إيران... 70 عاماً على انقلاب قادته «سي آي أي» لإطاحة محمد مصدق

> «الأيام» الشرق الأوسط:

> في أغسطس 1953 نجح انقلاب قادته الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) في إسقاط رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، وتوطيد أركان حكم الشاه محمد رضا بهلوي لأكثر من 25 عاماً قبل اندلاع ثورة 1979.

وجاء الانقلاب، الذي نفذه أفراد في جيش الشاه وقوات أمنه، بعد تأميم مصدق، رئيس الوزراء آنذاك، صناعة النفط في البلاد. وفي الوقت ذلك، كانت مصفاة عبادان في جنوب غرب إيران هي الأكبر في العالم، ومصدراً رئيسياً للنفط بالنسبة إلى بريطانيا، التي دعمت الانقلاب من أجل استعادة مكسبها وسيطرتها.

كان الانقلاب يمثل بالنسبة إلى الأميركيين، الذين أيّدوا الأمر بدفع رشاوى وأسلحة وغيرها من الحوافز التي تقدّر قيمتها بملايين الدولارات، ما كانت تراه واشنطن آنذاك أفضل فرصة لعرقلة ووقف أي توسع من جانب الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط.

ولم يكن الشعب لديه أدنى فكرة، وقت الانقلاب، عن دور الاستخبارات المركزية الأميركية في تلك الفتنة وذلك الاضطراب، لكن ذلك تغير خلال السنوات التالية.

وقاد كيرميت روزفلت الابن، حفيد ثيودور روزفلت، الرئيس الأميركي الأسبق، مخطط الاستخبارات المركزية الأميركية من إيران، ونشر لاحقاً كتاباً عنه.

لقد غذّى التدخل الأميركي في الانقلاب عداء من أطاحوا بالشاه، وخلال السنوات التالية تفادت الولايات المتحدة الأميركية نشر أي تفاصيل خاصة بالأمر من ملفات الحكومة.

ونشرت وزارة الخارجية عام 2017 بشكل هادئ تفاصيل الانقلاب، التي كانت خفية يوماً ما من تاريخها الرسمي، رغم الإبقاء على سرية بعض جوانبها حتى اليوم.

وقد شهد نقل الأخبار من طهران وقت الانقلاب العديد من التحديات أيضاً، حتى إن إحدى الصحف نشرت بالتفصيل كيف أرسلت وكالة أنباء «أسوشييتد برس» أول نبأ عن الانقلاب، لكنها لم تنقل أو ترسل أي شيء لساعات.

وجاء في الطبعة المسائية من صحيفة «ذا إيفينينغ ستار» في واشنطن العاصمة في 19 أغسطس 1953: «يبدو أن إرسال وكالة (الأسوشييتد برس) قد تعطل بسبب الرقيب، وعادت للعمل بعد الإطاحة بالحكومة».

وكان أحدث إرسال وقتها يتم من خلال الآلات المبرقة الكاتبة. كذلك كانت وكالة «أسوشييتد برس» تعتمد أيضاً على العديد من كتّابها الرئيسيين وقتها، من بينهم نيت بولويتزكي، الذي عمل لاحقاً محرراً أجنبياً خلال مسيرة مهنية امتدت 50 عاماً.

وكان يتم تحرير الموضوعات الصحافية، التي تم نشرها بعد ذلك، لتصحيح أي أخطاء مطبعية مع الحفاظ على أسلوب وكالة «أسوشييتد برس» آنذاك. وكان يشمل ذلك هجاء اسم العاصمة الإيرانية طهران، وهجاء اسم رئيس الوزراء محمد، وكذلك اسم الشاه محمد رضا بهلوي.

كذلك تضمن التقرير الأولي مزاعم وردت في الإذاعة تشير إلى أن حسين فاطمي، وزير الخارجية آنذاك، «قد تم تمزيقه إرباً»، رغم أنه كان مختبئاً وقتها، وألقت السلطات القبض عليه بعدها بأشهر، وأعدمته رمياً بالرصاص بعد عقد محاكمة عسكرية له.

إطاحة الغوغاء برئيس الوزراء الإيراني

كشك صحيفة شيوعية أحرقه المتظاهرون المؤيدون للشاه بعد الانقلاب الذي أطاح رئيس الوزراء محمد مصدق، في طهران 19 أغسطس 1953 (أ.ب)
كشك صحيفة شيوعية أحرقه المتظاهرون المؤيدون للشاه بعد الانقلاب الذي أطاح رئيس الوزراء محمد مصدق، في طهران 19 أغسطس 1953 (أ.ب)

طهران إيران 19 أغسطس: اندلعت انتفاضة مؤيدة للحكم الملكي في جيش وشرطة محمد مصدق، رئيس الوزراء، في طهران، اليوم، ونشبت معارك ضارية في وسط المدينة. تم التصدي للجهود الأولى للشرطة، والقوات الموالية للشاه محمد رضا بهلوي، للسيطرة على مقرّ الشرطة الرئيسي بوابل من الرصاص. (ذكرت نشرات إذاعة طهران التي تم استقبالها في لندن أن مؤيدي الشاه قد أطاحوا بمصدق، وجعلوه يفرّ للنجاة بحياته، وأن الغوغاء /البلطجية/ قد مزقوا حسين فاطمي، وزير الخارجية، إرباً).

ودعت النشرة، الشاه، الذي كان في روما، إلى العودة. وكانت مئات الطلقات تمر أعلى رؤوس جموع المتظاهرين في ميدان سباه. وحرق مؤيدو الشاه ثمانية مباني على الأقل في وسط المدينة قبل تحول المظاهرات إلى هجمات مسلحة من جانب الموالين للشاه في قوات الشرطة والجيش ضد أماكن رئيسية مثل وزارة الخارجية.

لم تتضمن النشرة الموجزة، التي تم التقطاها في لندن، أي تفاصيل عن الاضطراب المذكور في طهران، وتم منع وصول برقيات، أو تعطيلها، بحيث لا يكون هناك تأكيد فوري للأمر. وأوضحت رسائل قادمة من طهران قبل ذلك خلال ذلك الصباح وجود عنف جماهيري وإطلاق نيران من جانب الشرطة في العاصمة.

مع ذلك كانت تلك الرسائل تذكر أن سبب الاضطرابات هو محاولات الشرطة منع مؤيدي مصدق من ذوي النزعة القومية والشيوعيين من مواصلة المظاهرات المحمومة ضد الشاه.

وفرّ الشاه محمد رضا بهلوي، حاكم إيران الوسيم، الذي كان يبلغ 33 عاماً، من البلاد مع ملكته الجميلة ثريا يوم الأحد الماضي عندما أحبطت قوات مصدق محاولة لطرد رئيس الوزراء القديم، وترسيخ أقدام فضل الله زاهدي، الجنرال المدعوم من الغرب والمختار من الشاه.

وصل الشاه والملكة إلى روما أمس. ذكر التقرير المرسل من طهران تعيين زاهدي في منصب رئيس الوزراء. وتولى مصدق، الرجل سريع البكاء ذو الأنف الذي يشبه منقار الصقر، السلطة في أبريل 1951، ومعه مطالبات قومية للحكومة بالاستحواذ على صناعة النفط، التي يبلغ حجمها 30 مليون طن سنوياً، من البريطانيين، الذين كانوا يسيطرون على شريان الحياة في البلاد لنحو نصف قرن.

وأدى رفضه التنازل وقبول مواءمات في برنامجه، الذي يؤمم شركة النفط الأنجلو إيرانية، التي يبلغ حجمها ملياراً و500 مليون دولار، إلى توقف تدفق النفط إلى الغرب مما تسبب في انقطاع مرير للعلاقات الدبلوماسية بين إيران وبريطانيا. وكان الشاه وملكته يتناولان الغداء في الفندق الذي كانا يقيمان به في روما عندما سمعا بالتقرير الذي يتضمن نبأ الإطاحة.

وقال الشاه متحمساً إنه يتوق إلى العودة لبلاده. قال الرجل الذي قرأ الدعوة الموجهة إلى الشاه في إذاعة طهران: «هذه المرة تمكّن الشعب من السيطرة على العاصمة، ونحن ننتظر بحماسة وشوق عودتك».

قبل هذا جاء بعد الإعلان الأول عن إطاحة مؤيدي الحكم الملكي بمصدق صريخ مضطرب في محطة الإذاعة، حسب مراقبين في لندن.

وذكرت محطة «تبريز» الإذاعية في أذربيجان، الإقليم القريب من الاتحاد السوفياتي، أنها كانت في أيدي مؤيدي الشاه، وكذلك أشارت إلى أن كل حاميات الجيش في أذربيجان قد اتخذت جانب الشاه.

ومع ذلك كانت الإذاعة في أصفهان، التي تبعد 200 ميل عن طهران، تنحاز إلى مصدق. وبثّت محطة إذاعة طهران التماساً إلى الشعب بالتزام الهدوء. وتحدث رائد على الهواء مباشرة وقال: «انصتوا، أنا ضابط مشاة أحاله مصدق الخائن إلى التقاعد. لقد أثبتنا للعالم أن الجيش الإيراني هو حامي هذا البلد، وهو يخضع لقيادة الشاه». كذلك دعا صوت امرأة الشعب الإيراني إلى «إثبات أن الأجانب لا يستطيعون السيطرة على البلاد»، وأضافت قائلة: «يحب الإيرانيون الشاه، ويدفع مصدق بلادكم نحو حكم المطرقة والمنجل».

لقد أحكم مصدق قبضته، التي تشبه المنجل، على إيران لأكثر من عامين، وقد أخذ في سحق المعارضة لنظامه، سواء كانت من جانب الخصوم في البرلمان أو قادة دينيين أو القصر.

لقد تخلى مرة واحدة فقط عن منصبه رئيس وزراء، وكان ذلك عندما تولى أحمد قوام رئاسة الحكومة، لكنه ظل في المنصب لثلاثة أيام فقط قبل أن يتسبب مؤيدو مصدق في خلعه. ربما يتبين أن المحاولة الثورية الأخيرة قصيرة العمر، لأن مصدق ذا التوجه القومي لا يزال يحظى بدعم هائل في الأسواق، والأحياء الفقيرة، والمدن المزدحمة.

يبدو أن هناك عاملاً رئيسياً آخر غير مستقر، وهو إلى متى سوف يستمر حزب «توده» الشيوعي في دعمه؟ إن الحمر في نظر أكثر الدبلوماسيين الغربيين هم أكثر تنظيم سياسي ترابطاً والتحاماً وتماسكاً في البلاد. لقد ظلوا لعدة أشهر منحازين إلى مصدق في مواجهة القصر. وربما يتخذون موقفاً الآن، خاصة إذا بدا أن أي نظام جديد سوفسيكون متحفزاً للقضاء على حزبهم الذي لا يحظى بصفة قانونية رسمية.

كان مراقبون من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يلتقطون نشرات طهران هنا، وكانت كل قنوات التواصل الطبيعية الخارجية مع طهران مغلقة.

وكانت وزارة الخارجية البريطانية تتعجل الحصول على التقارير الإذاعية الواردة إلى تشرشل، رئيس الوزراء، في منزله الريفي بمقاطعة كينت، لكنها ذكرت أنه ليس لديها أي تأكيد لخبر الانقلاب.

وقال المراقبون هنا إن صرخات مضطربة مشوشة كانت تصاحب قراءة أول بيان من طهران. وكان الصريخ على ما يبدو ناجماً عن خلاف على من يقرأ الإعلان، حيث قال أحدهم: «دعني أقرأه»، في حين قال آخر: «لا، أريد أنا قراءته»، ثم ظهر صوت العقل قائلاً: «لا يهم من يقرأه طالما أنه ستتم قراءته».

رسمت النشرة الملكية صورة لنصر تام كامل، مع نجاة مصدق بحياته. ولم تكن الإشارة إلى تمزيق فاطمي إرباً تتضمن أي توضيح أو شرح، لكن كان ذلك يعني، كما تم افتراضه، أن وزير الخارجية قد وقع في أيدي مؤيدي الحكم الملكي.

حشود من المتظاهرين يجتمعون أمام البرلمان بعدما أعلن رئيس الوزراء محمد مصدق أنه أحبط انقلاباً موالياً للشاه في طهران، إيران في 16 أغسطس 1953 (أ.ب)
حشود من المتظاهرين يجتمعون أمام البرلمان بعدما أعلن رئيس الوزراء محمد مصدق أنه أحبط انقلاباً موالياً للشاه في طهران، إيران في 16 أغسطس 1953 (أ.ب)

لم يكن هناك أي توضيح لمكان هروب مصدق، وكان مسؤولون بريطانيون لا يزالون في انتظار ما إذا كان مؤيدو مصدق من الشعب سوف يتظاهرون في الشوارع أم لا. لقد اعتقدوا أنه من الممكن أن يتم حسم الأمر في مواجهات وصدامات في ميادين العاصمة.
الشاه في روما حريص على العودة ويقول إن الشعب يقف خلفه

روما، 19 أغسطس  (أسوشييتد برس): قال شاه إيران اليوم إنه سيعود إلى بلاده إذا ما تبين صحة التقارير التي توضح الإطاحة بحكومة مصدق. كان الشاه البالغ من العمر 33 عاماً يتناول الغداء في فندقه عندما وردته أنباء من إذاعة طهران.

وقد قفز بحماسة، وقضم السيجارة بتوتر، وقال: «رجاء أعلمونا بالمزيد. أريد تأكيداً، وأريد العودة فوراً». عندما اطلّع الشاه على التقرير الوارد من إذاعة طهران، قال إن الجيش الإيراني قد نظّم عملية الإطاحة.

وأوضح قائلاً: «يجب أن يصبح العقيد بهلوان أحد أفراد عائلتي. لا تريد بلادي الشيوعيين، لذا كانوا مخلصين لي».

وجاء في المحادثة التليفونية في روما أن خطوط الاتصال مع طهران قد انقطعت فجأة صباح هذا اليوم دون ذكر للأسباب.

في الوقت الذي كان الشاه ينتظر فيه ورود أنباء جديدة، قال إنه خطط قبل رحلة الطيران الأخيرة له يوم الأحد الماضي للذهاب إلى أذربيجان شمال إيران.

وأوضح قائلاً: «أردت الذهاب إلى هناك لتنظيم حكومة جديدة والهجوم على طهران ومصدق»، واستطرد قائلاً: «عندما قيل لي إن محاولات حرسي قد فشلت، وإنه قد تم القبض على القادة واحتلال قصري. مع ذلك بعد تفكري في الأمر، اعتقدت أن أفعالي سوف تؤدي حتماً إلى إراقة الدماء، وأن هذا هو ما سوف أمنع حدوثه بأي ثمن. لذا ذهبت إلى بغداد في العراق، لأكون في مكان قريب قدر الإمكان من بلادي، وخططت لأن أظل هناك حتى يحدث الأمر الحتمي الذي حدث بالفعل اليوم. مع ذلك اضطررت إلى المغادرة بسبب صحة الملكة. لذا ذهبنا إلى روما حيث يوجد للملكة الكثير من الأصدقاء».

كانت الملكة ذات العيون الخضراء، البالغة من العمر 20 عاماً، تجلس إلى جانب الشاه على أريكة، في حين كان يرتدي ملابس غير رسمية ويروي قصة الرحلة، فيما كانت ترتشف المياه المعدنية بتوتر.

وأعلن الشاه، الذي هرب من مملكته في الشرق الأوسط بعد فشل محاولة مبكرة لخلع محمد مصدق، رئيس الوزراء: «أعلم أن 99 في المائة من الشعب الإيراني يؤيدني ويساندني ويدعم حرية الأمة. أي شخص غير شيوعي مخلص لي وللحكم الملكي».

وأحضر الزوجان معهما ثلاث حقائب سفر خلال رحلتهما من بغداد. وكانت إحدى الحقائب تحتوي على الجواهر الخاصة للملكة.

ولدى سؤاله عما إذا كانت الماسة الشهيرة «مرآة النور» من بين تلك المجوهرات، قال الشاه: «لا، لقد أهديتها إلى بلادي منذ مدة طويلة».

وكان يتم الاحتفاظ بجواهر التاج الإيراني في مصرف «بنك ملي» (البنك الوطني الإيراني) في طهران لعدة سنوات، ويقال إنه يتم استخدامها كدعم جزئي للعملة المحلية.

وكان بصحبة الزوجين محمد خاتمي، الطيّار الشخصي للشاه، وأبو الفات أتاباي، ملحق شخصي للحاكم.
ربما تحسم الغوغاء المؤيدة لمصدق في طهران الأمر

بقلم نيت بولويتزكي

المراسل الأجنبي لوكالة «أسوشييتد برس»

لندن- 19 أغسطس: ربما تحمل الحشود الصارخة المتشاجرة في شوارع وأسواق طهران في أياديها مصير إيران.

في حين أن رئيس الوزراء السابق مصدق لا يزال حياً، لم يتم حسم الأمر والصراع بعد. لقد تم إعلان خلعه اليوم، لكن منذ يومين كان لا يزال يسيطر على الدعم المتعصّب من جانب صغار التجار في الأسواق والمشاكسين في الشوارع المسلّحين بالأحجار والعُصي.

وكان خلال العام والنصف الماضيين يحظى، مع بعض الاستثناءات المحدودة، بدعم حزب «توده» (الشيوعي) المحظور القوي والمنظم جيداً، الذي يعدّ أقوى تنظيم سياسي في إيران.

ما لم يخسر مصدق كل هذا الدعم بين عشية وضحاها، أو ما لم يثر الجيش بشكل جماعي، ويقبض على كبار مساعدي الرجل العجوز، من الصعب تصور سقوط مصدق دون قتل لاستعادة سلطته.

لقد ناضل مصدق الماكر، الذي يعارض دائماً من أجل الاستحواذ على السلطة في البلاد، لأكثر من 50 عاماً، وبعد نجاحه في ذلك لأكثر من عامين، لن يستسلم بسهولة.

في يوليو (تموز) 1952، رأيت حشوداً من البلطجيين تعيد مصدق إلى السلطة بعدما استقال إثر خلاف مع الشاه، وخلفه خصمه القديم أحمد قوام البالغ من العمر 82 عاماً.

في البداية، كانت هناك مظاهرات أمام مبنى البرلمان، وبدت بريئة في البداية، ثم خرج البلطجيون من الأسواق، والأحياء الفقيرة، وهم يصيحون «الموت لقوام» و«الموت للشاه» و«مصدق أو الموت».

واندفعوا في الشوارع في حر القيط، يلقون بالحجارة على الشرطة، وحطموا النوافذ التي تعلّق صور الشاه، ومزقوا ملابسهم، ودفعوا بصدورهم العارية نصال أسلحة قوات قوام.

مات الكثير منهم، ولطّخ رفاقهم قمصانهم بدماء القتلى، وجرّوا الجثث عبر الشوارع، ولا يزالون يقاتلون الجنود، ويحتشدون فوق الدبابات، ودائماً ما يصرخون تأييداً لمصدق الذي ظل في منزله وراء الجدران العالية في إحدى شوارع طهران الهادئة.

وأخذت الحشود تتجول في الشوارع طوال النهار والليل يحرقون وينهبون ويصيحون إلى أن استقال قوام أخيراً، واستدعى الشاه القوات إلى الحاميات.

اتجهت الحشود بعد ذلك إلى منزل مصدق، وأعينهم تحترق بنيران التعصب، وصاحوا مهللين وممجدين للرجل السابق.

لقد حدث ذلك حينها، ويمكن أن يحدث مرة أخرى. ومع ذلك، في تلك الأيام حظي مصدق بدعم أبي القاسم كاشاني، الزعيم الديني ذي النزعة القومية، الذي يكره بريطانيا، والذين أعد القتلة والبلطجيون التابعون له الطريق لتعيين مصدق في منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى. مع ذلك اختلف الاثنان بسبب سيطرة مصدق الكاملة على السلطة تدريجياً في إيران.

السؤال الأهم الآن هو أين يقف كاشاني، إلى جانب مصدق أم إلى جانب مؤيدي الحكم الملكي؟

كاشاني مخادع وماكر مثل قطعة من الزئبق. ورغم خلافاته الأخيرة مع مصدق، الذي أقاله من منصبه رئيساً للبرلمان، لم يكن كاشاني محباً للشاه قطّ.

عندما حدث خلاف بين مصدق والشاه خلال شهر فبراير الماضي بسبب حكم الجيش، انحاز كاشاني إلى الشاه. وطاردت الحشود الداعمة لكاشاني، مصدق، وهو يرتدي ملابس النوم، وكان عليه الهروب من منزله. لكن خرج أنصار مصدق إلى الشوارع متظاهرين، وباتت لهم اليد العليا، وسيطروا على الوضع تدريجياً أمام مبنى البرلمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى