التسوية المرتقبة في اليمن والحسابات المعقدة للفاعلين المحليين والأجانب

> «الأيام» غرفة الأخبار:

> تساءل تقرير عما إذا بات اليمنيون فعلًا على موعد مع اتفاق سلام ينهي الحرب التي اندلعت قبل نحو تسع سنوات دون أفق واضح؟ قبل أيام، كشفت مصادر سياسية وإعلامية عن تفاصيل اتفاق بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثيين، لكن الطرفين أجلا الإعلان عنه بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإقدام الحوثيين على التصعيد في البحر الأحمر.

بدوره، قال المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندر كينج، إن السلام بين السعودية والحوثيين في لمساته الأخيرة، وإن السلام اليمني - اليمني سيكون في مرحلة تتبع الاتفاق السعودي الحوثي، مشيرًا إلى أن أحداث غزة وتصعيد الحوثيين أعاقا التوقيع، وأن بعض التفاصيل لم تُنجز، موضحًا أن السعودية والولايات المتحدة الأمريكية تدفعان نحو خفض التصعيد عن طريق الوساطة العمانية.

وقال التقرير المنشور بموقع "بلقيس" إذا كان قد تم التوصل بالفعل إلى اتفاق بين حكومة الشرعية والحوثيين، واتفاق آخر بين الحوثيين والسعودية، فإن ذلك من ثمار المصالحة بين السعودية وإيران واستمرار الوساطة العمانية، لكن في المقابل من شأن الخلافات بين الإمارات والسعودية أن تعرقل أي اتفاق سلام بين الأطراف اليمنية.

وبنفس الوقت، تبدو تحشيدات الحوثيين على الأرض وهجماتهم المتفرقة في بعض الجبهات، وأيضًا تصريحات بعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي بشأن السلام وتعنت الحوثيين، تبدو متناقضة مع التسريبات المتعلقة بالتوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة الشرعية والحوثيين.

- تعقيدات داخلية وإقليمية

وأضاف مؤكدًا بأنه سيظل مسار السلام في اليمن تحت وطأة تعقيدات حسابات الفاعلين المحليين والأجانب، فالتسويات الإقليمية قد تدفع بعملية السلام خطوات محدودة إلى الأمام، لكن الخلافات الإقليمية الكامنة ستظل تعيق أي فرص للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب والتسوية السياسية للأزمة.

كما أن المصالحات الإقليمية، مثل المصالحة السعودية الإيرانية، ما زالت هشة وعرضة للانهيار في أي لحظة، لا سيما أن العدوان الصهيوني على قطاع غزة نفخ في جسد الاصطفافات والتحالفات داخل المحور الإيراني، وهذا بدوره سيحفز العداوات السابقة للمحور الإيراني، وسيثير ذلك ريبة أطراف إقليمية أخرى وتوجسها، خصوصًا السعودية، العدو اللدود لإيران، بصرف النظر عن المصالحة بينهما.

وإذا كان الفاعلون المحليون قد استسلموا لما سيقرره الفاعلون الأجانب بشأن الصراع في اليمن، وبدورهم أحكم الفاعلون الأجانب قبضتهم على حلفائهم المحليين وسلبوهم الحق في اتخاذ القرار، لكن ستبقى تفاصيل كثيرة لها آثار سلبية مستقبلية على عملية السلام المرتقبة، فالعامل الخارجي مؤثر لكنه ليس حاسمًا، وبعض الأطراف المحلية التي تستمد بقاءها من الدعم الأجنبي ستنهار عندما يتوقف ذلك الدعم.

ويعني ذلك أن معادلة الصراع وموازين القوة في الداخل ستتغير كثيرًا وتلقائيًا عندما ينتهي دور الفاعلين الأجانب، لأن أولئك الفاعلين فرضوا توزيعًا قسريًّا لموازين القوة والسيطرة في الداخل، حيث همشوا أطرافًا لها قوة وحضور شعبي واسع، وأوجدوا أطرافًا أخرى من العدم لا تكتسب أي شرعية أو شعبية ومنحوها السلطة والنفوذ والمال والسلاح، كما منحوا كلًّا منها مساحة جغرافية كمنطقة حكم ذاتي خاصة بها.

ولا يبدو أن الفاعلين الأجانب سينسحبون من اليمن في المدى المنظور حتى وإن تم التوصل إلى هدنة طويلة الأمد أو تسوية سياسية تمضي وفق مراحل طويلة وبطيئة، فهذا على الأقل هو مطلب الأطراف المحلية من حلفائها الأجانب، أي استمرار دعمهم خشية اندلاع معارك عنيفة، أضف لذلك أن ثمة قضايا يعدها كل طرف مصيرية بالنسبة له.

- الشيطان يكمن في التفاصيل

من السهل أن تتوصل مختلف أطراف الصراع في اليمن إلى اتفاق مبدئي لإنهاء الحرب والتسوية السياسية للأزمة، لا سيما عندما يكون الاتفاق وفق مراحل غامضة ويبدأ بقضايا إنسانية لا تمثل أي مدخل يمكن البناء عليه عندما يحين موعد الحوار حول الجوانب السياسية، وعندما يحين ذلك ستظهر التباينات بعد الخوض في التفاصيل المتعلقة بشكل الدولة ووضع المليشيات وأسلحتها، وغير ذلك من التفاصيل المتعلقة بالشق السياسي الذي يعد أساسًا سببًا للصراع.

ولذلك سيكون الحوار تحت ضغط القوة في الميدان، فالطرف الأقوى والأكثر سيطرة هو من سيحاول فرض شروطه وإملاءاته على الأطراف الأخرى لتمرير مشروعه الذي قاتل لأجله تسع سنوات وتثبيت مكاسبه وتوسيعها، كما أن "وهم القوة" لجميع الأطراف سيعقد الحوار، ونفس الأمر بالنسبة للفاعلين الأجانب الذين سيتدخلون في مجريات الحوار عبر الإملاءات المقدمة من كل طرف لحليفه، وسيمضي الحوار وكل طرف يده على الزناد، ولا يمكن لأي حوار أن ينجح تحت فوهات البنادق، وهذا ما تؤكده تجارب اليمنيين في تاريخ البلاد المعاصر.

ومن أبرز الاتفاقيات الفاشلة في تاريخ اليمن المعاصر، والتي تمت تحت فوهات البنادق وأعقبها اندلاع الحروب: اتفاق مؤتمر حرض، في 23 نوفمبر 1965، بين النظام الجمهوري والمتمردين الإماميين، ووثيقة العهد والاتفاق بين شريكي الوحدة حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي في العاصمة الأردنية عمان بتاريخ 20 فبراير 1994، واتفاق السلم والشراكة في صنعاء بتاريخ 21 سبتمبر 2014 بين الحوثيين والحكومة برعاية دول الخليج والأمم المتحدة.

وأخيرًا "اتفاق الرياض" بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي في 5 نوفمبر 2019.

وهكذا يتضح أنه لم يسبق أن نجح أي اتفاق لحسم أزمة ما بين الأطراف اليمنية سابقًا، وأن الخيار العسكري كان هو الحاسم في الصراعات السابقة. وإذا كانت الأزمة الحالية الأكثر تعقيدا من سابقاتها، لتعدد أطرافها المحليين والأجانب وتعدد المشاريع المرتبطة بها، فإنه من الصعب التوصل لاتفاق شامل ونهائي بشأنها، وإذا تم التوصل لاتفاق هش، فسيكون مجرد تأجيل للحرب الحاسمة فقط.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى