مصر وقطر.. تعاون يتجاوز حدود الهدنة في غزة

> محمد أبو الفضل:

> ​كشفت تطورات صفقة الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس والهدنة التي أفضت إليها في قطاع غزة عن تعاون صاعد بين مصر وقطر، يتجاوز ما حدث في جولات عسكرية أو صفقات سابقة جرت بين تل أبيب والحركة وقد لعبت كلتاهما أدوارا مختلفة فيها وكان التنسيق في حدوده الدنيا بسبب دعم الدوحة لجماعة الإخوان المصرية، وما قاد إليه ذلك من توترات سياسية قاسية دامت نحو سبع سنوات.

يتعاظم الحديث عن تعاون بين القاهرة والدوحة كضامن لنجاح خطوة التهدئة، بمشاركة الولايات المتحدة، ولم ينخرط آخرون في الإقليم في عملية التجهيز للصفقة وتنفيذها ومتابعة روافدها، واختفى الحليف التركي المخضرم الذي يملك علاقات جيدة مع كل من إسرائيل وحماس ولم تظهر له كرامات سياسية ملموسة.

تعلم قطر أن دور مصر يصعب تغافله في أي صفقات تتعلق بالقضية الفلسطينية أو قطاع غزة بحكم الجغرافيا السياسية، وفي كل المرات التي اقتربت فيها الدوحة من غزة بالتنسيق مع إسرائيل كانت القاهرة حاضرة، وفي أوج الخلافات السياسية حافظت مصر على روابطها مع قطر ولم تجعل من توظيف الأخيرة ورقة التيارات الإسلامية في المنطقة عائقا أو أداة للدخول معها في صدام ممتد.

أسهم فهم كل طرف حدود الآخر في تسهيل التعاون حول صفقة الأسرى، فإذا كانت مصر تملك المفتاح الرئيسي لدخول القطاع ممثلا في معبر رفح، فقطر تملك التمويل الاقتصادي الذي جعل غزة مستقرة نسبيا، وكلاهما لديه قنوات مع إسرائيل وحماس.

حاولت الإدارة الأميركية الاستفادة من هذه التشابكات في اتفاق الهدنة الحالي، والتمهيد من خلاله لوقف إطلاق النار لاحقا، وربما دعمها لأدوار سياسية أكبر إذا قُدر للأفكار الغربية بشأن حل الدولتين أن تجد طريقها للتنفيذ، حيث يوفر البلدان قواعد مهمة للعمل على الاقتراب من سيناريو كان بعيدا لكنه يمثل حلا لكثير من المشكلات الراهنة في المنطقة مع تزايد طرحه من قبل أطراف عدة.

تتفق القاهرة والدوحة على عدم رضائهما عن الطريق الذي سلكته إسرائيل بدعم من واشنطن لتعزيز التوجه نحو تعميم نماذج "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي قادت إلى توقيع معاهدات سلام مع دول خليجية، وكادت تصل إلى المحطة السعودية التي اعتبرها الرئيس الأميركي جو بايدن سببا رئيسيا لعملية حماس (طوفان الأقصى) في السابع من أكتوبر الماضي.

جاء رفض أو تحفظ أو ممانعة مصر وقطر لهذا المسار من رحم ما يمكن أن يفضي إليه من تجريدهما من الكثير من أوراقهما الفلسطينية والإقليمية، لأنه يقود إلى تعاظم دور كل من السعودية والإمارات، ويتجاوز الكثير من الثوابت التي بنت القاهرة والدوحة حساباتهما عليها، وأبرزها العلاقات الوطيدة مع حماس، والأهمية الحيوية التي يمثلها المعبر الوحيد المفتوح (رفح) لدخول غزة.

ناهيك عما سوف تؤدي إليه الاتفاقيات الإبراهيمية من إحلال وتجديد في التحالفات الأميركية - الإسرائيلية في المنطقة، وتخطي ما كان سائدا قبلها، ما ينعكس على دور مصر وقطر في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إلى أن اندلعت حرب غزة التي قلبت موازين فريق جديد بدأت تظهر ملامحه تدريجيا، وأعادت تصحيح مسار آخر قديم وجد فيها فرصة لترتيب أوضاعه عبر تمتين العلاقات والتصرف بصورة ثنائية.

وجدت الإدارة الأميركية في تعاون مصر وقطر وسيلة مهمة بعد اكتشافها أن المضي في الاتفاقيات الإبراهيمية وفقا للرؤية الإسرائيلية قاد إلى اندلاع الحرب ويمكن أن يتسبب في إرباكات لمصالحها في المنطقة، وعليها أن تعيد ضبط البوصلة في الاتجاه الذي ينزع فتيل الحرب ودعم التنسيق بين القاهرة والدوحة، والتفكير في تصورات عملية للمرحلة المقبلة تقوم على البحث عن حل مقبول للقضية الفلسطينية يجعل من السلام مع إسرائيل ممكنا من دون قفزات في هواء تلوثه قوى معارضة لمسار التسوية.

تعد القراءة الإقليمية أحد أهم أسرار التقارب المصري – القطري في حرب غزة وتوابعها، وإذا أضيفت إليها معطيات ثنائية يتبين أن التطور الحاصل بينهما ربما يؤسس لتعاون أكثر شمولا، حيث تريد القاهرة والدوحة كسر حلقة التوتر الذي ساد بينهما نهائيا، فكل الخطوات التي اتخذت وأدت إلى تطبيع العلاقات عقب قمة العُلا في السعودية لم تفلح في معالجة الخلافات، وتظهر من حين إلى آخر معالم عدم انسجام.

وكما كان ملف الإخوان ودعم التيار الإسلامي سببا مهما في توتر علاقات الدوحة مع القاهرة، قد يكون أيضا سببا لتقدمها، إذ تجد قطر أن ربطها بهذا الملف بعد عملية طوفان الأقصى سوف يدخلها في مشاكل مع إسرائيل ودول غربية عديدة بدأت تتكشف ملامحها مع فتح ملف إقامة قيادات حماس في الدوحة ورعايتها لهم بصورة شبه كاملة ودائمة، والحديث عن الدعم المالي الذي قدمته لغزة وتلقفته الحركة التي تسيطر عليها.

تجد الدوحة أن أفضل وسيلة لغسل يديها من اتهامات دعمها للإسلاميين هي التعاون مع مصر المعروفة بأنها خاضت معارك سياسية واقتصادية وأمنية لتقويض نفوذهم على أراضيها، خاصة في منطقة سيناء، والاستفادة من تأييد الإدارة الأميركية لتطوير هذه العلاقة من خلال صفقة الأسرى وإمكانية تميد فترة الهدنة.

وما يضمن لقطر أن تكون موجودة على طاولة أي مفاوضات تنطلق بشأن تحديد مصير القضية الفلسطينية هو عدم تخليها عن ورقة حماس لكن في إطار من التنسيق مع كل من مصر وإسرائيل، لأن حل الدولتين الذي يتم تداوله الآن، وإمكانية الإعلان عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح بحاجة إلى ترويض حركة حماس التي قد تخرج من حرب غزة من دون أن تفقد سلاحها أو مقاومتها.

تنظر مصر إلى قطر على أنها “عرّاب” حماس في المنطقة، وعلى الرغم من شبكة العلاقات الجيدة التي نسجتها القاهرة مع الحركة، إلا أنها تريد ممولا يسهم في إعمار القطاع الذي تهدم نحو 60 في المئة من مبانيه وتحطمت غالبية بنيته التحتية، ويحتاج إلى دعم اقتصادي سخي، لأن فقره وجوعه ستكون لهما ارتدادات سلبية على مصر لن تستطيع تحملها في خضم ما تعانيه من أزمة اقتصادية حادة.

كما أن الفتور الذي يخيم على علاقات مصر مع السعودية يجعلها تبحث عن بديل (قطر) مستعد لتطوير استثماراته في البلاد يعزز المرونة الاقتصادية التي بدأت تبديها دول أوروبية مع القاهرة وتوحي بأنها إشارة إلى ممولين آخرين لدعمها وهي غير منفصلة عما يجري من تطورات في المنطقة، حيث تقتنع الكثير من الدول الغربية بأن استقرار مصر صمام أمان لمنع الهجرة إلى أوروبا وتفويت الفرصة على عودة إزعاجات قوى إسلاموية متشددة، وهي رسالة للدوحة للمزيد من الميل نحو القاهرة.

العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى