واشنطن ورؤيتها الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط

> محمد حسن الساعدي:

> ​منذ اندلاع زلزال “طوفان الأقصى” غيّرت الولايات المتحدة منهجها تماماً تجاه الشرق الأوسط بصورة عامة، وذهبت إلى أكثر من ذلك ليشمل التغيير تعاملها مع الكيان الإسرائيلي. على الرغم من وقوفها الجدي معه في الصراع مع حماس إلا أنها لم تندفع تماماً مع تل أبيب، وبقيت ممسكة بخيوط اللعبة من بعيد، مع الحفاظ على أوراقها في المنطقة سواء مع دول الخليج أو العراق وباقي دول المنطقة، وانتهجت بذلك أسلوب المناورة وحفظ الأوراق، من أجل إبقاء مصالحها محفوظة مع العرب من جانب، وتؤمّن الحماية لإسرائيل من جانب آخر، على أن تبقى هي “الحكم” في ملعب الشرق الأوسط، وتراقب أداء كل المتنافسين في المنطقة عن كثب.

الإدارة الأميركية دعّمت كل الجهود التي تبنت مبدأ التغيير في المنطقة بدءا من “الربيع العربي”، وكانت كل النتائج سلبية، ولم تحقق أيّ هدف من أهدافها المرسومة، وذلك لأن النهج الذي اتبعته واشنطن لم يكن واضحا وتشوبه الكثير من علامات الحيرة والاستفهام، لذلك تسعى إدارة الرئيس  جو بايدن إلى إعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة على أن تبدأ من فلسطين، من خلال إعادة تنشيط سلطة محمود عباس حتى تتمكن من إعادة حكمها وتحكّمها بمدينة غزة، والانخراط بمشروع الخارطة الجديدة خلال النصف الثاني من العام الجاري، إذ أنها وجدت عددا من المعطيات المهمة لهذه الخارطة يمكن تحقيقها على أرض الواقع في الأراضي الفلسطينية.

المحاولات التي قامت بها الولايات المتحدة وجهودها الرامية لتحويل الشرق الأوسط كانت واضحة وفاشلة بكل المقاييس لأنها لم تحقق الأهداف الرامية إليها من تغيير جيوسياسي، لذلك حتى هذه التحركات أثارت جدلاً كبيراً حول غاية واشنطن من كل هذا التحرك وماذا تريد، وما إذا كان ينبغي عليها أن تغادر منطقة  الشرق الأوسط أو أن تراقب من بعيد أو تبقى مرتكزة فيه!

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 تبنت إدارة جورج بوش الابن مبدأ “الديمقراطية” والتي تدعو إلى محاربة الإرهاب والتطرف، وقد بذلت في هذا الاتجاه جهوداً كبيرة، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، فقد ساعدت على تخليص العراقيين من النظام السابق، وإعادة تشكيل المجتمع العراقي وفق هذه الديمقراطية، ولكنها على الرغم من عدم تطبيقها لهذه المعايير واصطدامها بالركائز النفسية والأيديولوجية للمجتمع العراقي إلا أنها لم تستطع فرض رؤيتها وإرادتها على العراق وشعبة، وظلت تراوح مكانها في هذا السياق وتحرك الأدوات الداخلية كالمنظمات الإنسانية أو غير الحكومية في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية في العراق، ونفس الجهود بذلتها أيضا من أجل بناء دولة فلسطينية تستند أساسا على فكرة “أن تحقيق أيّ سلام ينبغي أن يكون من خلال الإصلاح السياسي الديمقراطي”.

الأمر نفسه مورس مع إيران من خلال الاتفاق النووي الذي وقّعه الرئيس السابق باراك أوباما، والذي كان المقصود منه هو شراكة طهران في المنطقة ومحاولة تحويل الشرق الأوسط إلى وجه آخر يمكن من خلاله لإيران أن تمارس سياستها وتقاسم السلطة في المنطقة. وقد فشلت واشنطن تماماً في هذا التوجه، عندما أرادت أن يكون منطق القوة هو السائد في تغيير المنطقة. لذلك من الأفضل لإدارة بايدن تجنب أيّ جهد يسمح باستخدام القوة فيها وتجنب اللجوء إلى منطق القوة في فرض إرادة أخرى على الفلسطينيين. بل من الأفضل أن تسعى واشنطن إلى تحييد الكيان الإسرائيلي عن أيّ مواجهة مقبلة في الشرق الأوسط، والذهاب إلى تنسيق الأدوار مع اللاعبين الأساس فيها، عدا ذلك فأيّ جهود تبذلها واشنطن لتقريب وجهات النظر بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين سيكون مصيرها الفشل تماماً، والموقف الحقيقي سيكون للميدان لا محالة.
العرب اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى