إيكونوميست: توازن قوى جديد في الشرق الأوسط

> «الأيام» غرفة الأخبار:

>
  • الحروب في اليمن وليبيا وسوريا غيّرت المعادلة في المنطقة
> أكد تقرير نشرته صحيفة "إيكونوميست" يوم أمس أن عام 2023، جاء مخالفًا لاعتقاد كثيرون بأنه سيكون عام خفض التصعيد في الشرق الأوسط، إذ وافقت السعودية على الانفراجة التي طرأت على علاقتها بإيران خلال شهر مارس الماضي، كما أجرت محادثات مع أميركا بشأن اتفاقية ثلاثية من شأنها أن تفضي إلى تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل. أما الحروب في ليبيا وسوريا واليمن فقد وصلت إلى مرحلة الجمود، في حين تحولت دول الخليج الثرية والمستقرة إلى مركز جديد للطاقة ضمن منطقة أنهكتها النزاعات، ولهذا صارت تلك الدول تسعى لترسيخ الاستقرار في الدول الأخرى بما أنها تريد أن تركز على نموها الاقتصادي.

ولكن بعد مرور شهر واحد على الاتفاق السعودي - الإيراني، دخل السودان في حرب أهلية مرعبة، ثم تعرضت إسرائيل لهجوم نفذته حماس في السابع من أكتوبر، فشنّت إسرائيل حربها المستعرة على غزة، أي بعد فترة هدوء نسبي شهدتها المنطقة، عاد النزاع الأقدم في الشرق الأوسط ليستعر من جديد وينقل المنطقة برمتها إلى شفير الانزلاق نحو عنف أوسع.

لا بد لنتائج حرب غزة أن تحدد معالم عام 2024، وبعضها يبدو شديد التناقض، إذ من جهة أولى، ستستمر تلك الانفراجة الهشة في العلاقات بين إيران والسعودية، فقد ذكرتنا أحداث أكتوبر بالتمدد الإيراني، وذلك لأن حماس التي دعمتها إيران أطلقت صواريخ باتجاه إسرائيل من غزة، فضلًا عن بقية حلفاء إيران في لبنان؛ بل حتى في اليمن والذين استهدفوا إسرائيل بصواريخ هم أيضًا، في الوقت الذي هاجمت فيه ميليشيات أخرى مدعومة إيرانيًا القواعد الأميركية في سوريا والعراق، فأتى رد دول الخليج خائفًا، لأن هذه الدول لا تريد أن تتعرض للاستهداف، كما حدث لحقول أرامكو السعودية في عام 2019. كما ستسعى هذه الدول جاهدة لتحافظ على السلام مع إيران، على الرغم من أن هذا السلام سيبقى أجوفا، كما أن الحديث عن استثمارات خليجية ضخمة في إيران سيبقى مجرد كلام.

وفي الوقت ذاته، أُرجئت الجهود الساعية للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، غير أنها لم تخرج عن مسارها تمامًا، وذلك لأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لديه مصالح اقتصادية وأمنية في التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، ولهذا لابد للمفاوضات أن تستمر، إلا أنها ستغدو أقل جعجعة وأشد تعقيدًا مما كانت عليه في السابق، إذ قد يطالب السعوديون بمزيد من التنازلات الإسرائيلية لصالح الشعب الفلسطيني، لذا ستظهر كثير من الأمور التي سيجري التفاوض عليها مجددًا، والانتخابات الأميركية التي ستجري العام المقبل لا تعتبر الوقت المناسب للقيام بذلك، أي أن المحادثات لن تنتهي في عام 2024 على الأرجح.

خارج منطقة الخليج، ستظل كثير من الدول العربية متوترة مع بداية العام الجديد، ومصر إحداها، فهي تشهد الآن حربين نشطتين على حدودها (أي في غزة والسودان)، وهنالك حرب أخرى مجمدة ولم تصل إلى حل بعد (أي في ليبيا). كما ينبغي على مصر أن تسدد دينًا قدره 29 مليار دولار خلال عام 2024، وهذا المبلغ يعادل 85 % من احتياطي القطع الأجنبي لديها. في حين أن ما يقلق الملك الأردني عبد الله هو أن يثير النزاع الطويل في الأراضي المقدسة حالة اضطراب وتململ بين صفوف الجالية الفلسطينية الموجودة بأعداد كبيرة لديه، وهؤلاء بالأصل ناقمون عليه بسبب الجمود الاقتصادي الذي يعيشه الأردن.

يتعين على هذين النظامين التركيز على البقاء والنجاة، ولهذا سيحاول كلاهما الاستثمار في حرب غزة لتتحول إلى فرصة أمامهما، فمصر مثلًا قد تطلب مساعدات مالية كتعويض لها عن الدور الذي تلعبه في مجال تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.

على مدار سنين طويلة، ناقشت الدول العربية فكرة ظهور توازن جديد للقوى في المنطقة، وذلك لأن أميركا تبدو بعيدة، في حين حاولت روسيا والصين جمع ما أمكن من قوى صلبة وناعمة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. إلا أن الهجوم الذي نفذ في السابع من أكتوبر حمل إلى المنطقة أكبر نزاع شهدته منذ عقود، ونتيجة لذلك، أرسلت أميركا حاملتي طائرات، ومجموعة من البطاريات المضادة للصواريخ، إلى جانب نشرها للجنود الذين نقلتهم إلى هناك بالطائرات، كما شرع وزير خارجيتها بجولات دبلوماسية مكوكية في المنطقة. أما روسيا فبدت في موقف الشامت وهي تشاهد الغرب يتعرض للانتقاد بسبب نفاقه، في حين بدا الارتباك والتشوش وعدم الاكتراث واضحًا على الصين.

تتمنى أميركا أن تنفك عرى ارتباطها بالشرق الأوسط، بيد أن الشرق الأوسط لا يريد لأميركا فكاكًا منه، ولهذا ستسنح أمام أميركا فرصة لتعزيز دورها كقوة إقليمية، إذ قبل الحرب على غزة، دخلت أميركا في مناقشات حول عقد اتفاقية أمن مشترك مع السعودية، لكن لعل هذه الاتفاقية قد فقدت جاذبيتها الآن بنظر السياسيين في واشنطن، بما أن السعوديين يسعون الآن لتجنب أي صراع إقليمي محتمل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الاتفاقية لن تكون مشتركة، لذا ستحتاج الأمور إلى جولة تفاوض جديدة أيضًا، ولكن لن يتسنى أمام الرئيس جو بايدن الوقت الكافي لذلك.

لم تخطئ الدول الخليجية عندما رأت في الاقتصاد قضية ملحة بالنسبة للشرق الأوسط، إلا أن الخطأ الذي ارتكبته تلك الدول يتمثل باعتقادها بأن النزاعات المجمدة في المنطقة ستبقى على حالها، لذا إن كان الحظ حليفًا لها خلال العام المقبل، فلابد أن تسهم الجهود التي ستبذل من جديد في حل تلك النزاعات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى