من أجل اللقمة الحلال.."الـعـمــيــد" أشهر بائع آيسكريم منذ 22 عام في عدن

> خالد الجداوي

>
مُنذ 22 عامًا ولا يزال قائد محـمد علي أحمد الناصري الملقب بـ"العميد" يبيع الآيسكريم في المدارس والطرقات والأسواق والملاعب في عدن، العميد يبلغ من العمر 64 عامًا ويعيل أسرة مكونة من 6 أولاد وبنتين، وهو عسكري متقاعد وراتبه 35 ألف، وفي حرب عام 94م مُزِقت عروق عينه اليمنى أثناء دفاعه عن مستودعات الجيش في حي الطويلة، واليوم يصارع العميد أمراضًا عدّة وخضع لعمليتين، ومؤخرًا اكتشف إصابته بورم في الكلى وحجر في المرارة. 


يشرح العميد قصته في بيع الآيسكريم والصعوبات والخسائر التي واجهها قائلا: "أول مابدأت أشتغل كنت أبيع الحبة الآيسكريم بـ10 ريال كنت أذهب إلى الشيخ أشتري الكيس الحمر 25 كيلو بـ2500 و50 كيلو بـ4000، والآن سعر الكيلو بـ 3000، الآن التجارة ليست مثل زمان حتى الحمر الموجود الآن مش درجة أولى كنت أبيع أكثر من أربعة أنواع آيسكريم (حمر، واللبن والمانجو والكركدية، والفراولة) ولكن بسبب ارتفاع الأسعار اضطررت لبيع نكهة الحمر فقط، والكثير من الزبائن يطلبون مني النكهات اللي كنت أبيعها زمان ولكن صعب توفيرها الآن، حيث كنت أشتري العلبة المانجو ب 800 ريال واليوم سعرها بـ 8000 ألف والحليب، والكيس البلاستيك كنت أخذ الشدة ب50 ريال والآن ب900".

وأضاف : "الكمية التي كنت أسويها سابقا تباع كلها في نفس اليوم، والآن نفس الكمية ولكن تباع خلال 3 أيام ودخل كل يوم يروح مصاريف وهذا سبب خسارة الضمار، الناس تشوفنا الآن أعبي الشنطة فلوس تفتكر إننا أستفيد باليوم الواحد 20 ألف ولكن في الحقيقة تذهب كلها لشراء المكونات والباقي في اليوم 4000 ألف فقط".

يستذكر العميد أيامه القديمة والتي امتلك فيها  3 ثلاجات ساعدته كثيرًا في عمله، ولكن تعطلت بسبب الكهرباء، والآن يقوم بتبريد الآيسكريم عند معمل شركة نانا، وهذا لمعرفته القديمة بهم حيث عمل معهم في الشركة قبل فترة، خاصة في حرب 2015 والتي لم يستطع فيها صنع الآيسكريم، ولكنه عاد لمهنته بعد انتهاء الحرب من جديد.

وعن فترة عمله في الإجازات المدرسية يقول العميد : "في أوقات إجازة المدارس أخرج للشغل الساعة 10 صباحا وحتى 1 الظهر، أروح أتغدى وأرتاح قليل إلى أذان العصر، أخرج أصلي وأكمل عملي إلى الساعه 7 مساء.


قائد الناصري والملقب بـ "العميد" هو عسكري متقاعد في الجيش  وراتبه 35 ألف "لا تكفي مصروف واحد من أولادي" حسب قوله، مضيفا: "كنت في مليشيا الجيش "الاحتياط والتعبئة ودائرة التجنيد".

وبالنسبة لأفضل مواسم العمل في بيع  الآيسكريم يوضحها العميد بقوله : "أفضل مواسم العمل هي أيام المدارس وأوقات المباريات وخاصة الحاسمة مثل نصف النهائي والنهائي، وفي بعض الأوقات أجد صعوبة في دخول الملعب وأرجع أدخل بواسطة، وبعض الأوقات أجلس أبيع جنب البوابة، ما قدرت أنطلق بحرية، آخر مباراة في الحبيشي، منعت من دخول الملعب، والسبب أن الآيسكريم المثلج بيعور اللاعبين إذا رماها أحد الجماهير، قلت للأمن: الجمهور يللا يحصل آيسكريم يأكله محد فاضي يرمي اللاعبين، رد العسكري ممنوع خليه يذوب وبعدين ادخل، المضايقة الآن زادت، كان أول البلدية تضايقنا أما الان فالوضع تحسن".

وأكمل :أنا إنسان مريض ما أقدر أشتغل غير ببيع الآيسكريم، سويت عمليتين بالكلى والصبع الزائدة، والآن رحت مستشفى عدن، عشان أعمل تحاليل، واكتشفت إصابتي بورم في الكلى وحجر في المرارة.

وعن بعض القصص التي  حصلت للعميد مع الزبائن يقول: "في ناس كانت تتسلف مني، وأنا ما أطالبهم، وغابوا معاد أشوفهم، دارت الأيام والسنين، وقابلتهم بالصدفة، أحدهم كان مسافر في بريطانيا، ولما رجع شافنا قال لي: الله يا عميد للآن تبيع آيسكريم، وقال لي أنت كنت تسألنا فلوس، كم سعر الآيسكريم الآن، قلت له ب200 ورد كنت أشتريها ب 10، وعوضنا بمبلغ بسيط، وفي كثير أحصلهم بعد سنين طويلة ويرحبون بي، وأحدهم قابلته عند ملعب الحبيشي بسيارته، ومعه أسرته صيح لي وقال: اعطينا آيسكريم، وقال لأولاده، هذا كنت أشتري منه الآيسكريم، وأنا بعمركم، وشخص آخر اسمه أصيل يشتغل الآن في مخابز الرحاب الخيرية، كنت أعرفه وهو طفل كمل دراسته، وسافر السعودية ورجع بعد زمن يشتغل في المخبر، وكنت بالصدفة رايح آخذ منهم روتي مجاني، شافنا وتفاجأ وسلم علي".


ويحرص العميد على تعليم أولاده، وعدم انخراطهم في العمل إلا في أوقات الإجازة، وذلك "لأني أتمنى لهم مستقبل أفضل مني، وأحرص على تعليمهم، وفي بعض الأوقات أخليهم يروحون يبيعون في ملعب الحبيشي، ولكن محد يشتري منهم لعدم معرفة الناس بهم، ولما أجي يسألوني الزبائن فين الآيسكريم ياعميد وأخبرهم أن هؤلاء أولادي، وأحاول تعريفهم بالزبائن" حسب قول العميد.

العميد أب لـ  6 أولاد وبنتين، يقول :"ولدي الكبير عبدالله خلص الثانوية قلت لهم باتخلص الجامعة قال لي يا أبي مابتقدر تصرف على دراسة الجامعة ومصاريف البيت، والآن يشتغل في مطعم المراسيم".

وعن سبب لبسه للنظارة، قال: "أنا لما كنت في الجيش عام 94 كنت ماسك مستودعات في حي الطويلة، ولما وقعت الحرب دخلت الناس تنهب المستودعات، تأثرت بهذا الموقف وارتفع عندي الضغط، وراحت عيني اليمنى، وسافرت مصر للعلاج، وهناك قال لي الدكتور الله لطف عليك كان ممكن يحصلك ضربة نصفية، والحمد لله مزقت عروق العين اليمنى، الآن لما أخرج بدون نظارة ما أقدر أشوف بالشمس بسبب عدسة العين".

ويختم حديثه لـ "الأيام" قائلا: "الحمد لله لم أمد يدي لأحد ولا أسال هذا، ولا أقول لأحد مافيش، أنزل بالدبة حقي، حتى لو فيها 20 حبة أبيعها وأروح بيتي، وعشت حياتي بالحلال، وأحارب وأجاهد من أجل لقمة العيش".


ونشر العديد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي قصة العميد من بينهم الناشط معين السعدي والذي قال في منشور له في فيس بوك: "هذا الإنسان أذكره بالضبط من قبل حوالي 18 سنة وأكثر، لما كنا ندرس في الابتدائية، وهو يبيع السكريم بمنطقة الخساف جنب مدرسة سيف وبالحوافي المجاورة ، أنت متخيل إن إنسان بهذه العزيمة والصبر والتفاني بالعمل، من أجل كسب لقمة الحلال، مازال مستمرا لأكثر من عقدين من الزمان في بيع السكريم، اللي مكاسبه بسيطة جدا لا تكاد تذكر، ورغم كل حاجة مرت فيها البلد، والأوضاع المأساوية اللي وصلنا لها والغلاء، ومازال مستمرا في عمله والتعب واضح ومبين عليه.

أنا ما كتبت عليه عشان إنه محتاج مساعدة أو شيء، لأن شخص زي هذا يعافر كل هذي السنين بدون ما يمد يده لحد، ما يستاهلش مساعدات فقط بل يستاهل تكريم"

وفي منشور للناشط داؤود باوزير قال فيه: العميد من صغرنا وهو يبيع الآيسكريم ولسنوات عديدة، بدأ بدبة صغير والآن معه جاري يدهفه، رغم كبر سنه وضعف نظره وصحته التعبانة، إلا أنه مستمر في طلب الرزق الحلال، ويدور من مكان لمكان، حقيقة مثال للرجل الحقيقي والرجل العفيف،


ونتمنى أن تكون لأهل الخير لفتة طيبة له ، من تطوير لمشروعه ومعالجة عينيه ، وكذلك أن يكون له تكريم خاص يستحقه فهو مثال للرجل الحقيقي المستور العفيف المعافر في هذه الحياة، لك مني كل الحب والاحترام والتقدير.

ماهر عبدالنور ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا نشر على نفس الموضوع وقال: "العميد هذا الرجل عميد الكفاح عميد الشغل والرزق الحلال.. رنة صوته مازالت عالقة، أتذكر يوم من الأيام كانت مباراة التلال وشعب إب في دوري رئيس الجمهورية، كان الملعب مشحون عن بكرة أبيه، والشمس كأنها تسلطت على مدرجات الحبيشي يومها، جفت الحناجر من الهتاف، فأغلب المشجعين أصابهم الإعياء من الشمس ونفد مخزون الماء لكل واحد منا، فاصبحنا  نرى أرضية الملعب كأنها سراب واحة ماء، نبحث بين زحمة المدرجات عن منقذ عن عميد المدرجات وهو يدور ويطوف بين المشجعين، ليبيع ما يعينه في حياته من آيسكريم وأكياس الماء، لا أخفيكم إنه كان ماهرا جدا برمي الآيسكريم، كون المدرجات ممتلئة عن بكرة أبيها، ولا يستطيع إيصال طلب كل واحد إلى عنده.


أتذكر يومها صرخت كالغريق الذي متعلق بقشة، يا عميد بمجرد ما التفت إلي، رميت له النقود لينقذ روحي برميه لكيس الماء البارد، وحبة الآيسكريم، الذي جعل كل من في المدرج يصرف النظر عن المباراة، يشاهدون دقة الرمية، وأين ستسكن في شباك مَن من الجمهور ??

   لتصدق مقولته "ببررررد على قلبك بررررد. عميد ملعب الحبيشي يعود من جديد"

خاص لـ "الأيام".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى