السودان: عام من الحرب المدمرة… عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين

> ​«الأيام» القدس العربي:

> تكمل الحرب السودانية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى وفر على إثرها الملايين من منازلهم ومدنهم وقراهم التي دمرتها المعارك، عامها الأول في وقت يبدو أن آمال التسوية قد تراجعت بعد تصريحات رئيس مجلس السيادة السوداني القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان وزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تمسك خلالها الطرفان بإكمال الحرب حتى النهاية.

قادوا البلاد إلى المحرقة

“كما حدث أكثر من مرة، سدوا كل منافذ الضوء التي قدمها لهم الشعب بتضحيات وفداء عظيم، وقادوا بلادنا إلى هذه المحرقة”، هذا ما قاله رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في خطاب وجهه للسودانيين في الذكرى الأولى للحرب.

وأطاح بالحكومة الانتقالية التي كان يترأسها “حمدوك” انقلاب عسكري بقيادة رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق محمد حمدان دقلو “حميدتي” في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وسرعان ما تصاعدت الخلافات بين البرهان و”حميدتي” وصولاً إلى اندلاع حرب 15 أبريل/ نيسان الماضي، التي تكمل اليوم عامها الأول، في ظل تصعيد مستمر من أطرافها أدخل المزيد من المناطق السودانية إلى ساحة الصراع.

موت وخراب

ولفت “حمدوك” الذي يترأس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” إلى أن الحرب التي تمزق البلاد منذ عام الأول- اثني عشر شهراً من الموت والخراب – راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين وتشرد الملايين بين مدن النزوح وأقطار اللجوء، بينما يفتك الجوع والمرض والفقر بالملايين.

وحذر من تقطع أوصال الدولة بينما تنهار بنيتها الأساسية التي تم تأسيسها بجهد ومال الشعب، ويفقد الناس ممتلكاتهم وأموالهم التي تم نهبها وسلبها، وتتصاعد مخاطر الانقسام على أسس عرقية وإثنية، ما يهدد بالانهيار الكامل.

وقال إن هذه الحرب لم تندلع فجأة، بل كانت أسباب تفجرها تتراكم يوماً بعد يوم، مضيفاً : “لقد ظللنا نحذر من لحظة اقترابها، ونتحدث عن ما ستجلبه على بلادنا من كوارث ومصائب، وندعو للتمسك بالحوار والوسائل السلمية، مستلهمين هذه الروح من ثورتنا العظيمة التي تمسكت بسلميتها رغم كل ما واجهها من عنف وعنت وتآمر وما قدمته من أرتال الشهداء السلميين الذين كان سلاحهم الوحيد هو الهتاف”.

وتابع: “كان التآمر على الثورة السودانية منذ يومها الأول، بالإعلان عن الالتزام بأهدافها، ثم التخلي عنها ومحاولة وأدها، مثلما حدث في مذبحة فض الاعتصام. ثم التوقيع على المواثيق والاتفاقات ونقضها، والعمل مع أعداء الثورة، وتم تتويج ذلك بالانقلاب الذي وقع في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وأعلن نهاية عملية الانتقال الديمقراطي والانقلاب على الثورة وأهدافها”.

وأشار إلى أن المقاومة الشعبية للانقلاب أرغمت العسكريين على التراجع ومحاولة البحث عن مخرج، لكنهم عادوا وسدوا كل منافذ الضوء التي قدمها لهم الشعب.

وأكد بذل جهود حثيثة لمنع انفجار الأوضاع، ولم تتوقف الاتصالات الداخلية والخارجية، مشيراً إلى أنه على الرغم من ذلك كانت النية مبيتة عند البعض لإشعال الحرب، غير مبالين بنتائجها وآثارها على البلاد.

وأضاف: “لم تتوقف مجهودات القوى المدنية لوقف الحرب واستمرت الاتصالات مع طرفي الحرب، كما تتابعت الاتصالات مع القوى والمنظمات الإقليمية والدولية، وتابعنا في الوقت نفسه في محاولات توحيد كل القوى الرافضة للحرب في جبهة موحدة بلا استثناء، وكان شعارنا ودافعنا هو أن تتوقف معاناة شعبنا، وأن نبذل كل جهد ونقدم كل ثمن ممكن لذلك”.

ولفت إلى أن استمرار الحرب يعني المزيد من التدمير والانتهاكات وتدمير ما تبقى من موارد ويهدد حياة ملايين آخرين، داعياً القيادات السياسية المدنية والعسكرية والمجتمعية أن تنظر لأبعد من ذلك، وتدرك أن استمرار الحرب لن يعيد الحقوق أو يوقف الجرائم أو يحقق العدل والقصاص.

وأكد على ضرورة وقف الحرب ومعالجة الأوضاع الإنسانية ووقف استهداف المدنيين، واستعادة مسار التحول الديمقراطي، وفتح حوار موسع يؤدي لتشكيل هياكل الانتقال، مشدداً على أن ذلك لن يتحقق إلا بالعودة لمنبر التفاوض واتخاذ الحل السلمي التفاوضي طريقاً لإنهاء الحرب ومعالجة آثارها.

ومقابل دعوات التفاوض، تواصل الأطراف المتقاتلة التمسك بمواقفها الرافضة للتسوية.

في خطاب أمام ضباط وجنود الجيش في منطقة أمدرمان العسكرية، قال البرهان: “إن الجيش السوداني جيش عظيم لا يفقد أي جندي فيه الأمل ولا ينهار”، مضيفاً: “لن يكون هناك سلام والجنجويد موجودون، ولن تكون هناك مفاوضات وثمة متمردون” – في إشارة إلى رفض التفاوض مع “الدعم السريع”.

وشدد على “أن القوات المسلحة حلها واحد؛ دحر هذا التمرد. وهذا رأي الشعب السوداني ونحن ننفذ تعليمات شعبنا”، مضيفاً: “العام القادم سنحتفل بمرور مئة عام لجيش السودان”

وتابع: “كل العالم يستغرب هذا الجيش الذي صمد وواجه أكبر تآمر من الخارج وداعمي تمرد “الدعم السريع”.. معركتنا معهم ليست في الخرطوم والجزيرة فقط، بل ستصل حتى نيالا والفاشر والجنينة وزالنجي”.

وأكمل: “كل القوى الخارجية المتربصة بالسودان تريد تدمير هذا الجيش لمعرفتهم أن قوة هذا البلد في قواته المسلحة”.

وتوعد أي شخص تعاون مع الدعم السريع بالرأي والمساندة، مشيرًا إلى أنهم أصبحوا بمثابة أعداء الجيش.

ومع إكمال الحرب السودانية العام، وجه البرهان رسالة لمن سماهم “عملاء السفارات والخارج” الذين اتهمهم بالتآمر على القوات المسلحة”، قائلاً: “لن تحكموا ولن تتسلقوا على أكتاف هذا الجيش وجماجم المواطنين بشعاراتكم الزائفة التي تتاجرون بها”.

تأتي تصريحات البرهان بالتزامن مع التصعيد من الجانب الآخر، حيث قطع “حميدتي” خلال خطاب الأسبوع الماضي بمواصلة القتال حتى النهاية.

وفي وقت تواصل قوات الجيش التقدم في العاصمة الخرطوم، حيث استعادت نطاق واسع من مدينة أمدرمان الواقعة غرب العاصمة، شن سلاح الجو التابع عدد من الغارات الجوية بمنطقة ود الحداد جنوب الجزيرة في محاولة للتقدم نحو ولاية التي تسيطر عليها “الدعم السريع” منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وقال حاكم إقليم دارفور مني اركو مناوي في منشور على منصة إكس، إن “قوات الدعم السريع تواصل على مدى أسبوع كامل الهجوم على القرى غرب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بغرض تهجير سكانها وتطويق الفاشر بغية إسقاطها” مضيفاً: ” تسبب ذلك في مقتل عدد كبير من المدنيين، ما دفع القوة المشتركة إلى التدخل من أجل حسم المعركة”.

يشار إلى أن القوة المشتركة تشكلت من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في إقليم دارفور، وكان الهدف من تكوينها حماية المقار المدنية والمساعدة في توصيل المساعدات، إلا أنها في ظل تطور المعارك شهدت انشقاقات عديدة، كما تورطت قواتها في الحرب التي كانت في البداية تقتصر على الجيش وقوات الدعم السريع. وقالت مصادر تحدثت لـ” القدس العربي” إن قوات الدعم السريع توغلت أمس الأحد في مدينة ” أم روابة” شمال كردفان، وسط موجة نزوح واسعة للمدنيين الفارين من المعارك.

ومع استمرار تمدد المعارك نحو مناطق جديدة، ما يزال يدخل إلى ساحتها لاعبون جدد وتتصاعد حملات التحشيد الشعبي التي يقودها الموالون للجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط تحذيرات من انتشار السلاح والجماعات الجهادية والعشائرية المقاتلة.

تدخلات خارجية

يأتي ذلك في ظل مزاعم واتهامات لأطراف خارجية ودول بتقديم الدعم لقادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث وصل الأمر بالحكومة السودانية إلى تقديم شكوى ضد دولة الإمارات التي تتهمها بتقديم الدعم لقوات (حميدتي)، بينما تتحدث واشنطن عن اتصالات مع أطراف أخرى قالت إنها أصبحت فاعلة في الحرب السودانية، بينها طهران والقاهرة.

أزمة إنسانية

بالمقابل، تتفاقم الأزمة الإنسانية في ظل تعثر عمليات رصد ضحايا العمليات العسكرية في ظل تقييد الحريات الإعلامية وانقطاع خدمات الاتصال والإنترنت عن نطاق واسع من البلاد.

تحدثت آخر إحصاءات الأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني عن 15 ألف قتيل منذ اندلاع الحرب السودانية، بينما تؤكد تقارير أخرى أن عدد الضحايا في إقليم دارفور فقط تجاوز تلك الأرقام بكثير.

على الأرض يتحدث السودانيون عن دفن القتلى داخل منازلهم وفي ساحات الأحياء بسبب تصاعد وتيرة المعارك واستهداف المدنيين. كما تتفاقم أزمة النزوح حيث رصدت الأمم المتحدة أكثر من 9 ملايين سوداني فيما يعد أكبر أزمة نزوح في العالم.

في الأثناء، يواجه القطاع الصحي انهياراً كارثياً في ظل النقص الحاد في الدواء والكوادر الصحية وإغلاق المستشفيات التي طالتها التفجيرات، وتحولت مقارها إلى ثكنات عسكرية في مناطق الحرب. كما أن أزمة الجوع تمضي نحو نقطة اللاعودة حسب (أوتشا)، حيث يواجه ثلثا السودانيين نقصاً حاداً في الغذاء أودى بحياة المئات خاصة في إقليم دارفور غرب البلاد.

وبينما تتطاول الأزمة، حذرت اليونسكو من أن 19 مليون طفل سوداني أصبحوا خارج المدارس بسبب احتدام القتال. كما طالت أطراف القتال اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين والبنية التحتية للبلاد وسط مزاعم بارتكاب أعمال عنف جنسي ونهب واسعة خاصة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.

مؤتمر باريس

على الرغم من اعتراض الحكومة السودانية على استضافة باريس مؤتمر خاص بتداعيات الأوضاع الإنسانية في البلاد، فإن التحضيرات اكتملت لانعقاد المؤتمر المنتظر اليوم الإثنين بالتزامن مع الذكرى الأولى للحرب.

وفي وقت تجاهلت باريس الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يشارك في المؤتمر عدد من القادة المدنيين.

وفي السياق، اعتبر القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية خالد عمر، هذا المؤتمر الحدث الأضخم منذ اندلاع الحرب، مشيراً إلى أنه سيجمع أكثر من 20 وزير خارجية وعشرات المبعوثين والمسؤولين ذوي الصلة بملف السودان”.

يهدف المؤتمر لمناقشة الأزمة الإنسانية وجمع الموارد المالية اللازمة لتوفير المعونات الإنسانية وتوحيد الموقف الدولي والإقليمي حول تنسيق الجهود لمعالجة الأزمة الانسانية ووقف الحرب.

ولفت عمر الذي يشغل منصب نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، إلى أن كارثة السودان ظلت قضية منسية في رزنامة المجتمع الدولي رغم أنها تعد أزمة النزوح الأكبر عالمياً وتسير بخطى حثيثة لتصير أزمة الجوع الأضخم على مستوى العالم”. وأشار إلى أن مؤتمر باريس جاء ليقرع جرس الإنذار من أجل تعزيز الاهتمام الدولي بأزمة السودان.

وقال إن الحقائق ظلت تتكشف تدريجياً حول بؤس خيارات من رجحوا أن هذه الحرب سريعة وأن الحل العسكري في متناول اليد، مشيرًا إلى أنها مع إكمالها العام تجلى عمق الأزمة السودانية، على نحو لا يصح معه تبسيطها، والظن بأن هناك حلاً عسكرياً لها، مضيفاً: “لا شيء يستحق تدمير البلاد وقتل المدنيين وتشريدهم، لا خير يمكن أن ينتج من هذه المأساة”.

وأبدى أمله في نجاح المؤتمر في جمع المساعدات اللازمة لتدارك الأزمة الإنسانية وتنسيق مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين لتقصير أمد الحرب والمساعدة على إسكات صوت البنادق.  وأكد أن إنهاء الحرب السودانية رهين بإرادة الأطراف السودانية العسكرية والمدنية، داعياً إلى تحكيم صوت العقل والعودة إلى طاولة الحوار، مضيفاً: “هذه الحرب ستنهي وجودنا كلياً إذا استمرت، يجب أن تتوقف اليوم قبل الغد”.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى