وليام هيغ: الهجوم الإيراني كان متهوراً.. لكنه جاء لخدمة مصالح طهران الإستراتيجية

> ​«الأيام» القدس العربي:

> حذر عددٌ من الصحف في بريطانيا من التصعيد، بعد الهجوم الإيراني بالصواريخ والمسيّرات ضد إسرائيل، رداً على غارة دمرت قنصلية طهران في العاصمة السورية دمشق، بداية الشهر الحالي.

وقالت صحيفة “الغارديان”، في افتتاحيتها، إن على إسرائيل وإيران الابتعاد عن الهاوية والحرب المفتوحة. وأوضحت: “من المقلق أن ما بدأ بهجوم إسرائيل على القنصلية الإيرانية في سوريا، في 1 نيسان/أبريل، لم ينته بعملية الوعد الحق الإيرانية فقط. فقد أدى التفجير في دمشق لمقتل اثنين من الجنرالات البارزين، وأدى إلى أول هجوم مباشر ضد إسرائيل من الأراضي الإيرانية، وبالنسبة للنظام الإسلامي، غير المحبوب في الداخل، فإن اجتياز نهر الروبيكون كان صعباً، ومن المستحيل تجنبه”.

وكما قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، فإن بلاده كانت ستتحرك بقوة لو سوّت قوة معادية قنصلياتها بالتراب.

وقالت الصحيفة إن هذه هي لحظة مهمة للشرق الأوسط، و”العالم لا يعرف ما أطلق العنان له هنا، ومن الأرجح ألا يكون شيئاً جيداً. ومن هنا فمن الصائب دعوة قادة العالم حكومة بنيامين نتنياهو لإظهار ضبط النفس”.

ورأت أن الخيار الحكيم بالنسبة لنتنياهو هو ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن: “خذ الفوز”، بعد صد الهجمات، وعدم الرد عسكرياً، وعندها سيكون الزعيم الإسرائيلي قادراً على  تحرير الأسرى لدى “حماس”، ووقف الحرب.

وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل نجت بدون أي خدش من 300 صاروخ ومسيّرة أرسلتها إيران، بسبب عيوب الصواريخ، والدعم الدولي والعربي، وتحذيرات إيران المتعددة، وحصانة الدفاعات الإسرائيلية.

وما يهم في العملية أنها كشفت عن اعتماد إسرائيل على شركائها، وهو ما حاول نتنياهو تجاهله خلال الأشهر الماضية. ولو قرر نتنياهو الخيار العسكري فسيختفي التحالف هذا مثل الزهرة النابتة في الصحراء. وستتردد الدول العربية بدعم هجوم مضاد، وبدون أي تقدم على المسار السلمي مع الفلسطينيين.

 وما يهم هو أن الولايات المتحدة عبّرت عن عدم دعمها لتحرك مثل هذا. وستتحول العمليات الانتقامية المضادة إلى روتين لأنها ستتعامل مع الهجمات على تراب البلد كوسيلة للسياسة وليس الحل النهائي في وجه التهديدات الوجودية. وقالت إن التنافس الإيراني- الإسرائيلي يعود لأكثر من عقدين، حيث سلحت إيران جماعات وكيلة لها ضربت إسرائيل بدون أن تتأثر مباشرة، فيما ردت إسرائيل بدون أن تعلن المسؤولية، لكن هجوم “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أخرج المواجهة للعلن. ويجب على القيادة الإسرائيلية تجنّب مصيدة أن الحرب مع إيران محتومة، وأن القتال في مرحلة وليس حالاً سيكون مكلفاً. وهددت إيران بأنها مستعدة للرد على هجوم إسرائيل، ولكن الحرب الواسعة قد تندلع عندما يسيء طرف الوضع.

وحذرت الصحيفة من استهداف إسرائيل النووية المفاعلات النووية الإيرانية، حيث لم تعد طهران ملتزمة باتفاقيات دولية بعد القرار المتهور لدونالد ترامب، سيكون تصعيداً غير مسؤول، فالمواجهة بين إيران وإسرائيل لها بعد أيديولوجي يغطي على طريقة التفكير والحكم على الأشياء.

خطأ فادح

ورأى ويليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني السابق، بمقال في صحيفة “التايمز”، أن قرار إسرائيل التصعيد رداً على الهجوم الإيراني سيكون خطأ فادحاً، ويعتقد أن التصرف بشدة لن يحل أزمة إيران النووية، بل التحالفات القوية. وقال إن الحكومة البريطانية اتخذت القرار الصائب عندما أمرت مقاتلات سلاح الجو الملكي المشاركة بمواجهة الهجوم الإيراني، يوم السبت، مضيفاً أن إيران لم تكن تريد التسبب بضحايا أو دمار واسع، نظراً للتحذيرات التي قدمتها قبل الهجوم. وكان التحرك رسالة سياسة أرفقت باستعراض عسكري ولامتحان الطريقة التي ستعمل فيها الدفاعات الجوية الإسرائيلية.

 ولو تسببت الهجمات بمقتل إسرائيليين لكان معظم الشرق الأوسط اليوم في طريقه للحرب، إن لم قد بدأت بالفعل.

وقال إن التحرك الأردني والأمريكي والبريطاني للدفاع مبرر، وهو في حد ذاته رد على الدعوات المطالبة بوقف تصدير السلاح لبلد يستخدمها للدفاع عن نفسه. ولكن التحرك الدولي يزيد الضغط على إسرائيل كي تتصرف بطريقة منطقية في ردّها على أول هجوم غير مسبوق على أراضيها.

وقال إن الحكومة الإسرائيلية المنقسمة ودعوات المتشددين فيها لرد ساحق على إيران قد تدفع إسرائيل لتضييع فرصة الوقوف معها، حيث ضيعت، منذ هجمات “حماس” في تشرين الأول/أكتوبر، الكثير من الفرص، فالقتل المفرط للمدنيين في غزة، وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية، والضعف في مواجهة عنف المستوطنين في الضفة الغربية، وقتل عمال الإغاثة الإنسانية، أثر على موقع إسرائيل في العالم وموقف الرأي العام منها.

ويعتقد أن من الخطأ التخلي عن التميز الأخلاقي والدبلوماسي بعد الهجمات ومرة أخرى. ويرى أن الهجوم الإيراني كان متهوراً، ولكنه بالتأكيد ليس دعوة لحرب شاملة، بل جاء لخدمة مصالح إيران الإستراتيجية، أي مواصلة تسليح الجماعات الوكيلة لها، وتمتين العلاقة مع روسيا، وتطوير برنامجها النووي، وحماية اقتصادها المتداعي.

 فلو أرادت إيران الحرب الشاملة لأعلنت عن واحدة منها، ومنذ بداية حرب غزة، ومن خلال “حزب الله” الذي بنت ترسانته العسكرية. وبالنسبة للمتشددين، فإن الردع يعني مواجهة أي ضربة بأقوى منها، والرد على كل لكمة بلكمة أشد. لكن الردع يعني التحضير للحرب وتقوية التحالفات الدولية والإقليمية، وهذا ما يظهر من كلام بيني غانتس، زعيم المعارضة الإسرائيلية.

ومن هنا فإن التحرك الأسلم أمام الإسرائيليين هو خفض التوتر مع الإيرانيين، وليس الرد بقوة، وهو ما لا يشك أحد به. وبعبارات بايدن “خذ الفوز”، أي عدم الرد بأي شكل على إيران إن التزمت بعدم المواجهة. ويعتقد أن محاولة إسرائيل انتهاز فرصة الهجوم لضرب المشروع النووي، محكوم عليها بالفشل، ليس لأن البرنامج مخفي تحت الأرض، ولأن البلد جبلي ومن الصعب القضاء على البرنامج كاملاً، بل لأن طهران ستعيد بناء المشروع وبقوة وانتقام. والطريقة الوحيدة لوقف المشروع هي الرد والمفاوضات.

وما تحتاجه إسرائيل لمنع إيران من استكمال مشروعها النووي هو تحالف قوي مع الغرب، تكون فيه منفتحة على حل الدولتين، وهي بحاجة لإستراتيجية سياسية وعسكرية، وهو بالضبط ما لم يكن نتنياهو قادراً على تقديمه في حرب غزة. ويقول هيغ إن هجوم إيران، في نهاية الأسبوع، هو أكبر تصعيد في الأزمة الحالية، لكنه جزءٌ صغير جداً من الأزمة النووية في المستقبل، وعلى قادة إسرائيل فهم أن التصعيد ليس إستراتيجية، وأن تكون قوياً لا يكفي.
 
لا تحاضروا على إسرائيل

 إلا أن “التايمز” قالت، في افتتاحيتها، إن إلقاء المحاضرات على إسرائيل حول كيفية الرد ليس حلاً، لأن خطر إيران هو على الجميع ويجب العمل معاً لوقف تنمّرها. وقالت إن نظام إيران أوهم بتسجيل انتصار من خلال إرساله مسيرات وصواريخ ضد إسرائيل. ولكن الدفاعات الإسرائيلية والدعم الأمريكي والأردني والبريطاني أثبت أن إيران ليست منافساً لعدوتها الأبدية. وتتوقع تأثر مصداقية إيران كقوة عسكرية في المنطقة، لكن في قادم الأيام.

وقالت إن دعوات خفض التصعيد من حلفاء إسرائيل لا داعي لها، فهي ليست بحاجة إلى خدمة من “حاضنة”. وتعتقد الصحيفة أن قوة إيران كقوة إقليمية نابعة من “الحرس الثوري”، وقد فشل، ليلة السبت، أما القوة الثانية فنابعة من مشروعها النووي. وفي هذا السياق يجب السماح لإسرائيل، وبعيداً عن الخطر النووي القادم من إيران بناء إستراتيجية ردع. فهجمات السبت أعطت وكلاء إيران فكرة أنهم يستطيعون ضرب إسرائيل في أي وقت يشاؤون. والرد الغربي هو أن على إسرائيل عدم الرد، و”هذه نصيحة سيئة، فعدم الرد ليس بديلاً عن الإستراتيجية”. وترى أن جزءاً من الإستراتيجية تقوية التحالف الذي وجدته في الرد على إيران، والذي ضم دولاً عربية، بشكل يؤدي للحد من عزلة إسرائيل في المنطقة، والثمن لهذا سيكون المزيد من المساعدات للفلسطينيين في غزة.

ويمكن لإسرائيل العمل على تخريب القوة الإيرانية من خلال تعطيل الطاقة الكهربائية ووقف إنتاج المسيرات الإيرانية بدون أن تؤدي لحرب واسعة.

وعليه فإن نصيحة الصحيفة لإسرائيل مواصلة حرب الظل، إلى جانب ضرب “حزب الله” اللبناني بقوة.

وربما ساعد الغرب في هذا من خلال تصنيف “الحرس الثوري” الإيراني كجماعة إرهابية، وليس كجيش تقليدي. وحثت في هذا السياق بريطانيا لتصنيف “الحرس الثوري”.

لحظة خطيرة

 ورأت صحيفة “فايننشال تايمز”، في افتتاحيتها، أن الهجوم الإيراني هو نقطة تحول خطيرة في الشرق الأوسط، وأن على إسرائيل الاستماع لحلفائها الحريصين على أمنها. فقد أخرج الهجوم نزاع الظل بين إسرائيل وإيران للعلن، ويهدد بحرب شاملة ذات تداعيات كارثية على كل المنطقة.

ووصفت قرار طهران بالهجوم المباشر على إسرائيل بأنه مقامرة متهورة. وأن إيران وإسرائيل تسعيان الآن لاستعادة الردع، عبر التصعيد الخطير، ويجب إقناعهما بالتوقف.

وأشارت إلى أن القواعد القديمة للمواجهة في المنطقة قَلَبَها هجوم “حماس” رأساً على عقب.

 وفي الوقت الذي تحاول فيه إيران وإسرائيل تجنب المواجهة المباشرة فإن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق زاد من الرهانات لمستويات عليا.

وكان هجوم إيران ضخماً، وتم التصدي له. وقد عبّرت إيران أنها لا تريد التصعيد. في وقت يحاول فيه حلفاء إسرائيل، وأمريكا تحديداً، إقناعها بعدم الرد، ويجب عليها الاستماع إليهم.

وترى الصحيفة أن على إسرائيل التعلم من الدرس الأخير، وهو مسارعة حلفائها للدفاع عنها عندما تتعرض للتهديد. وهذا مقارنة بالنقد الذي تعرضت له بسبب الحرب في غزة، ومن بايدن نفسه. وبالتأكيد فإن أمن إسرائيل يعتمد على دعم الغرب وتعاون الحلفاء العرب. وقالت إن الولايات المتحدة والدول العربية تحاول منح إسرائيل مخرجاً من الأزمة بطريقة تستطيع فيها معالجة مظاهر قلقها الأمني وعزل إيران وقمع التطرف الفلسطيني. وجاء الحل على شكل خطة رسمية تنهي الحرب في غزة، مقابل الإفراج عن الأسرى، ومنح الفلسطينيين أفقاً سياسياً وخطوة قوية باتجاه دولة فلسطينية. وبالمقابل تحصل إسرائيل على اعتراف من الدول العربية، بما فيها السعودية. وسيكون هذا بمثابة خطوة نحو حلف أمني إقليمي كانت تريده إسرائيل، وبرعاية أمريكية. إلا أن أمن إسرائيل والتحالفات التي تريدها لا يمكن توثيقها وهي تواصل الحرب على غزة. وأمام إسرائيل خيارات صعبة، وعليها الاستماع لحلفائها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى