تبادل السفراء بين مصر وتركيا يفتح الطريق لمعادلات جديدة في المنطقة

> "الأيام" العرب اللندنية:

> استقبلت دوائر سياسية في مصر وتركيا خطوة تعيين سفيرين جديدين في القاهرة وأنقرة بما هو أبعد من كونها تتعلق بتحسن منتظر في العلاقات بين البلدين، حيث سترخي بظلالها على بعض التوازنات الإقليمية التي تأثرت بتوتر العلاقات الفترة الماضية وقامت بعض حساباتها السياسية على التنافر بينهما.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الثلاثاء فيما يتعلق بعلاقات بلاده مع مصر “إنه ليس من الممكن أن تبقى تركيا ومصر اللتان تجمعهما روابط عديدة بعيدتين عن بعضهما البعض”.

ويشير التطبيع الكامل للعلاقات إلى أن البلدين تجاوزا جل خلافاتهما الرئيسية، ولم تعد هناك إشكاليات حقيقية تحول دون التطوير، فقد كانت مصر حريصة على عدم الوصول إلى هذه النقطة إلا بعد تيقنها من التوصل إلى تفاهمات راسخة مع تركيا.

واستغرقت المحادثات المباشرة وغير المباشرة بين البلدين فترة من الوقت للوصول إلى اللحظة التي يتم فيها التوافق على عودة السفيرين، وبدت القاهرة حذرة حيال التطمينات التي تلقتها من أنقرة عبر تصريحات إيجابية عديدة من كبار المسؤولين فيها، وتعاملت مع الأمر بتريث حتى أعلنت القبول بتبادل السفراء.

وانتظرت القاهرة استقرار إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجديدة في السلطة، بما يوحي أن تأخيرها في التجاوب مع الإشارات الإيجابية التي تلقتها سابقا من أنقرة كان مقصودا منه أن يأتي متوافقا مع وجود إدارة جديدة لتأكيد أن التفاهمات معها كبيرة، وأن كل الإشكاليات الإقليمية أو غالبيتها تم تجاوزها.

وأعلنت مصر وتركيا في توقيت متزامن الثلاثاء رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، ورشحت الأولى عمرو الحمامي سفيرا لها في أنقرة، بينما رشحت الثانية صالح موتلو شن سفيرا لها في القاهرة.

وجاء ترفيع العلاقات الدبلوماسية في إطار تنفيذ قرار الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في مايو الماضي بعودة العلاقات إلى طبيعتها.

وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها الثلاثاء إن تلك الخطوة تهدف إلى تأسيس علاقات طبيعية بين البلدين من جديد، كما تعكس عزمهما المُشترك على العمل نحو تعزيز علاقاتهما الثنائية لمصلحة الشعبين المصري والتركي.

وأكدت وزارة الخارجية التركية الثلاثاء أن أنقرة والقاهرة رفعتا مستوى العلاقات بينهما تماشيا مع اتفاق بين الرئيسين أردوغان والسيسي.

واتفق وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره التركي في يونيو الماضي على أهمية المضي قدما بمسيرة استعادة كامل العلاقات بين البلدين.

وشغل السفير عمرو الحمامي منصب القائم بأعمال السفير المصري لدى أنقرة، وتولى منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية والمعاهدات الدولية.

وكتب السفير التركي الجديد صالح موتلو، والذي عمل مندوبا لتركيا لدى منظمة التعاون الإسلامي وحاليًا هو عضو في المجلس الاستشاري للسياسة الخارجية، بعد تعيينه على موقع تويتر قائلا “أود أن أعرب عن امتناني وشكري للثقة التي منحها لي فخامة رئيس الجمهورية التركية، ومعالي وزير الخارجية. أسأل الله التوفيق”.

ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الثنائية نموا على أصعدة مختلفة بعد إغلاق الملف الحرج المتعلق بدعم أنقرة لجماعة الإخوان بمصر، فعودة السفراء تعني تخطي عقباتها تماما وعدم وجود ذيول تعكر صفو العلاقات لاحقا، بما يفتح المجال أمام تعاون متعدد المستويات، في مقدمتها المستوى الإقليمي الذي كان حافزا لأنقرة لدفع عجلة التقارب حثيثا نحو القاهرة التي يسهم التعاون معها في حلّ بعض التناقضات.

ويصعب على تركيا أن تصبح عضوا فاعلا في الشرق الأوسط وعلاقاتها متوترة مع أكبر الدول العربية، ولذلك فالتطبيع معها يساعدها على تجاوز بعض المطبات ويضفي على خطابها بشأن المصالحات الإقليمية مصداقية عالية، وقد يفتح لها بعض الأبواب الموصدة في غاز شرق البحر المتوسط إذا وصلت مع مصر إلى صيغة تمكنها من تنحية فكرة الصدام معها في أيّ من القضايا الحرجة.

وقال الباحث في الشؤون التركية كرم سعيد لـ”العرب” إن قرار رفع العلاقات الدبلوماسية يفهم في سياق تطورات متباينة جرت على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، والتي تؤكد حرصهما المشترك على إنهاء فترة القطيعة السياسية بينهما وما تسببت فيه من تداعيات سلبية لكليهما.

وأوضح أن هناك انعكاسات لعودة العلاقات الكاملة على المنطقة، أبرزها على الأزمة في ليبيا، فقد تدفع نحو تسريع وتيرة إجراء الانتخابات والعمل معا على زيادة نطاق التنسيق بين القوى المؤثرة في شرق ليبيا وغربها وتأسيس قوة عسكرية موحدة.

وأضاف كرم سعيد أن القاهرة يمكن أن تصبح وسيطا مؤتمنا بين تركيا واليونان وقبرص لتسوية الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية بشرق البحر المتوسط، وتوسيع مساحات التعاون بين القاهرة وأنقرة مع طهران عقب ظهور ملامح تقارب جديد بين مصر وإيران قد تقود إلى تعاون إقليمي جديد بينها.

وإذا كانت عودة العلاقات تعكس تقاربا وإمكانية الاستفادة منها في بعض القضايا الإقليمية قد تقلق جهات يمكن أن تتأثر مصالحها من وراء تطويرها، بينها التحالف بين مصر واليونان وقبرص الذي تعزز على وقع التوتر بين القاهرة وأنقرة، ناهيك عن الانعكاسات المنتظرة على مصادر الطاقة والبحث عن نفوذ إقليمي من خلالها، حيث تريد مصر أن تصبح مركزا إقليميا لها، وهو هدف تبحث عنه تركيا.

ويقول مراقبون إن البلدين تباحثا في تفاصيل كثيرة وأنهيا الخلافات على هذا المستوى، فالمدة التي استغرقها الوصول إلى محطة التطبيع جرى فيها التباحث في الملفات القلقة، وبينها ملف الطاقة، والذي احتل مساحة كبيرة من النقاش، لأنه لا يتعلق بالدولتين فقط، فهناك قوى إقليمية عدة على تماس معه.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن تركيا، سواء في شرق المتوسط أو ليبيا، حرصت على عدم تجاوز الخطوط الحمراء لمصر ولم تعتد على حقوقها، والمناوشات التي جرت كان الهدف منها الضغط على القاهرة للتفاهم معها وليس الاعتداء عليها، وباستثناء ورقة الإخوان والإسلاميين عموما التي فقدت بريقها لدى تركيا، كانت العلاقات تسير على وتيرة هادئة على الرغم من التوتر الظاهر فيها.

ويمكن أن تفتح عودة السفراء أفقا واعدا بينهما وتثير إزعاجا لقوى تقلق من حدوث تناغم مرتفع، فروافده قد تنكأ جروحا مع آخرين لا يريدونها وغير مستعدين لها، في وقت يكرس كلاهما جهده لحل أزمة اقتصادية ربما تعصف بأيّ إنجازات خارجية تتحقق على وقع التقارب الحاصل بينهما.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى