تصعيد نقابي في جنوب اليمن يزيد من تعقيد مهمة رئيس الحكومة الجديد

> "الأيام" العرب:

>
يخلق تصاعد النشاط النقابي في جنوب اليمن المزيد من المصاعب والتعقيدات في مهمّة أحمد عوض بن مبارك رئيس الوزراء المعيّن حديثا من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، في تصحيح الأوضاع في المناطق التابعة للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا، وإخراج سكانها من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي باتوا يواجهونها.

ورغم أنّ بن مبارك لم يقض سوى فترة وجيزة على رأس مهامه، فقد تصاعدت مطالبات نقابات الجنوب له بتغيير الأوضاع جذريا، وتهديداتها باللجوء إلى الإضرابات وشلّ عمل حكومته لتحقيق مطالبها.

ويرى متابعون للشأن اليمني أن المطالبات التي كانت قد انطلقت في عهد رئيس الوزراء السابق معين عبدالملك وتصاعدت بشكل لافت مع بداية عهد بن مبارك لا تعتبر عملا نقابيا مجرّدا بقدر ما تعبّر أيضا عن مزاج سياسي جنوبي رافض للحكومات الممثلة لجمهورية اليمن الموحّدة، في تناقض مع فكرة استعادة دولة الجنوب التي تتبناها قوى جنوبية على رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي.

ويعتبر هؤلاء أنّ النشاط النقابي ضدّ حكومة بن مبارك التي لم تتح لها بعد فرصة اختبار نواياها في الإصلاح وتحسين الأوضاع الخدمية والاقتصادية والاجتماعية، يمثّل في بعض وجوهه انعكاسا للمزاج السائد في الجنوب والرافض للاستمرار في الخضوع لسلطة تمثّل دولة الوحدة المنجزة مطلع تسعينات القرن الماضي.

يأتي ذلك في وقت أظهر فيه المجلس الانتقالي مساندته لحكومة بن مبارك ومنحها فرصة تجسيد وعودها بتحسين الأوضاع. لكنّ المطّلعين على الشأن اليمني يدركون أنّ المساندة موقف إجرائي يمليه انتماء المجلس إلى معسكر الشرعية وشَغْل رئيسه عيدروس الزبيدي لمنصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بينما يظل الهدف الرئيسي للانتقالي هو استعادة دولة الجنوب وقيام الأخير بإدارة شؤونه بنفسه.

وعقد الاتّحاد العام لنقابات عمّال الجنوب مؤتمرا صحفيا أصدر على إثره بيانا شديد اللهجة دعا فيه إلى تصعيد عمالي ضدّ الحكومة اليمنية وهدد بمقاضاتها على ما وصفه بـ”جرائمها بحق الموظفين وتعطيل الأحكام القضائية التي صدرت من المحكمة الإدارية لصالح العمّال والموظفين في السلك المدني”.

وقال مخاطبا “الشعب الجنوبي” الذي وصفه بـ“الصامد والصابر على المعاناة والاضطهاد والتجويع وعلى مرارة الحاجة والفاقة والحرمان”، “منذ سنوات طوال ونحن نتجرع مرارة العجز والفشل الحكومي في توفير مقومات الحياة الضرورية وكنا نتطلع من الحكومات المتعاقبة إلى وضع حد للتدهور الاقتصادي والمعيشي وانهيار العملة والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالح الشعب الحيوية ومقدراته وموارده والسعي لإعادة الأمل للمواطن البسيط في أن يتحسن مستواه المعيشي ويتوقف التدهور الاقتصادي الكارثي الذي ألحق الضرر بالشعب وخلّف وراءه طبقة من المعدمين والمسحوقين وعلى رأسهم العمال والموظفون وطبقة أخرى هي المترفون والفاسدون المستأثرون بخيرات البلد والمنتفعون بها وحدهم دون سواهم”.

وشكّك البيان في جدية وعود الحكومة بتغيير الأوضاع قائلا “فقدنا الأمل في دور حكومي جاد ومهني ومسؤول يخرجنا من الأزمات والمعاناة، وبعد أن تجاوز التدهور الاقتصادي الخطوط الحمراء ووصل إلى حد المساس برواتبنا على شحّتها، ودق ناقوس الخطر بدخول عهد المجاعة، فإننا كممثلين عن العمال والموظفين وكافة فئات الشعب المدنية متحملين المسؤولية القانونية والأخلاقية لقضاياهم ومدافعين عن حقوقهم المهدورة، نوجّه رسالتنا التصعيدية المشروعة والقانونية بصورة أساسية إلى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة وإلى كل الجهات المعنية بالأمر”.

وطالب الاتّحاد في بيانه بـ”إنهاء أزمة الشعب الجنوبي وإيقاف التدهور الاقتصادي والمعيشي والاعتداء على حق شعب  الجنوب في الانتفاع بموارده وثرواته والذي صار حقا يجب الوفاء به بشكل فوري وعاجل دون قيد أو شرط”. وبشأن الإجراءات التصعيدية التي قرّر الاتحاد اتّخاذها، تضمّن البيان دعوة إلى “كافة العمال والموظفين في سائر المرافق والمؤسسات للاحتشاد العمالي والجماهيري الإثنين القادم في ساحة القصر الرئاسي بكريتر (في عدن) لفرض الإرادة العمالية والجماهيرية وتطبيق الأمر الواقع وإلزام الحكومة بواجباتها”.

وتعهّد بـ“الاستمرار في البرنامج التصعيدي العمّالي والنقابي وعدم التراجع عنه حتى الاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة والقانونية المتمثلة في: إلزام الحكومة بصرف الرواتب بشكل فوري ومنتظم نهاية كل شهر، وإلزامها بصرف العلاوات والتسويات المتفق عليها تنفيذا لقرارات رئاسة الوزراء السابقة وقرارات المحكمة الإدارية وذلك بشكل فوري وعاجل وعكسها في المرتبات وبأثر رجعي”.

وشملت المطالب أيضا “إعادة تشغيل مصافي عدن بشكل فوري وإعادة الحركة الملاحية في ميناء عدن باعتبارهما أهم روافد الاقتصاد الوطني، وتشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة والاتحاد العام لنقابات عمّال الجنوب لتعديل هيكل الأجور بما يتناسب مع حالة التضخم والتدهور الاقتصادي والمعيشي الكارثي، وإضافة مبلغ مئة ألف ريال إلى راتب كل موظف وعامل وبشكل فوري كحل إنقاذي سريع حتى تتم هيكلة الأجور بما يتناسب مع الوضع المعيشي المتدهور، والعمل بشكل فوري على تحسين الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم”.

وتبدو هذه المطالب بالإضافة إلى مطالب أخرى تضمّنها البيان بمثابة تعجيز لحكومة بن مبارك التي لا تمتلك المقدّرات المادية للاستجابة الفورية لها كما يطالب الاتّحاد. وعدا عن استخدام المساعدة المالية السعودية العاجلة بقيمة ربع مليار دولار، والتي أعلن مؤخّرا عن تحويلها إلى البنك المركزي في عدن، في صرف رواتب الموظفين من مدنيين وعسكريين لا تمتلك الحكومة هامشا كبيرا للتحرّك في ظلّ ظروف اقتصادية ضاغطة زادها تعقيدا التصعيد الحوثي في البحر الأحمر.

وفي حال مضت النقابات في تنفيذ تهديداتها ودخلت في عملية لي ذراع مع الحكومة بتنظيم الاعتصامات وشنّ الإضرابات فإنّ استمرار الأخيرة في مهامها سيكون مهدّدا إلى حدّ كبير ومعه الاستقرار النسبي الهش في مناطق جنوب اليمن التي تشهد صراعات متزايدة على النفوذ.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى