وديع منصور في حوار مع لـ"الأيام": الشمال يتجه للإمامة والجنوب قد يصبح وعاء للصراعات

> عدن «الأيام» خاص:

>
  • التوصل لحلول توافقية للصراع في اليمن قد يستغرق عشرين عاما
  • الجنوبيون لا يستطيعون فك الارتباط وفرض أمر واقع مثل الحوثيين
  • عدن فقدت الكثير من ملامحها وغرقت في المعاناة والفوضى
  • المحافظات المحررة ستشهد عدم استقرار لوقت طويل
> أجرت صحيفة "الأيام" حوارًا مع الإعلامي والسياسي العدني البارز وديع منصور، تناولت فيه مواضيع عدة من بينها مستجدات الأزمة اليمنية، ومدى جدية الدول الفاعلة في الدفع صوب إنهاء الحرب في اليمن، والعوامل الرئيسية التي تهدد استقرار المحافظات المحررة.
كما تناول الحوار الواقع الجنوبي الراهن في ظل شراكة المجلس الانتقالي مع الشرعية، وكذا ما يعتمل في شمال اليمن من قبل جماعة الحوثي.
  • وفيما يلي نص الحوار:
> دعني أبدأ معك من الأزمة اليمنية، هل اليمنيون أقرب اليوم إلى تحقيق السلام برأيك؟

- في المجتمعات المنكوبة الأيام تمضي بطيئة، لكن السنوات تمر أسرع، فكثير من اليمنيين لا يصدقون أن أزمة بلدهم مضى عليها عقد كامل من الزمن، وكأن ما حدث كان بالأمس! دعني أكون واضحا أنا لستُ متأكدا أن اليمنيين أقرب إلى السلام اليوم أكثر من السابق ! انظر فقط لكيفية إدارة الأزمة وستعرف أنها تدار إما بالتصعيد، أو بشكل خاطئ.

> أفهم من كلامك هذا بأنك تعتقد أن الأزمة ستطول؟

- الشرعية مستمرة بالضعف والتعقيد، والحوثيون تزداد قبضتهم إحكاما على شمال اليمن، وليس ذلك فحسب بل إنهم أصبحوا أكثر تهديدا للداخل والخارج على حد سواء، أما إخوان اليمن فهم يسعون بكل الوسائل إلى استعادة قوتهم ومكانتهم وبأي ثمن.

للأسف السنوات تمر سريعًا، وقد يجد اليمنيون أنفسهم بعد عشرين عاما من اندلاع الحرب غير قادرين على التوصل لحلول توافقية، علينا ألا ننسى أيضا أن الأجندات الخارجية من جهة، وتضارب مصالح القوى الدولية الفاعلة هي التي ستلعب في آخر المطاف الدور الحاسم، إما في وضع النهاية لأزمة اليمنيين أو جعلها تستمر، ومن سوء الحظ أن العالم يمر في الوقت الراهن بمرحلة عنيفة من الصراع بكل الوسائل بين قطب عالمي مهيمن، ولكنه بدأ يضعف، وولادة قطب آخر، ولكن بصعوبة شديدة.

> لكن ما مدى جدية الدول الفاعلة بإنهاء الحرب في اليمن؟

ـ ما زلت أعتقد أن الأجندات والمصالح الخارجية في أي صراع محلي هي التي تشكل العائق الأكبر في التوصل لسلام حقيقي، إليك مثلًا أوضح على ما أقصده، الولايات المتحدة لا تمانع من سيطرة الحوثيين على شمال اليمن، وواضح أيضا أن بريطانيا التي استخدمت لزمن طويل ورقة الإخوان المسلمين، تحاول إيجاد صيغتها الخاصة لحل الأزمة في اليمن، من لديه حلفاء كبريطانيا وأمريكا، لا يحتاج لمزيد من الأعداء!.

كثيرون يعرفون أن من ساعد على قيام نظام الملالي المتطرف في إيران، وقام بدعم الأنظمة الجمهورية العسكرية القمعية في المنطقة، هي نفسها الدول التي تدعي الحرص على التوصل للسلام في اليمن، وفي غيره من دول المنطقة، ويمكن استحضار أكثر من نموذج على الأدوار التدميرية التي لعبها الغرب في منطقتنا، وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، فما حدث في العراق وسوريا على سبيل المثال يعد الكارثة الأكبر التي واجهتها شعوب المنطقة في العصر الحديث، بعد الواقع المرير الذي فرضه الغرب على الفلسطينيين.

وديع منصور
وديع منصور

> هل يمكن أن يشكل الجنوب منطلق حل جزئي للأزمة في اليمن؟

- يخيل لي أحيانًا أن أزمة اليمن صممت خصيصًا لإعادة الشمال إلى ما قبل الجمهورية العسكرية، والجنوب لما قبل دولة الإشتراكية المتشددة، ولكن هذا أمر تخيلي فقط.

وفي الواقع فإن الشمال عمليا يسير أكثر ثباتا بهذا الاتجاه، أي استعادة نظام الإمامة، الخشية هي أن يصبح الجنوب وعاءً للصراع بين كل الأطراف، وبالتالي بين قوى خارجية مختلفة.

المبعوث السابق الى اليمن جريفيث حاول تفكيك الأزمة، وإيجاد حلول منفصلة، ربما لأنه اقتنع حينها أن الحل الشامل من الصعب تحقيقه في بلد كاليمن، ومع ذلك منيت جهود جريفيث مثل سابقيه بالفشل، المؤكد أن الجنوبيين لا يستطيعون فك الارتباط من طرف واحد مع الشمال، أي لا يستطيعون فرض الأمر الواقع مثلما فعل الحوثيون، وهذا بحد ذاته سبب كافٍ يجعلنا نستبعد احتمالية أن يشكل الجنوب منطلقا لحل جزئي للأزمة في البلاد، ومالم يتم التوصل لصيغة أفضل لوضع ما تسمى بالمحافظات المحررة، فإنها ستشهد عدم استقرار لوقت طويل.

> لكن ماهي العوامل الرئيسية التي تهدد الاستقرار في المحافظات المحررة؟

- الشراكة التي كان يفترض أن تكون عامل قوة، أصبحت مصدر الضعف الرئيسي في الشرعية، ثم الوضع الاقتصادي السيء، والفوضى التي نتجت بالأساس عن الفساد الممنهج بالنسبة للوضع الاقتصادي والمعيشي، يكفي أن تعرف مثلًا أن موارد الحكومة الحالية لا تكفي لتمويل المحافظات المحررة لبضعة أسابيع قليلة، وربما هذا ما يفسر تراجع الانتقالي عن خطوة الإدارة الذاتية، فالوضع الاقتصادي سيء جدًا، ولا يريد الانتقالي أن يكون في وجه المدفع لوحده.

شيء آخر أيضا يشكل خطرًا بالغًا على استقرار المحافظات الجنوبية، وهو نشاط الجماعات الإرهابية، هذا عامل استنزاف سيكون من الخطأ التقليل من خطورته، ثم تفشي الفساد والذي من الواضح أنه ليس من أولويات أي طرف مكافحته، على الأقل في الوقت الراهن.

> ما هي إمكانية التوصل لتسوية سياسية بين أطراف الصراع، وبالتالي لصيغة موحدة للسلام في اليمن؟

من أجل الوصول إلى تسوية سياسية مستدامة في اليمن، يجب إشراك جميع الأطراف في التفاوض، نظريًا هذا كلام جيد، لكن هل يمكن أن يحدث ذلك على أرض الواقع؟

- إليك الحقيقة التالية، الحوثيون وحزب الإصلاح لن يقبلوا بتحقيق تسوية سياسية شاملة، لماذا؟ لأنهم ببساطة يدركان أنهما سيكونان الخاسر الأكبر في أي تسوية تعالج جذور الصراع، ثم إن العامل الطائفي يلعب دوره هنا، وهذا هو العامل المشترك الرئيسي بين الحوثيين والإصلاح.

على الجانب الآخر هناك انقسام إقليمي حول صيغة للسلام في اليمن، والمواقف المتباينة حالت حتى الآن دون قيام دول الإقليم بوضع رؤية موحدة للأزمة في اليمن.

> ما الذي حققه برأيك الإعلام اليمني خلال سنوات الأزمة، وما الذي عجز عن تحقيقه؟

- ما حققه أنه أصبح أكثر نشاطا، وساحة واسعة لتبادل الاتهامات والتخوين والتضليل، وعزز من هذا المنحى نشطاء مواقع "التواصل الاجتماعي".

لكن ما لم يحققه فهو دور التوعية المجتمعية، ورفع روح المواطنة، والتصدي للظواهر السيئة، وما لم يحققه كذلك استقطاب فئة واسعة من المثقفين والمختصين المستقلين، الأكثر اتزانا في الطرح، وبدلًا من ذلك استبدلهم بأصوات متشددة، وأنصاف المتعلمين.

ولا أعرف إن كنت مبالغًا لو قلت أن الإعلام ساهم على نحو فعال بتأجيج الكراهية بين اليمنيين، وأكثر من لعب هذا الدور هي الآلة الإعلامية للإخوان، وهي أوسع انتشارًا وتمويلًا.

> وماذا عن الإعلام الجنوبي تحديدًا، هناك من يصفه بالضعف؟

- هناك نماذج قليلة جيدة في الإعلام الجنوبي، على الرغم من ضعفه العام، لكن بالإجمال النشاط الإعلامي الجنوبي الأكثر انتشارا وربما تأثيرًا كان من خلال مواقع التواصل، على أي حال مازال الإعلام في الجنوب في مراحله التكوينية المبكرة.

للأسف ما حدث بعد فرض الوحدة بالقوة العسكرية في 1994م شكل كارثة على قطاعات كثيرة في عدن وغيرها، ومنها الإعلام.

> إذن ما هي نصائحك لتطوير الإعلام في الجنوب؟

- الكُل يعرف أن الإعلام الحديث تمكن من سحب البساط إلى حد كبير من الإعلام التقليدي، واليوم لكي توصل أفكارك فإنك لا تحتاج لصحيفة أو قناة تليفزيونية، فقد وفرت منصات مختلفة مجانية إمكانية وصول ما تريد قوله إلى الجمهور، لذلك أدعو المثقفين والمتخصصين، والحكماء، والشباب الموهوبين، والمستقلين الجنوبيين والشماليين على حد سواء، أن تكون لهم قنواتهم الخاصة على اليوتيوب مثلًا، ويقدموا من خلالها المعلومة، والنصيحة، ويكون خطابهم ضد الأحقاد والكراهية وتحرير العقول من الجهل، والعادات السيئة، هذا برأيي هو التطوير الحقيقي والمطلوب في الإعلام خاصة في وقت الأزمات الكبيرة.

> كيف ولدت فكرة "دقائق مع وديع منصور"، و ما هو الهدف من هذا البرنامج القصير جدًا؟

- كُنت أكتب مقالات من وقت لآخر، واستمررت في ذلك حتى قررت ذات مرة تحويل أي مقالة أكتبها إلى مقالة مصورة، انطلاقًا من حقيقة أن الناس لم تعد تقرأ مثلما كانت في السابق، والحقيقة الأخرى هي أن الناس أصبحت تفضل ما هو مختصر.

بالنسبة للهدف من البرنامج هو تقديم رأي تحليلي متوازن لأهم التطورات والظواهر المختلفة، بلغة فصحى، ولكن بسيطة ومباشرة.

> مع من يصطف وديع منصور في الأزمة التي تعيشها اليمن؟

- دعنا نفصل ذلك قليلًا.. أولا بالنسبة للجهة التي أعمل فيها فأنا ملتزم بسياستها، وحين لا يعجبني ذلك سأغادر، وبالنسبة للشرعية وسلطة الأمر الواقع في صنعاء، فأنا أصطف مع الشرعية المعترف بها دوليًا، وأنا مصطف أيضًا مع القضية الجنوبية العادلة، ومع ذلك لا أنتمي لأي حزب أو جماعة سواء سياسية كانت أو دينية، أنا مستقل تمامًا وأفضل الاستمرار كذلك.

لكن دعني أقول إن الأهم من كُل هذا هو أنني أصطف مع الشعب وخاصة الفئة الأضعف التي لم تختر واقعها ولكن فرض عليها، وأعتقد من يشاهد انتقاداتي للشرعية والانتقالي والحكومة من وقت لآخر، سيدرك بوضوح أن اصطفافي مع الشرعية ليس شرطا لعدم انتقادها.

> أنت ابن عدن، ماذا تعني لك هذه المدينة؟

- عدن تعني لي الكثير، طفولتي، ومراهقتي، وشبابي، وأهلي، والكثير من أهل عدن الطيبين الذين عرفتهم.

على أي حال تختلط بعض الذكريات الجميلة من الماضي مع واقع عدن اليوم الذي تكثر فيه المعاناة والفوضى، مع الأسف الشديد مدينة عدن فقدت الكثير من ملامحها، واحتفظت بالقليل من هويتها.

> لماذا لا نراك تنشط على مواقع التواصل كبقية الإعلاميين، لا نقرأ لك تغريدات، ولا تشارك في مساحات، هل هناك سبب محدد؟

- منذُ خمس سنوات تقريبًا قررت إلغاء حسابي على "الفيس بوك" وآخر على "التويتر"، ومنذُ ذاك الوقت أيضًا توقفت عن مشاهدة التلفزيون، ووجدت حينها أن القراءة والتأمل أفضل كثيرًا لكسب معلومات مهمة، وتعلم أشياء مفيدة، وأفضل أيضًا صحيًا وروحيًا.

لكن.. هذا لا يعني أنني ضد (السوشيال ميديا) أو مشاهدة التلفزيون، أكيد لا.. فهناك أشياء مفيدة في هذه الوسائل أيضًا، لكن بالنسبة لي أفضل قراءة كتاب، أو سماع مقطوعة موسيقى كلاسيكية، أو ممارسة رياضة المشي عن قضاء الوقت على مواقع التواصل، أو مشاهدة القنوات الفضائية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى