استعادة زراعة الحبوب في أبين

> الخضر عبدالله

>
"من زرع حصد" بهذه  العبارة  الذي قالها  المزارع عبدالله حوشب في بداية حديثه عن موسم حصاد الذرة.

 حوشب بعمر يناهز 70 عامًا ولديه من الأبناء 8. يمتلك من الأرض سبعة فدادين يتقاسمها مع إخوته الثلاثة، ولكل منهم ثمانية أبناء. تقع أرض حوشب  في شرق قرية حصن شداد بالقرب من وادي حسان، في محافظة أبين.

يعتكف المزارع حوشب هذه الأيام مع موسم الحصاد على جني محصول الذرة  بأصنافها المختلفة

 الدخن والذرة الشامية. وتحصد مزارع أبين، محاصيل الذرة في ديسمبر من كل عام خلال موسم الحصاد الزراعي في حوض دلتا أبين والمناطق الساحلية والمرتفعات.

كانت الحكومة اليمنية قد بدأت في 2010 تجارب لزراعة القمح في مناطق أبين لكن الحرب في العام التالي بين مسلحي "أنصار الشريعة" والجيش اليمني أعاقت مشروع زراعة القمح في المحافظة.

ومع ذلك يناضل المزارعون في أبين من أجل استمرار زراعة الحبوب المحلية بمختلف أصنافها. يقول المزارع  حوشب للمشاهد إن  ” الإنتاج الزراعي هذا الموسم هو الأفضل مقارنة مع المواسم الزراعية الماضية نتيجة وفرة الأمطار بمعدلات جيدة، وانعكاسها على معدلات نمو الأشجار خصوصًا في المناطق الجبلية الباردة المعروفة بزراعة الحبوب بأنواعها".

نحو 61.5 % من السكان في اليمن يتركزون في الريف، ويعتمدون غالبًا على النشاط الزراعي، حسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).

فرحة المزارعين


وعلى طوال سنة كاملة يعيش المزارعون في مناطق أبين، في حالة يمتزج فيها إحساس الخوف، بالأمل، انتظارًا لقدوم موسم حصاد محصول السنة. بعض الأسر تقوم بتخزين المحصول كغذاء والبعض منهم يبيعه لتوفير ما تحتاجه الأسرة.

 بعد صبر طويل يمتد شهورًا، يرى المزارع الأبيني أن موسم الحصاد عنده، شبيه بالأفراح والمناسبات. يعد موسم الحصاد لهم احتفالًا كبيرًا لجني ما عملته أيديهم طيلة شهور عديدة، فتمتلئ الأراضي الزراعية بالكثير من الناس بين عامل ومتنزه ومشترٍ.

يقول المزارع  أحمد عوض العنابي إن هناك تحضيرات تسبق موسم حصاد الذرة  وغيرها من المزروعات  الأخرى من قبل المزارعين في حوض دلتا أبين والمنطقة الوسطى.

تشمل عمليات قبل الحصاد: حرث الأرض، وتسويتها باستخدام آلات زراعية، وخدمة ومكافحة الآفات الزراعية بالوسائل والمبيدات الصديقة للبيئة.

ويضيف العنابي إلى أن موسم حصاد الذرة يشكل فرحة ينتظرونها كل عام لإدخال البهجة عليهم وعلى المزارعين بشكل عام، بتشغيل الأيدي العاملة من الذكور والإناث، بحيث يوجه العائد من الحصاد لسداد الديون وتزويج الشباب والفتيات وتوسعة المشاريع الزراعية.

وقبل الانطلاق للحصاد وقبل قطف أولى سنابل المحصول الجديد، يستقبل المزارعون موسم الحصاد بالفرحة والسعادة وبالخير الذي يدرّه هذا المحصول، حيث يجتمع الرجال والنساء في المزارع لحصد محصولهم الزراعي وقلوبهم مغمورة بالفرح لجني ما حصدته أيديهم.

يشير رئيس الجمعية الوطنية للبحث العلمي والتنمية المستدامة بمحافظة أبين، المهندس عبدالقادر خضر السميطي، في حديث للمشاهد أن زراعة الحبوب بكل أنواعها ومنها الذرة الرفيعة والدخن والذرة الشامية تعد أساس الأمن الغذائي والاستقرار لأي بلد في هذه المعمورة.

وأضاف في حديثه ” أن محطة البحوث الزراعية بمنطقة الكود في أبين بحثت عن الأصناف البلدية وتم توفيرها وشرائها من مصادر موثوقة وتم توزيعها للمزارعين بإشراف المختصين الزراعيين في بداية سبتمبر وكانت النتائج جدًا طيبة.”

يقول السميطي ” بدورنا  في الجمعية الوطنية للبحث العلمي حرصنا بأن تكون الجمعية مشاركة في مثل هذه الأعمال التي تخدم الأمن الغذائي وتخدم المجتمع بشكل عام “

استمر حصاد الذرة الرفيعة في هذا الموسم أكثر من 15 يومًا وسيتم خزن جزء من المحصول ليكون بذورًا للمواسم الزراعية القادمة.

وقال السميطي إن الجمعية الوطنية تبذل جهودًا خاصة  في تشجيع المزارعين للحفاظ والاستمرار في زراعة القمح وبقية محاصيل الحبوب.  

صعوبات وحلول

مدير مركز “الكود” للأبحاث الزراعية، د. محمد الخاشعة في حديثه للمشاهد أن الذُرة الرفيعة تعتبر من المحاصيل الرئيسية في اليمن، وتزرع لأغراض عدة فهي تستخدم كغذاء للإنسان وعلف للحيوانات وتنتشر زراعتها في معظم المناطق اليمنية، ولكل منطقة أصنافها ففي دلتا أبين وأحور تنتشر زراعة "البيني" وفي المناطق المتوسطة الارتفاع يزرع صنف "السنيسلة" و”الحيمر" وفي محافظة لحج "الصيف" و"الحيق" و"البكر" وفي شبوة  "أبو علي" وفي المناطق الشمالية "القيرع" و"الهباء" وفي البيضاء "القفيعي" و"الجعيدي". 

 وقال إن محصول الذُرة الرفيعة يأتي في المركز الأول في إنتاج الحبوب، لأنها تعتمد على مياه الأمطار ولها أكثر من موسم فبالتالي إنتاجها يكون وفيرًا على عكس الحبوب الأخرى التي تحتاج إلى الري التكميلي، مضيفًا أن الذرة الرفيعة والدخن لهما إمكانات ممتازة ليس فقط لتحسين النظام الغذائي والدخل للمزارعين بل أيضًا لتحسين الأمن الغذائي الوطني.

ويقول إن الحديث للمواطنين حول القيمة الغذائية للذرة الرفيعة والدخن مهم، وكذلك التأكد من توافر الحبوب على نطاق واسع – من محلات بيع الذرة.

دعم زراعة الحبوب

تشجيع زراعة الحبوب بمختلف أنواعها باعتبارها مصدر أمني للغذاء من خلال توفير وسائل الحراثة بأسعار مناسبة لمزارعي الحبوب يعد ركيزة لدعم زراعة الحبوب، حسب الخاشعة.

يقول الخاشعة إن الأمر يتطلب توجيه السيول إلى الأراضي الخاصة بزراعة الحبوب، ورفع وعي المجتمع بأهمية إدخال حبوب الذرة الرفيعة والدخن في الوجبات الغذائية.

وقال إن منتجي الحبوب بحاجة للتحفيز والدعم اللازم من خلال التسويق للمحاصيل وتعزيز دور البحوث الزراعية لإنتاج أصناف محسنة من الحبوب لضمان إنتاجية كبيرة وجودة عالية.

ومن جانبه يقول مدير عام مكتب الزراعة والرأي د. حسين الهيثمي للمشاهد بالرغم أن القطاع الزراعي في أبين تأثر كثيرًا جراء الحروب التي شهدتها المحافظة خلال عامي 2011 - 2015م، مما ألحق الضرر بالبنية الزراعية حيث ما زالت تعاني من ذلك حتى اليوم.

وقال إن هناك صعوبات تواجه زراعة الحبوب في أبين منها وجود محاصيل منافسة وذات مردود اقتصادي أفضل مثل محاصيل الخضار والفاكهة والقات.

وقال الهيثمي إن السدود والحواجز الزراعية تعرضت للجرف جراء السيول المتدفقة التي ألحقت أضرارًا كبيرة، بما جعلنا نتلمس من الدولة لفتة مسؤولة لإعادة تأهيلها، حيث لا نملك أي ميزانية لإعادة تأهيلها وترميمها.

وبين الهيثمي “أن معدات مكتب الزراعة والري في أبين تعرضت للنهب والسطو في 2011م وأصبحت في وضع لا يحسد عليه، ونعمل بجهود ذاتية حيث نقوم باستئجار المعدات وهذا أثر سلبًا على عملنا، حيث نسعى إلى تأهيل قنوات الري والسدود التي تعرضت لأضرار كبيرة جراء السيول التي تدفقت عبر واديي بنا وحسان، وألحقت أضرارًا بالتربة الزراعية“.

وكان مسلحون يسمون أنفسهم أنصار الشريعة قد سيطروا على محافظة أبين في 2011 مما تسبب بحرب في المحافظة بين الجيش اليمني والجماعة المسلحة تعرضت خلالها المكاتب الحكومية للنهب والتدمير.

يذكر أن محصول القمح من المحاصيل الجديدة التي أدخلت إلى منطقة حوض دلتا أبين في عام 2010 عن طريق الإدارة العامة للإرشاد الزراعي وذلك بدعم جهاز الإرشاد الزراعي في أبين.

  وكانت البداية بزراعة  خمسة حقول على أن تكون هذه الحقول تجريبية وكجزء من نشاط الإرشاد الزراعي حينها. حيث تم تحديد مناطق الزراعة على أن تكون يرامس وأحور والديو والمسيمير والجول وكانت النتائج مبشرة.

وتوقفت زراعة القمح بسبب وقائع حرب 2011 في أبين وتوقف العمل ونهبت المرافق وضاعت البذور المخصصة لمحصول القمح.
"المشاهد نت"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى