9 سنوات من تدخّل التحالف في اليمن: ماذا حقّق؟

> «الأيام» العربي الجديد:

> بعد مرور تسع سنوات على تدخّل التحالف بقيادة السعودية في اليمن يبدو الملف اليمني اليوم شديد التداخل والتعقيد سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في ظلّ فشل التحالف في تحقيق أهدافه وفي مقدمتها استعادة الشرعية في اليمن، والقضاء على الانقلاب الحوثي.

وعقب انقلاب جماعة الحوثيين وبدعم من الرئيس اليمني الأسبق (الراحل) علي عبدالله صالح، ونجاحهم بالسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وهروب الرئيس (السابق) عبد ربه منصور هادي إلى عدن، طلب الأخير من قيادة السعودية التدخل عسكرياً لاستعادة الشرعية في اليمن.

حرب اليمن بعد 9 سنوات: انهيار وانقسام

وشكّلت السعودية بالتعاون مع الإمارات تحالفاً عسكرياً بقيادتهما ضمّ عشر دول للتدخل في اليمن. وفي فجر 26 مارس/آذار 2015 بدأ التحالف العربي بشنّ عملياته العسكرية مستهدفاً مواقع عسكرية في صنعاء والمحافظات اليمنية المختلفة، لتنطلق العملية العسكرية في اليمن والتي تمّت تسميتها "عاصفة الحزم"، تحت أهداف عدة، أبرزها استعادة الشرعية والقضاء على الانقلاب.

اليوم، وبعد 9 سنوات من تدخّل التحالف، يعيش اليمن سياسياً حالة من الانقسام، إذ تسيطر جماعة الحوثيين على شمال البلاد، وتحديداً محافظات صنعاء وصعدة وعمران وحجة والمحويت وريمة والحديدة وذمار والبيضاء، وأجزاء من تعز ومأرب والضالع والجوف، وهي بذلك تسيطر على المناطق الأكثر كثافة سكّانياً، والتي تضم نحو 80 في المائة من سكان البلاد المقدر عددهم بـ35 مليون نسمة.

واستطاع الحوثيون بسط سيطرتهم على هذه المناطق على الرغم من فضّ تحالفهم السياسي والعسكري مع علي عبد الله صالح في 2 ديسمبر/كانون الأول 2017، لكن فضّ هذا التحالف لم يؤثر كثيراً على الميدان بعد نجاح الحوثيين في قمع انتفاضة صالح من خلال قتله (4 ديسمبر 2017) عقب يومين فقط من دعوته أنصاره للتمرد ضد الحوثيين.

ولعل الهجمات التي يشنّها الحوثيون في البحر الأبيض منذ ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتأثيراتها الكبيرة على حركة النقل، على الرغم من إعلان الحوثيين أن الهجمات تطاول فقط السفن الإسرائيلية والأميركية، أبرز دليل على توسع دور الحوثيين خلال الأعوام الماضية، ليصبحوا لاعباً إقليمياً مهماً وليس فقط على الساحة اليمنية.

أما الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دولياً، فشهدت حالة من الضعف في عهد الرئيس هادي، ليقوم الأخير بنقل صلاحياته إلى مجلس رئاسي (إبريل/نيسان 2022) جاء تشكيله انعكاساً للتواجد العسكري، ومكون من ثمانية أشخاص برئاسة رشاد العليمي.

ويضم مجلس الرئاسة اليمني ثلاثة أعضاء من "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وهم رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، وقائد "قوات العمالقة" العميد عبد الرحمن المحرمي، وكذا فرج البحسني. كما يضم محافظ مأرب الشيخ سلطان العرادة، وهو مؤتمري مقرب من حزب "الإصلاح"، والعميد طارق صالح قائد "المقاومة الوطنية" وهو ابن أخ الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، وعثمان مجلي من أبناء محافظة صعدة ومحسوب على حزب "المؤتمر الشعبي العام"، والدكتور عبدالله العليمي وهو جنوبي محسوب على حزب "الإصلاح".

يسيطر "المجلس الانتقالي" فعلياً على المحافظات الجنوبية، عدن وأبين ولحج وشبوة وأجزاء من الضالع، فيما محافظتا حضرموت والمهرة شرق البلاد تابعتان للشرعية وفيهما قوات سعودية. كما تسيطر الشرعية على أجزاء من تعز ومأرب، فيما تتواجد قوات إماراتية في محافظة سقطرة. وفي المجمل، فإن الشرعية ومكوناتها تسيطر على 80 في المائة من مساحة البلاد.

في الجانب الاقتصادي، فشل التحالف في الحفاظ على اقتصاد البلاد، إذ توقف تصدير النفط والغاز، وتوقف صرف الرواتب منذ سبتمبر 2016 وحدث انقسام المصرف المركزي اليمني، وأسفر عن ذلك انقسام في قيمة العملة اليمنية وانهيارها حيث تهاوى سعر الصرف من 215 ريالاً للدولار الواحد، إلى 1620 ريالاً للدولار الواحد في مناطق الشرعية، و530 ريالاً للدولار الواحد في مناطق الحوثيين.

هذه العوامل ساهمت في انهيار الاقتصاد اليمني بشكل غير مسبوق، في ظل ارتفاع الأسعار، وانعدام فرص العمل، واعتماد ملايين من السكّان على المساعدات الغذائية المقدمة من المنظمات الدولية، ما جعل البلاد تعيش كارثة إنسانية توصف بأنها الأكبر في العالم.

تقسيم ووعود خائبة

ويقول الكاتب الصحافي خالد عبد الهادي، لـ"العربي الجديد"، إن "واقع اليمن اليوم بعد تسع سنوات من التدخل العسكري للتحالف هو واقع مغاير عن الواقع الموعود قبل تسعة أعوام، ويمكن القول إنه أقل حتى من شبح ذلك الواقع الذي كان مأمولاً في صبيحة تدخل الحلفاء عام 2015".

ويرى عبد الهادي أن "عوامل يمنية وأخرى خاصة بالتحالف، ثم دولية، تضافرت لإعاقة مهمة التحالف التي أعلنها فجر 26 مارس 2015، فالقيادة السياسية اليمنية كانت ضعيفة ومنقسمة وحاربت دوماً من موقع وبرؤية سلطويين، مفرطة بحرب التحرير الشعبية، وزادت أن أذابت إرادتها في إرادة التحالف، ففرّطت بصفة الحليف، مكتفية بدور التابع، وذلك لأنها تخلت عن الحرب الشعبية التي كانت أهم ضمانة لتمييزها وحفظ استقلالها عن التحالف".

أما على مستوى التحالف، فيعتبر عبد الهادي أن "تضارب مصالح قطبيه (السعودية والإمارات) وأهدافهما شكّل إعاقة حاسمة وضربة للتكامل الذي كان مطلوباً لنجاح المهمة، ورافق ذلك أيضاً تصدع الصفّ الخليجي مع مقاطعة قطر في عام 2017". إضافة إلى ذلك، "لم تكن القوى الدولية الكبرى لتفرّط بفرصة ذهبية من قبيل وقوع السعودية في وضعية صعبة، وحاجتها للضوء الأخضر الدولي لتحركها في اليمن، فجرى استغلالها إلى حدّ أقصى ووقف قسم محوري من الحملة كما في الحديدة"، بحسب الكاتب الصحافي.

ويشير عبد الهادي إلى أن "ثمّة فئتين من المخاطر المترتبة على تقسيم اليمن كمناطق نفوذ بين أطراف مختلفة: الأولى، مخاطر ذات أمد منظور، أبرزها جعل التسوية النهائية أشدّ تعقيداً وباهظة الكلفة، وعزل فكرة الدولة عن الواقع باطراد كلّما تقادم الوقت، ما يصعّب عودة سيادتها، وفي أفضل الأحوال يؤخرها أمداً طويلاً، وكذا يضع هذا المنحى البذور لدورات صراع في المستقبل". ويتابع: "أما المخاطر الاستراتيجية المصيرية فتكمن في تشظية الكيان اليمني بما يستند إليه من روابط ومشتركات ودعائم لا بد من توافرها فيه لينضوي في دولة بمفهومها السياسي".

من جهته، يعتبر المحلّل السياسي سعيد عقلان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التحالف تدخّل في اليمن من دون امتلاك رؤية واضحة للأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، في ظلّ وجود شرعية ضعيفة وهشّة، ومنذ بدء تدخل التحالف بدأ بدعم مكونات غير رسمية، ما أسفر عن تواجد مليشيات مسلحة في المناطق التي تم تحريرها من الحوثيين، وهذا ما أنتج أزمات جديدة نتيجة صراعات هذه المجموعات التي تتبع أطراف خارجية".

ويعتبر عقلان أن "عدم وجود رؤية واضحة للتحالف قد ساهم في فشله بتحقيق أهدافه المعلنة، وفي مقدمتها استعادة الشرعية والقضاء على الانقلاب، كما ساهم ببروز تحديات جديدة أمام اليمنيين أبرزها الحفاظ على الوحدة وعلى النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني، بعد تصاعد الأصوات المطالبة بالانقلاب، والتي باتت تسيطر على مساحات شاسعة من الأرض اليمنية، وللأسف الشديد أنه يتم دعم هذه الأصوات من بعض دول التحالف".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى