عيد الحرية

> ذهبت أيام المدرسة، حين كان يتسابق التلاميذ على الطابور الصباحي، والفوز بالوقوف في مقدمة الصفوف أمام العَلَم والمنصّة.

لم يكن أحد يحبُّ التأخير، بل التبكير سِمة الجميع، الطالب والمعلم والموظف في مكتبه.

ما إنْ تقترب اللحظات الأولى من الدوام، إلّا وترى حركة دائبة في كل المؤسسات والهيئات الحكومية، كأنك في حضرة خلية نحل.

لكن تبدّل الحال، وصار "التأخير" عن الدوام سِمَة الكثير، لا سيما في مؤسسات الدولة، فضعُفَ الأداء وقلّ الإنتاج، وتغوّل الفساد.

كنا نسمع في طابور المدرسة صبيحة 29 نوفمبر كلمة عن الاستقلال، وفقرات جميلة متنوعة بمناسبة عيد الحرية، ومما كنا نسمعه في مدرسة القرية "شعب" هذا النشيد مع التصفيق الحار بالأكُف:

نوفمبر اليوم أجانا

عوّد لنا من جديد

ثورة ونحمي حِماها

شهيد يتبع شهيد

فنحسُّ بمقادير من السعادة تنسكب في أرواحنا، ويسري في دمنا حُب الوطن.

كان التغنّي بيوم الاستقلال في شَعبْ حاضرة بلاد الصبيحة ذا نكهة مميزة، فقد كانت المنطقة مسقط رأس قحطان محمد الشعبي وفيصل عبد اللطيف الشعبي حاملا لواء الحرية، وبطلا الاستقلال المجيد، كما هو فخرنا بكل الأبطال والرجال الميامين في جنوبنا الحبيب.

يقول المشتاقون للحرية، إنّ زمن العيش الكريم والعدالة الحَقّة، والأمن الذي كان يفرش ظِلاله في كل مكان من مكاسب الثورة الخالدة في بلدنا الجنوب.

ومع حلول ذكرى الاستقلال المجيد تشرئبُ الأعناق لموعد جديد مع الحرية، يعود فيه الوطن لأهله وناسه، فقد استحالت الوحدة إلى حرب وهيمنة وفِيد وكتلة كبيرة من الفساد.

هل الوطني بزعمهم من يتحدث اليوم عن "الوحدة" الضائعة والسيادة المنقوصة، وفي البلد مليون إنسان بين قتيل وجريح ومصاب بالإعاقة جرّاء الحرب.

هل هذه الفتنة الكبيرة إلّا تداعيات الحرب على الجنوب عشية عام 94، للسيطرة على السلطة والثروة.

هذا الاتفاق السياسي المُبهَم، لعله يرسم ملامح الاستقلال الجديد، وإنْ توشّح بعَلَم اليمن الاتحادي، فصنعاء في قبضة الحوثي بدعم إقليمي ودولي، ولسنا في الجنوب غُرباء عن عدن، فهي مهجة الروح، وبؤبؤ العين، وشغاف القلب، هي عاصمة الجنوب الأبدية ومدينة الحرية التي يعرفها العالم، بعقلها التحرري ونهجها الثوري.

يصبو أهل المدينة لمعانقة السرور الذي فارقوه منذ زمن، لكنهم في سِعة من الصبر الجميل ، وانتظار الفَرَج:

كمْ فرَجٍ بعد إياسٍ قد أتى

وكمْ سرورٍ قد أتى بعد الأسى

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى