جردة حساب جنوبية للمجلسِ الانتقاليِ الجنوبي

> سبعة أعوامٍ انقضت على التفويضِ الذي مُنحَ لتشكيلِ المجلسِ الانتقالي الجنوبي الذي شكلَ تحولًا متقدمًا في النضالِ السياسي لشعبِ الجنوب العربيِ وشرعنَ مقاومته السلمية للاحتلالِ اليمني وتحولها إلى المقاومةِ المسلحةِ بعدَ غزوِ تحالفِ الحوثي وعلي صالح واستطاعتْ أنْ تهزمَ هذا التحالف غير المقدسِ وتحرير الجزءِ الأكبر من أرضِ الجنوبِ من الوجودِ العسكري اليمني المباشر.

بعدَ هذهِ الأعوام هلْ يحقُ لشعبِ الجنوبِ أن يسألَ: ماذا تحقق على طريقِ الوصولِ إلى هدفهِ الرئيس في الاستقلال؟

وهلْ ما تحققَ وأنجزَ حتى الآنَ يرتقي إلى تطلعاتِ جماهير شعب الجنوب التي نزلتْ إلى الساحاتِ والميادينِ بالملايينِ رافعة رايات التحريرِ والاستقلال؟

لا شك أن مياهًا كثيرة جرتْ منذُ ذلك التفويضِ عامِ 2017 من ساحةِ الحريةِ في خورِ مكسر عدن، وجرت تدخلات سياسية عديدة للالتفافِ على انتصار الجنوبيينَ بعضها تطورتْ إلى مواجهاتٍ سياسية وعسكريةٍ سالتْ فيها دماءٌ كثيرة وسقطَ خلالها مئاتُ الشهداءِ في معارك بينَ المجلسِ الانتقالي وقوى الشرعية اليمنية حيث تعرضَ فيها أبناءُ الجنوبِ وقواتهمْ المسلحة إلى سلسلةِ من الهجمات الإرهابية وخاض مواجهات عسكرية مباشرة مع قوات الشرعية تنقلتْ من عدنَ إلى أبينْ ثم إلى شبوة وعلى خطوطِ المواجهةِ معَ الحوثة في الضالعِ وبيحانْ ويافع وما زالتْ الدماءُ الجنوبيةُ تنزفُ حتى اليوم.

وهنا وجب القولُ إنهُ رغمَ نجاحِ الحراكِ الجنوبيِ السلميِ المثيرِ للإعجابِ في وضعِ القضيةِ الجنوبية في جوهرِ الصراعِ اليمني/ الجنوبي، وتم تعميدُها وحضورها القوي عندما هبّ شباب الثورة الجنوبية وحمل السلاح دفاعا عن أرضهم في وجه الغزوِ الثاني الحوثوعفاشي في 2015م ومقاومته وهزيمته، ونجحت قوى الثورة الجنوبية في عدم الانجرارِ إلى فخِ الفتنِ والصراعاتِ التي أرادت القوى اليمنية إشعالها في الجنوب وحولتها من تهديد إلى فرصة للجنوبيينَ كي يوحدوا صفوفهم، وكذلك صمودهم في مواجهةِ الإرهابِ الإخواني مع سقوط عشرات الضحايا منهم، إلا أن النتائجَ لمْ تكنْ بحجمِ الآمال والطموحات التي سعوا إليها، لأن القوى اليمنية مدعومة بقوى خارجية كانت حاضرة ففرضتْ مسارات لمخارج الصراعِ لا تقودُ حتى اليوم إلى بحث جوهرِ أسبابهِ والتي قدْ تضعُ أهدافَ شعبِ الجنوبِ وممثله المجلس الانتقالي في خطرٍ وتبقي على جسدهِ في إطارِ مناوراتها السياسية الدولية.

إن التغيير الذي كانَ مأمولا منه أن يجعلَ من الصراعِ سلميا وسياسيا بينَ قوى الاستقلال الوطنية الجنوبية وأطماع القوى اليمنية في إعادةِ احتلال أرض الجنوب بعدَ اتفاقِ الرياضِ 2019 م قد أخذَ طرقا معوجةً ومسالكَ صعبةً وعصيةً تحولَت إلى حربِ منْ نوعٍ جديدٍ شملتْ ممارسةَ سياسة التجويعِ وترديا للخدماتِ العامةِ معَ غيابِ الأفقِ السياسيِ لنهايةِ الحرب والتي أصبحَ يكتنفها غموض ومخاوفُ بعدما نجحتْ القوى اليمنيةُ وقوى إقليمية وأجنبية في تحويلِ الصراعِ إلى معركة يخوضها الجنوبيون منْ أجلِ العيش المستقر وتوفيرِ حياة كريمة تليقُ بإنسانيتهم، كما أن تلك القوى حاولت العبث في بعض ساحات الجنوب وفشلت في خلقِ بؤرِ صراعات محلية لتشتيتِ جهود الجنوبيين والعمل على تفتيت القوة الجنوبية القائدة ومحاولة حرف البرنامجِ الوطني السياسي لشعبِ الجنوب.

بعد هذا نسأل ماذا تظهر لنا جردة حساب المجلس الانتقالي؟

لقد حان موسم الحصادِ الذي لم يكن فيهِ النتاج وفير كما كانت تنتظر الجماهير الجنوبية حتى لا نقول كان ضئيلا وأحيانا مغشوشا لا يتناسب وتطلعات الملايين التي نزلت إلى الشوارع على طول وعرض الساحات الجنوبية وحملت السلاح في مقاومة سجلت بأحرف من نور سجلات انتصاراتها على أمل إنجاز نتائج تعوض عليها سنوات الضياع والهوان تحتَ الاحتلال اليمني والفساد والظلم والاستغلالِ الذي طبع منظومة عمل الشرعية بعد هزيمة الحوثي في الجنوب.

إنَ المواجهةَ السياسيةَ والعسكريةَ اليوم معَ الحوثي تضعُ الجميعَ أمامَ حائطٍ مسدودٍ حيثُ تترنحُ كل الجهود والمبادرات العربية والدولية للسلام، بسبب إصرارِ الحوثي على فرضِ منظومتهِ الأمامية وجعلها حيز التنفيذ بشكلٍ لا غبار عليه بعدما ربطَ مصيرهُ بالأجندةِ الإيرانيةِ ومشروعها اللادولتي والتخريبي في المنطقةِ، مع وجودَ مجلسٍ رئاسيٍ مشلولٍ ممثل لبقايا منظومة يمنية احتلالية وفاقدا للشرعية على الأرض، يستخدم ما لديهِ من وسائل ضغط للبقاء، مصدرا للقوة يحاول بها النيل من قضية شعبِ الجنوبِ وتهميش مشروعهِ الوطني، ومجلس انتقاليٍ جنوبي ربط نفسه من حيث يعلمُ أو لا يعلمُ بقوى لها حساباتها السياسية ومصالحها التي تأتي بالنسبة لها في المقامِ الأول.

إنها جردة حساب ثقيلة لنضالِ شعب الجنوب الذي لم يصلْ بعد إلى منتهاه، والذي لا يجبُ بأي حالِ من الأحوال السماح أن يذهب هذا النضال إلى بيات شتوي طويل أو رحلة في صحراءَ تغوصُ في رمالها أهداف هذا الشعب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى