الزراعة في اليمن تعاني من الحرب وتغير المناخ والإقطاع

> "الأيام" العرب اللندنية:

> ​يستورد اليمن حوالي 90 في المئة من المواد الغذائية الأساسية (القمح والأرز والشاي والسكر)، إذ تساهم الزراعة بنسبة 20 في المائة فقط من ناتجه المحلي الإجمالي، لكن هذه البيانات تقلل من أهمية الزراعة الاستثنائية في الحياة اليومية وثقافة اليمنيين حيث تتمتع البلاد بالاكتفاء الذاتي إلى حد كبير في جل الخضروات والفواكه واللحوم.

ويعيش حوالي 70 في المئة من اليمنيين في المناطق الريفية. ويعتمد أكثر من 50 في المئة من هؤلاء على الأنشطة الزراعية لتحقيق جزء من دخلهم على الأقل.

ومع تزايد عدد السكان وندرة المياه وسياسات التنمية غير الملائمة شهد سكان الريف انخفاضا في دخلهم من حصة الزراعة.

وتقول المحللة هيلين لاكنر في تقرير نشره موقع عرب دايجست “إن هذا كان من الأسباب العديدة التي دفعت نصف اليمنيين إلى التراجع تحت خط الفقر قبل اندلاع الحرب”.

ومن غير المفاجئ أن يزداد الفقر منذ ذلك الحين، حيث صار اليوم أكثر من 75 في المئة من اليمنيين فقراء ويعانون من انعدام الأمن الغذائي.

وذكر نداء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لسنة 2024 أن نقص التغذية والجوع اليومي يؤثران على 17.6 مليون شخص. وتبقى 3 في المئة فقط من أراضي البلاد صالحة للزراعة، بما في ذلك أراضي الرعي.

وتخسر البلاد 3 في المئة من هذه المساحة الصغيرة بسبب التصحر سنويّا. وتعتمد حوالي 60 في المئة من الأراضي المزروعة على الأمطار، وأغلبها في المرتفعات الغربية التي تستفيد من الأمطار الموسمية حيث تلقت محاصيل الحبوب الصغيرة أقل دعم تقني ومالي من وكالات التنمية.

وهذه المناطق هي الأعلى كثافةً سكانية ريفية وأصبح معظمها اليوم تحت سيطرة الحوثيين.

ولا تزال الذرة والدخن من محاصيل الحبوب المزروعة محليا. وتُزرع كميات محدودة من القمح محليا، إلا أنها لا تغطي إلا جزءا يسيرا من الاستهلاك وذلك لعدة أسباب أبرزها زيادة الطلب مع تضاعف عدد السكان ثلاث مرات منذ الوحدة اليمنية في 1990.

ومكّن إدخال التجارة الحرة المستوردين من تقويض المنتجين المحليين مع زيادة أرباح التجار في نفس الوقت؛ إذ مكنهم من استغلال الآبار العميقة للتوسع في ري المحاصيل ذات القيمة الأعلى على حساب المحاصيل الأساسية البعلية.

وتعدّ ندرة المياه العائق الرئيسي الذي تواجهه الزراعة في اليمن. وترجع إلى مزيج من التحوّلات المرتبطة بتغير المناخ وتأثيره على أنماط هطول الأمطار، بالإضافة إلى التوسع الهائل غير المنظم في الري.

وارتفعت نسبة المياه المستهلكة سنويا في البلاد، والمتأتية من طبقات المياه الجوفية الأحفورية غير القابلة للتجديد، إلى مستوى الثلث في الاستهلاك الإجمالي.

وتعاني المناطق الحضرية من شح مائي خطير. وانخفض نصيب الفرد من توفر المياه إلى 65 مترا مكعبا سنويا، وهو أقل من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر.

وتعتمد مضخات الري في الآبار العميقة الديزل والكهرباء وتستغل الآن الطاقة الشمسية كذلك. وتمكن ملاك الأراضي من استخراج المياه بطريقة تتجاوز الاستدامة لمحاصيلهم العطشى ذات القيمة العالية، مثل القات والمانغو والعنب والموز. وتحرم الآبار العميقة ملاك الأراضي الصغار من مياه آبارهم الضحلة التي تعاني الجفاف.

وتكمن مشكلة توسيع الري في إثراء الذين يستطيعون تحمل تكاليف الضخ من الآبار العميقة وإفقار أولئك الذين لا يستطيعون اعتماد نفس التقنيات.

وتسبب ذلك في ازدياد معدل الفقر العام، وعمّق الفجوة بين أقلية الأثرياء والأغلبية، وهو ما ضاعف التوتر والانقسام الاجتماعي في مجتمع كان يتسم بمساواة أكثر خلال القرون السابقة.

وبينما لا يعد ازدياد الفقر واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء من أسباب الحرب الأهلية المباشرة، إلا أن اللامساواة الاجتماعية ساهمت في التوترات التي سببت الصراع.

وضرب تغير المناخ اليمن بشدة ومبكرا، على الرغم من كون البلد منتجا صغيرا جدا لانبعاثات غازات الدفيئة (0.05 في المئة من الانبعاثات العالمية)، بينما يشكل سكانه ما نسبته 0.43 في المئة من إجمالي سكان العالم. لكن اليمنيين عانوا بالفعل من تبعات الانحباس الحراري منذ عقود.

وقوّض تواتر الفيضانات وشدة الجفاف قدرتهم على استغلال الوقت والموارد للتعافي وبناء الاحتياطيات للوقاية من الأزمة القادمة.

ويصعّب تغير أنماط هطول الأمطار (التوقيت والكثافة) التخطيط الزراعي الموسمي.

وغالبا ما يخسر مزارعون محاصيلهم كلها بسبب تأخر هطول الأمطار أو قدومها قبل أوانها. وتدمر الأمطار الغزيرة والعنيفة المدرجات وضفاف الوديان وغيرها من الهياكل الأساسية.

وتمنع الفيضانات المياه من التسرب لتجديد طبقات المياه الجوفية في بلد ليست أنهاره دائمة الجريان. ويعتمد اليمن كليا على إدارة تدفقات الأمطار المباشرة والمياه الجوفية، ما يفاقم الشح المطلق.

ويسبب تدهور التربة والتلوث الناتج عن استخراج النفط والتخلص من النفايات الصلبة مزيدا من تراجع غلة المحاصيل وإنتاجها. كما تشمل الأسباب غير المباشرة المرتبطة بالحرب ارتفاع تكاليف المدخلات (الكيماويات الزراعية ومنتجات الصحة النباتية)، والتسويق (سعر الوقود وطرق السفر الأطول لتجنب البنية التحتية المتضررة) والضرائب (بما في ذلك المدفوعات عند تعدد نقاط التفتيش).

وتشمل القيود على الزراعة، والمرتبطة بالحرب مباشرة، الخطوط الأمامية المتعددة والمحظورة على المدنيين.

وبينما سينتهي العمل العسكري النشط بانتهاء الحرب سيشمل التأثير طويل الأجل وجود الألغام الأرضية وغيرها من الذخائر غير المنفجرة.

ومن المعروف أن خطر الألغام الأرضية يمتد لأجيال. ويكون الأطفال من بين ضحاياها الرئيسيين.

ويضاعف هذا خطر إزالة الألغام وصعوبتها. كما تنقل الأمطار والفيضانات هذه الألغام إلى مناطق جديدة، وهو ما يعرض المزيد من اليمنيين للخطر.

وتبقى المناطق الملغومة غير صالحة للزراعة لأجيال وتقلص بذلك المساحات الزراعية الصغيرة بالفعل.

ويصاب الأطفال وغيرهم من الرعاة ويفقدون أطرافهم ويُقتلون عندما تفرض عليهم الضرورة الاقتصادية العمل في المناطق الملغومة، عن علم أو عن غير علم.

وترى لاكنر أنه من الضروري أن يستمر استيراد المواد الغذائية الأساسية، حتى بعد انتهاء الحرب. لكن الزراعة ستبقى دعامة الاقتصاد اليمني الأساسية في ظل فشل إستراتيجيات التنمية السابقة في تحسين ظروف سكان الريف المعيشية.

ويجب أن تركز السياسات الجديدة على الحد من الفقر لتحقيق سلام مستدام.

ويجب أن تعطى الأولوية لدعم أصحاب الحيازات الصغيرة والزراعة البعلية، بما في ذلك المحاصيل عالية القيمة الموفرة للمياه.

ويجب أن ينخفض الري بالآبار العميقة لضمان احتياجات سكان الريف والحضر المائية الأساسية.

لكن ما زاد في تدهور الأمور هو تراجع آمال انتهاء الحرب (التي بلغت عامها العاشر) بسبب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة ورد الحوثيين بمهاجمة سفن الشحن في البحر الأحمر.

وتسبب ذلك في تعليق “خارطة الطريق” التي وضعها هانس غروندبرغ، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن.

وانخفض التمويل الإنساني بينما تتواصل الأزمات الاقتصادية والمالية، وأصبحت حاجة اليمنيين إلى الاعتماد على قدراتهم الإنتاجية الغذائية أكبر في وقت يتعرضون فيه لضغوط شديدة بالفعل، وهو وضع من غير المرجح أن يتغير على المدى القصير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى