج، من الساحة الوطنية إلى الساحة الإقليمية والدولية. وهو انتقالا منطقيا، فمنجزات الداخل ينبغي أن تنال التفاعل والاعتراف الخارجي.

الترابط والتزامن بين الداخل والخارج كان ولازال سيد المشهد في البدايات الأولى لظهور المشكلة وهو حاضرٌ اليوم بقوة في نهاياتها ومسارات حلها. فمع انهيار التوازن الدولي وسقوط نظام الثنائية القطبية العالمي في تسعينيات القرن الماضي تحرك على نحو مفاجئ موضوع ما أسمي حينها صهر وتذويب الشعبين والدولتين في دولة واحدة "الوحدة" كما أطلق عليها آنذاك، وقد كانت بصمات القطب المنتصر حاضرة بقوة، حيث لازلنا نتذكر تصريحات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب عبر هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عندما كان في زيارة صنعاء وهو نائب رئيس، ووجهت له ال "بي بي سي" سؤالا حول الموقف الأمريكي من اتفاق 30 نوفمبر الوحدوي أجاب بالحرف الواحد: "نحن ندعم الاتفاق لأن لحلفائنا ستكون فيه الغلبة، ومن ثم ما كان خارج نفوذنا سيكون في دائرة نفوذنا ". وانتقل اليمن بشعبيه ودولتيه من حالة التحديد إلى حالة اللا تحديد للحق والعلاقات الحقوقية بين الشعبين والدولتين وعلاقتهما بالعالم ومؤسسات الشرعية الدولية، فلا هوية محددة، ولا سيادة محددة ولا قرار سيادي محدد، وتهيأ الواقع في جغرافية الشعبين والدولتين لمن غلب. كان كل ذلك كافيا للتأسيس لحروب متواصلة دشنت في حرب 1994 ويتواصل سجالها إلى اليوم.

كما لازلنا نتذكر زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي بيليترو إلى صنعاء الذي كشف المستشار السياسي السابق للرئيس العراقي صدام حسين، سعد البزاز في كتابه "رماد الحروب" عن فحوى تلك الزيارة، حيث كان توقيتها قبل معركة عمران بساعات وهي المعركة التي أشعلت حرب 1994 حيث صارح حينها علي عبدالله صالح بيليترو قائلا: أنا جاهز لحسم الموقف عسكريا وكنت منتظر وصولك بفارق الصبر وما يهمني هو سماع الموقف الأمريكي، ورد عليه بيليترو نخشى أن تبدأ الحرب ولن تستطيع حسمها سريعا وتضع الموقف الأمريكي في حالة حرج أمام دول العالم. وكان ذلك بلغة الدبلوماسية ضوء أخضر وايذانا بالحرب بمعنى اذا انتم على ثقة من حسمها لصالحكم وفي أقل وقت ممكن يمكنكم الأخذ بالحسم العسكري ، وبعدها بساعات بدأت الحرب بإشعال فتيلها في معركة عمران، وكان الشعار الكبير للحرب إسقاط آخر قلعة من قلاع الشيوعية لجعل ما يحدث مرتبطا بالصراع الدولي ، لقد كان ذلك غطاء للبدء في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، المتضمن هدم الخرائط السياسية للدول العربية واستبدالها برسم خرائط سياسية جديدة، عبر إدخال المنطقة في فوضى الصراعات والحروب المذهبية والعرقية وتأطير كل ذلك في ما أسموه بالفوضى الخلاقة. تسمية تم اختيارها بعناية لتشير إلى أنه من رحم الفوضى وتدمير الدول العربية بحدودها الدولية القائمة يتخلق على أنقاضها شرق أوسط جديد تنتهي فيه الحدود الوطنية للدول وهوياتها العربية والإسلامية وتشكيل خارطة سياسية جديدة للمنطقة.

لقد استبدلت المفاهيم الوطنية والقومية والدينية المألوفة وحلت محلها مفاهيم من قبيل الشرق الأوسط الجديد، محل النظام الإقليمي العربي وحلت المسميات العرقية والجهوية محل مسميات العروبة والمسميات الوطنية للشعوب والدول العربية ، ليس ذلك فحسب، بل امتد الأمر ليشمل إعلاء المسميات المذهبية على اختلافها وتهميش الهوية الإسلامية الموحدة للعالم العربي. حيث كان يراد لكل تلك المسارات أن تكتمل باكتمال الهياكل الجديدة لما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي يراد له أن يضم ما يقرب من خمسين إلى ستين دولة بدلا من القوام الحالي لدول النظام الإقليمي العربي الذي يضم اثنين وعشرين دولة، وتوحيد الأديان والمذاهب المتناحرة في ديانة واحدة جامعة أسموها الديانة الإبراهيمية، وستصبح وفقا لذلك مفاهيم الشرق الأوسط الجديد والابراهيمية هي العناوين الكبرى التي ستعرف بها المنطقة.


لكن ليس كل ما يخطط له قابل للتنفيذ، فالجسم العربي جسم حي يرفض كل الأجسام الغريبة التي تجري محاولات زرعها في المنطقة، ويقاوم كل المشاريع التي تتجه بعض القوى الكبرى إلى فرضها عليه من خارجه. مع ذلك فقد تمكن المشروع التفكيكي من المساس وإلحاق الضرر ببعض المكونات العربية( دولتي اليمن، السودان، العراق، لبنان، وسوريا ، و ليبيا ) وما يهمنا هنا هو ما يجري في الحالة اليمنية الذي يستحيل التعامل معه بوصفه حدثا منفصلا عن مجموع الأحداث والتطورات في العالم العربي ، بل وفي العالم كله.

هناك مبدأ من مبادئ النظرية النسبية يقول إنه إذا انطلقت من نقطة محددة على الكرة الأرضية وسرت في خط مستقيم، فإن نقطة الانطلاق ستكون هي نقطة الوصول ويبدو أننا سنحصل على نفس النتيجة إذا اتبعنا الخطوات نفسها في الحالة اليمنية. فنقطة الانطلاق في الحالة اليمنية هي ثنائية الشعبين والدولتين التي بدأت بإلغاء الشعبين والغاء حقوقهما الوطنية الثابتة( هوية وطنية مستقلة لكل منهما، سيادة محددة وقرار سيادي مستقل لكل من الشعبين)، ودمرت بذلك جغرافية الملعب وجرى تغييب لاعبيها وإسقاط المرجعيات التي تحكم الملعب، فأصبحت الحركة فوضى لا يحكمها لا عقل ولا قانون.

حالة الفوضى واللا عقل وما ترتب عليها من صراعات وحروب، فلا شعوب ولا دول محددة ولا حقوق محددة ولا عقل ولا مرجعيات، ووصفت الحالة بالتشابك والتعقيد وسميت بالحالة اليمنية في إشارة إلى حالة اللاتحديد وعدم الثبات والاستقرار، استمرت حالة العشوائية والفوضى والحرب على مدى أكثر من ثلاثة عقود لتفرز بالنتيجة عودة المعادلة الثنائية التي يقوم عليها الواقع الاجتماعي والسياسي في جغرافية جنوب الجزيرة العربية، حيث رفض الواقع الجغرافي والاجتماعي والسياسي القبول بأي خرائط وتقسيمات غير خارطة الشعبين والدولتين، فأعادنا المسار إلى نقطة البداية التي انطلقت منها المشكلة وهي نقطة إلغاء الشعبين واسقاط حقوقهما الوطنية الثابتة بحدودهما الدولية المعترف بها دوليا قبل مايو 1990.

بالوصول إلى هذه النقطة نكون قد اقتربنا من مفاتيح الحل، فقد أعيدت إلى الظهور جغرافية الملعب بكامل تقسيماتها وحدودها وأعادت أطراف اللعب المتمثلة بالشعبين إلى الظهور من جديد وظهور حقوقهما الوطنية الثابتة، ولم يتبقَّ أمام فرض وإعلان الحلول إلا الإقرار بها من قبل الأطراف المعنية في المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، فهنا ينبغي أن تكون عودة إلى الحق والعقل والقانون وهي عودة إلى الإقرار بمبادئ القانون الدولي، المبادئ المنظمة للعلاقات بين شعوب العالم ودوله مبادئ احترام الهوية الوطنية المستقلة للشعوب واحترام سيادة كل شعب على أرضه وحقه في قراره السيادي المستقل.

إن ما حدث مثَّل خروجا فجا عن الحق والعقل وعن القانون وكانت له نتائج وتداعيات كارثية ليس على الشعبين والدولتين فحسب، بل وعلى مصالح الأمة العربية وعلى العالم كله، وضرب في الصميم المرجعيات والعهود والقواعد المنظمة للعلاقات بين شعوب العالم. وهو الأمر الذي يفسر لنا كل هذا الكم الكبير من التحرك العالمي . كما أن ميزان القوى المتحرك على كل المستويات وهيمنة أصحاب المشروع التفكيكي على القرار الدولي والإقليمي والوطني خلال العقود الماضية مثل السبب الرئيس لتأخر انتاج الحلول التي تعيد الحق إلى نصابه وتفرض العدالة.

ثانيا: متغيرات النظام العالمي وانعكاساتها الايجابية على الحالة العامة في المستويين الإقليمي والوطني.

يشهد العالم أفول تدريجي لنظام القطب الواحد ومخاض ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تتقوض فيه الثلاثية التي يستند عليها نظام القطب الواحد في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وفي أوروبا وأوكرانيا والعالم العربي ومحيطه الإقليمي ، بعد أن بلغ الصراع العالمي أشده في هذه البؤر الثلاث.

يمكن الإشارة هنا إلى أن مخطط التفكيك الذي وضع حيز التنفيذ في العالم العربي منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين وصعود نظام القطب الواحد ودشن بضرب وتفكيك دولتي اليمن، استمرت نتائجه وتداعياته الكارثية على بلادنا وعلى العالم العربي كله إلى اليوم، الأمر الذي يعني أن إصلاح ما خربه المشروع التفكيكي وإعادة بناء النظام الإقليمي العربي يرتبط بصورة مباشرة بالمتغيرات العالمية وبناء المعادلات الجديدة للتوازن الدولي. الآخذ في التشكل اليوم.

ثالثاً: النظام الإقليمي العربي، المتغيرات الوطنية والعلاقات البينية الداخلية وعلاقات العرب بمحيطهم الإقليمي.

وصف أحد الكُتاب الصينيون ما يحدث في العالم العربي بزلزال القرن، فالمتغيرات التي تحدث اليوم لا تغير وجه المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي، بل وتمثل عامل مهم في تغيير وجه العالم كله .

ولأغراض فهم هذه التطورات يمكن تناولها في أربع حزم من العلاقات:

1 - الحزمة الأولى العلاقات الوطنية داخل كل دولة:

يشهد الوضع الداخلي في معظم الدول العربية وبالأخص تلك التي طالها مشروع التفكيك انتقالا تدريجيا واضحا من حالة إعلاء شأن الانتماءات المذهبية والعرقية والجهوية لصالح ترسيخ وتعزيز الهويات الوطنية وتعزيز الولاء الوطني، أمام تراجع واضح للولاءات الخارجية سواء كانت دينية، مذهبية، عرقية، أو ولاءات أيديولوجية حيث أصبح الولاء في الحالة اليمنية للشعبين والدولتين وللحقوق الوطنية الثابتة لكل منهما، وتقترب العديد من الشعوب العربية الأخرى من الوصول إلى نفس النتيجة (العراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا) ومازال المشروع التفكيكي يحاول التعبير عن استمراره وتواصله في السودان بعد أن تم دفع القوى السودانية إلى الاحتراب الداخلي مع بعضها وتركها تواجه مصيرها، بعد الهروب الجماعي للقوى الدولية التي دفعت بالأطراف السودانية إلى الاقتتال مع بعضها.

2 - الحزمة الثانية - تطور العلاقات البينية بين الدول العربية:

استشعرت الدول العربية بالأخطار المحدقة بها وبمستقبل وجودها كشعوب ودول، الأمر الذي دفعها إلى إعادة صياغة العلاقات البينية مع بعضها والاتجاه إلى التعاون والتكامل مع بعضها لحماية هوياتها الوطنية وحماية الأمة ورفض كل أشكال التفكيك المذهبي والعرقي والأيديولوجي وحماية الإسلام بوصفه دين موحد للأمة العربية.

وبهذا الاتجاه يمكن تسجيل النجاحات الرائعة التي حققتها عمليات إعادة العلاقات بين معظم الدول العربية إلى وضعها الطبيعي ونذكر منها العلاقات السعودية العراقية، العلاقات السورية العراقية، والسورية السعودية والسورية الإماراتية والمصرية الليبية، والمصرية السودانية، والعلاقات داخل دول مجلس التعاون الخليجي وعلى الأخص إعادة العلاقات مع قطر إلى وضعها الطبيعي وكذلك العلاقات مع لبنان.

نقطة الارتكاز التي شكلت الأساس التي انطلقت منه إصلاح العلاقات البينية بين الدول العربية هو الدفاع عن النظام الإقليمي العربي ورفض أي تغيير في الخرائط السياسية للدول العربية التي طالها المشروع التفكيكي المسمى "الشرق الأوسط الجديد" والمضي قدما إلى إعادتها إلى وضعها الطبيعي.

3 - الحزمة الثالثة - تصحيح مسار العلاقات العربية مع المحيط الإقليمي للعالم العربي:

تمكنت القوى الغربية من توظيف الماضي العدائي بين العرب والجوار الإقليمي للبلدان العربية واستخدامه لتعظيم هيمنتها على المنطقة كلها وتأمين تبعيتها لها أو جعلها مجرد رقم مرجح لهذه الكفة أو تلك في معادلات التوازن الدولي.

لقد أدركت شعوب المنطقة ودولها وحكوماتها أنه لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر إلى ما لا نهاية أو أن المتغيرات الهائلة التي يشهدها الوضع العالمي وإن العالم يتهيأ لولادة عالم جديد تحكمه التعددية القطبية، وأن هذه العوامل كلها تهيئ العالم العربي وجواره الإقليمي لإحداث التحولات الكبرى والانتقال إلى مسارات جديدة تنقل المنطقة من مجرد رقم تابع مستخدم إلى رقم فاعل مستقل في معادلات العالم الجديد الذي ما زال في طور التشكل والتأسيس.

مثل الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وصعود دعوات مصرية للحاق بهذا الركب، مثل زلزال سياسي بحسب وصف أحد الدبلوماسيين المخضرمين في الخارجية المصرية الذي قال عن الاتفاق أنه يعكس توجه سعودي جديد يتجه نحو تقليص الارتباط التاريخي للمملكة بواشنطن وإقامة علاقات متوازنة مع أطراف المعادلة الدولية كلها وبالأخص، الصاعدة منها روسيا والصين ودعا الدول العربية إلى ترقب ردود أفعال واشنطن وتل أبيب تجاه الاتفاق.

وبالتأكيد سيعطي الاتفاق انعكاسات مهمة على الأوضاع في كل من اليمن ولبنان ، وعلى مسارات العلاقات الإيرانية العراقية والتركية العراقية ومسارات التطبيع بين سوريا وتركيا برعاية روسية وعلى مجمل العلاقات العربية مع الجوار الإقليمي.

4 - الحزمة الرابعة - العلاقات العربية مع القوى الكبرى والدور العربي المتوقع في تشكيل العالم الجديد:

هناك مجموعة من المحددات التي تلعب دورا استثنائيا في تحديد طبيعة علاقات العالم العربي والعالم الآخر نذكر أهمها :

أ - المساحات الشاسعة للعالم العربي والموقع الجغرافي الجيوسياسي المتميز الذي يتوسط قارات العالم وهمزة الوصل بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب.

ب - العمق التاريخي الحضاري للأمة العربية الضارب جذوره في أعماق التاريخ.

ج - مهد الرسالات السماوية ومهبط الوحي ومنطلق الأنبياء والرسل للإنسانية كلها .

د - مخزون الطاقة في الأرض العربية المسؤول إلى حد كبير عن تغطية احتياجات الاقتصاد العالمي.

هـ - ميزات ومحددات أخرى تتميز بها الأمة العربية دون غيرها من الأمم.

لم يستفد العرب من كل هذه المعطيات في العصر الحديث وأضاعوا فرص كثيرة أولها بعد خروج الأتراك من الوطن العربي، ووقوعهم تحت الهيمنة المباشرة للاستعمار الأوروبي، ثم الوقوع في شباك الاستقطاب الدولي وانقسامهم كمناطق نفوذ بين قطبي المعادلة الدولية، وبعد انهيار التوازن الدولي في 1990 خضع العالم العربي كله لهيمنة القطب الواحد الذي ساد خلال العقود الثلاثة الماضية.

يوفر الحراك العالمي اليوم ومسار لانتقال من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب يوفر فرصة رائعة للعالم العربي لإعادة بناء ذاته وبناء نظامه الإقليمي ولعب دور استثنائي في بناء العالم الجديد وتحوله من رقم تابع إلى رقم فاعل في معادلات التوازن الدولي القادم.

رابعاً: المتغيرات العالمية وانعكاساتها على تحديد أولويات شعب الجنوب في المرحلة الانتقالية:

يرتبط بدء المرحلة الانتقالية بلحظة التقاء النهايات بالبدايات وهو ما يعني استعادة ثنائية الشعبين والدولتين التي بإلغائهما بدأت المشكلة وبدأت الفوضى والصراع والحرب.


أن المتغيرات الدولية وبلوغ الحالة اليمنية لحظة العودة إلى الثنائية تحدد أولويات المرحلة الانتقالية التي يمكن ترتيبها على النحو الآتي:

1 - تسوية جغرافية الملعب بأبعادها الجغرافية والاجتماعية والسياسية وتجديد الاعتراف بطرفيها المتمثلة بالشعبين ودولتيهما والإقرار بحدودهما الوطنية وحدود السيادة والقرار السيادي المستقل لكل منهما.

2 - الاتفاق على الشكل الكونفدرالي نظام حكم للمرحلة الانتقالية مدتها لا تزيد عن سنتين ، طرفيه الشعبان والدولتان بحيث يقوم الحكم على ثلاثة مستويات للسلطة:

المستوى الاول سلطة انتقالية لإدارة شعب ودولة الجنوب.

المستوى الثاني سلطة انتقالية لإدارة شعب ودولة الشمال.

المستوى الثالث سلطة انتقالية مشتركة مهمتها سلطة تنسيقية تتولى تنسيق العلاقة بين السلطتين وتنسيق العلاقات مع الخارج.

3 - الاقتصاد والمال: يتم تأطير وتوزيع الموارد الاقتصادية والمالية بين ثلاثة بنوك تُنشأ لهذا الغرض وتوفر الاستقلال الاقتصادي والمالي لكل مستوى من المستويات الثلاثة للسلطة، ويبدأ بإلغاء وتفكيك البنك المركزي وإعادة هيكلة البنوك بحيث يعاد التأسيس وفقا لما يلي:

- البنك الوطني الخاص بالموارد الاقتصادية والمالية لدولة الجنوب يدار من قبل السلطة الانتقالية لدولة الجنوب.

- البنك الوطني الخاص بالموارد الاقتصادية والمالية لدولة الشمال يدار من قبل السلطة الانتقالية لدولة الشمال.

- البنك الاتحادي الكونفدرالي الخاص بالمرحلة الانتقالية تورد إليه نسبة من موارد الدولتين لنقول 20 ٪ من موارد دولة الشمال و20 ٪ من موارد دولة الجنوب ويدار من قبل السلطة المشتركة الانتقالية.

4 - التشريعات الدستورية الانتقالية:

- تشريعات دستورية وقانونية انتقالية خاصة بدولة الجنوب.

- تشريعات دستورية وقانونية انتقالية خاصة بدولة الشمال.

- تشريع دستوري انتقالي خاص بالسلطة المشتركة.

5 - إعادة هيكلة العمل الدبلوماسي بحيث يغطي التمثيل الخارجي المستويات الثلاثة للسلطة الانتقالية تمثيل مستقل لدولة الجنوب وتمثيل مستقل لدول الشمال وتمثيل انتقالي مشترك خاص بالاتحاد الكونفدرالي للجنوب والشمال .

الهيكلة :إعادة صياغة العلاقات الداخلية بين المكونات الجغرافية الإدارية الجنوب وإعادة صياغة العلاقات الخارجية بين الجنوب والشمال، وبهذا الاتجاه ينبغي أن تحقق الهيكلة الأهداف الاستراتيجية الآتية:

الهدف الأول: تحقيق التوازن الوطني والشراكة والمساواة بين المكونات الجغرافية والإدارية لدولة الجنوب واعتماد الشكل الفيدرالي للحكم ( هيكلة الداخل الجنوبي) وإعادة بناء الهوية الوطنية المستقلة لشعب الجنوب والحقوق الوطنية الثابتة للشعب.

الهدف الثاني: ضبط حدود الهوية الوطنية المستقلة لشعب الجنوب وضبط حدود السيادة والقرار السيادي المستقل لدولة الجنوب، ويتم هنا التركيز على الآتي:

1 - إلغاء التعديلات الإدارية في التقسيم الاداري التي أقدم عليها نظام الاحتلال بهدف طمس الحدود الجغرافية المعترف بها بين الشعبين والدولتين وإعادة حدود المحافظات المحادة للشمال كما كانت قبل 1990.

2 - ضبط الحراك السكاني ومنع محاولات التغيير الديموغرافي التي شهدها الجنوب خلال العقود الثلاثة الماضية سواء كان ذلك عبر النزوح السكاني إلى الجنوب أو عبر الانتقال الوظيفي من مؤسسات الدولة في الشمال إلى مؤسسات الدولة في الجنوب أو من خلال الهجرة الغير شرعية الآتية من القرن الأفريقي.

3 - بتحقيق أهداف الهيكلة تتعزز الوحدة الوطنية لشعب الجنوب وامتلاك كل أسباب القوة ، الشرط الضروري والحاسم لإعادة بناء التوازن الاستراتيجي مع الغير والتأسيس للاستقرار والسلام في المنطقة.

* أستاذ الفلسفة السياسية المساعد - كلية الآداب جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى