​مع توالي إغراق السفن.. هل ثمة نهاية لـ«الهجمات البحرية» قبل توقف الحرب على غزة؟

> "الأيام" القدس العربي:

>
مع التصعيد الذي شهدته الهجمات البحرية لقوات حركة «أنصار الله»(الحوثيون) في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن مؤخرًا، وما نتج عنه من إغراق سفينة تجارية أصبحت الثانية منذ بدء الهجمات في نوفمبر الماضي؛ فيما هناك سفينة ثالثة مهددة بالغرق في خليج عدن، ارتفعت حدة أصوات شركات الشحن العالمية مطالبة بإيقاف الهجمات، وبعضها ضمّنت مطالبها إيقاف التوتر في المنطقة، بما فيها الحرب في غزة.

السؤال الذي يفرض نفسه بالتزامن مع تداعيات التصعيد الأخير في العمليات البحرية للحوثيين: هل ثمة نهاية متوقعة لهذه الهجمات قبل توقف الحرب على غزة؟

قبل ذلك، لماذا لم تستطع الولايات المتحدة من خلال تحالف «حارس الازدهار» وتحالفها مع بريطانيا، الذي يشن ضربات صاروخية وغارات جوية على أهداف في اليمن تقولان إنها للحوثيين، ومعهما تحالف قوة «أسبيدس» للاتحاد الأوروبي أن تحقق أي نجاح على صعيد إيقاف هجمات الحوثيين؟

قالت وكالة «أسوشيتد برس» في تقرير لها الخميس الماضي، إن البحرية تواجه قتالا بحريا هو الأشد منذ الحرب العالمية الثانية. وهو ما يمكن قراءته باعتباره رفعًا من شأن القدرات العسكرية للحوثيين من جهة، ومن جهة ثانية يمكن اعتباره تبريرًا لقصور الأداء الأمريكي في احتواء الهجمات وإيقافها.

وأعلنت واشنطن في 19 كانون الأول/ديسمبر الماضي إنشاء قوة أمنية متعددة الجنسيات باسم «حارس الإزهار»؛ وهو تحالف بحري تقوده الولايات المتحدة لشن عملية عسكرية ردًا على الهجمات التي تشنها القوات التابعة لجماعة «أنصار الله» (الحوثيون) على السفن المملوكة لإسرائيل أو المتجهة إليها أو المرتبطة بها في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وهو ما أعلن عنه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في البحرين عقب زيارة قام بها إلى إسرائيل.

وفي 19 شباط /فبراير دشن الاتحاد الأوروبي العمل رسميًا لقوة بحرية خاصة به في البحر الأحمر تقودها إيطاليا باسم «أسبيدس» لحماية السفن من الهجمات التي تشنها القوات الموالية لحركة «أنصار الله» على السفن المرتبطة بإسرائيل، ولحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

منذ بداية العام 2024 صارت تربض على مياه البحر الأحمر عشرات السفن الحربية متعددة الجنسيات بهدف حماية الملاحة الدولية أو بمعنى أصح إيقاف هجمات الحوثيين على السفن، والتي تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل «تضامنًا مع غزة» التي تتعرض لعدوان إسرائيل بدعم أمريكي منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وفي 12 يناير الماضي دشنت واشنطن ولندن ضربات صاروخية وغارات جوية متواصلة على أهداف في اليمن تقولان إنها للحوثيين، إلا أن هذه الضربات والغارات، وكل ذلك العتاد العسكري البحري لم يستطع إيقاف هجمات الحوثيين، بل لقد توسعت خريطة وأهداف تلك الهجمات، وصارت تشمل السفن الأمريكية والبريطانية عقب «العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن» وفق الحوثيين، وامتدت خريطة الأهداف لتشمل السفن المستهدفة في المحيط الهندي، ومن ثم في البحر الأبيض المتوسط، و إغراق سفن تجارية، بدءًا من سفينة الشحن البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر في مارس عقب أسبوعين من استهدافها في فبراير، ولحقتها سفينة شحن يونانية «توتور» في  يونيو، بعد أسبوع من إصابتها، فيما هناك سفينة ثالثة مهددة بالغرق، هي السفينة «فيربينا» الأوكرانية، التي تحمل شحنة مواد بناء خشبية، وقد غادرها طاقمها بعد العجز عن احتواء الحريق، وبدأت تنجرف في خليج عدن بعد استهدافها في 13 يونيو الجاري.

علاوة على ذلك ما تزال الهجمات الحوثية تصل إلى جنوب فلسطين المحتلة مستهدفة مناطق إسرائيلية في مدينة أم الرشراس «ايلات» وبموازاة ذلك تتواصل الغارات الجوية الأمريكية البريطانية على أهداف للحوثيين في اليمن، بينما قدرات الحوثيين ازدادات تطورًا عما ظهرت عليه في عملياتهم البحرية الأولى في نوفمبر الماضي.

لا يوجد ما يلوح في الأفق عن إمكانية إيقاف الحوثيين لهجماتهم على السفن قبل إيقاف الحرب على غزة؛ فتصريحاتهم تؤكد ذلك، وهم يعلّقون على المطالبات والاتهامات التي يتم القائها صوبهم، وآخرها تعليق البيت الأبيض واصفًا عملياتهم في البحر الأحمر بالإرهاب؛ وهو ما ردوا عليه من خلال بيان للمكتب السياسي لـ «أنصار الله» اعتبر عملياتهم «أخلاقية» مؤكدًا أن إيقافها مرهون بإيقاف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.

مما سبق، فإن إيقاف التصعيد الأخير في عملياتهم لم يعد متاحًا قبل إيقاف العدوان على غزة، لاسيما وقد وصل هذا التصعيد إلى استهداف عشرات السفن في الشهور الأخيرة، بمستوى مضاعف عما كانت عليه في الشهور الأولى، وخاصة خلال الشهرين الأخيرين، على الرغم من تلقي مناطق سيطرة الحوثيين نحو 500 غارة أمريكية وبريطانية منذ يناير الماضي حسب ما صدر عن الحركة، وعلى الرغم من ذلك تطورت قدراتهم؛ ما يعني أن الوضع لم يعد قابلًا لمزيد من المناورة، وربما أن الغرب بات مقتنعًا بان إيقاف الحرب على غزة هو الحل، لاسيما مع توالي الخسائر التي تتكبدها شركات الشحن وحركة الأسواق في أوروبا جراء ما يشهده البحر الأحمر، الذي يعد من أهم طرق الشحن البحري في العالم، ويمر خلاله ما نسبته 12 في المئة من إجمالي حركة الشحن في العالم. كما أن توالي غرق سفينتين فيما أصبحت ثالثة مهددة بالغرق لن يدفع لمزيد من العمليات العسكرية الأمريكية والبريطانية ضد أهداف للحوثيين؛ فبنك الأهداف الأمريكية في مناطق الحوثيين لم يعد فيه أكثر مما تم استهدافه خلال الخمسة الشهور الماضية.

في قراءة لواقع المسرح العملياتي في البحر الأحمر، وإمكانية توقف الهجمات البحرية هناك يقول الباحث العسكري في وزارة الدفاع في حكومة «أنصار الله» (الحوثيون) في صنعاء، العميد عابد الثور، إنه ليست هناك نهاية للهجمات البحرية إلا بتوقف العمل العسكري ضد غزة. اليمن (سلطة «أنصار الله») أعلن في أكتوبر أنه دخل المواجهة مع الكيان الصهيوني، ومن ثم أمريكا، وربط عملياته كلها بغزة؛ فإذا توقفت العمليات على غزة ستتوقف العمليات العسكرية ضد سفن الكيان الصهيوني.

وتابع: نحن ربطنا هذه الأعمال العسكرية بما يحدث في غزة فإذا انتهت الحرب على غزة انتهت هذه المشكلة. لكن أنا أتوقع كعسكري أنه حتى وإن توقفت الحرب على غزة من الكيان الصهيوني لن تتوقف معنا الحرب بالنسبة لأمريكا وبريطانيا؛ لأنهم سيحاولون القضاء على القوة اليمنية بشتى السُبل من خلال البحث عن ذرائع ومؤامرات لكي يحدوا من هذه القوة بأي وسيلة، خاصة وأن اليمن أثبت فعاليته وقدرته على أن يسيطر على مسرح عمليات واسع من خلال صواريخ يتجاوز مداها ثلاثة آلاف كيلومتر؛ وهي مساحة جغرافية كبيرة، وتعطي رسالة ودلالة على أن التطور في القدرات صار كبير جدًا.
  • فاعلية التحالفات
وفيما يتعلق بفاعلية التحالفات العسكرية كتحالف «حارس الازدهار» والتحالف الأمريكي البريطاني ضد أهداف يقول إنها للحوثيين في اليمن وقوة «أسبيدس» وعدم استطاعة هذه الأحلاف حتى الآن إيقاف الهجمات البحرية.. يقول العميد عابد الثور: موقع اليمن مهم جدًا، وهو الذي منحه الأفضلية بأن يحقق عمليات عسكرية ناجحة. الشيء الآخر أن التحالفات التي شكلتها واشنطن لم تكن ناجحة بالمعنى العسكري بل كانت فاشلة، بدليل أننا ظللنا نشهد انسحابات بين فترة وأخرى؛ كما لم يكن هناك تحالف دولي بمسوغ قانوني من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، كما أن العالم يدرك أن أمريكا تفرض هيمنتها على أوروبا وتشكل التحالفات بدون اعتراض من أحد.

وأضاف: كما أن أي تمركز أو تموضع لأي قوة في البحر الأحمر لا يخدم الجانب العسكري بالنسبة لهم. التموضع الذي تتخذه القوات البحرية الأمريكية في البحر الأحمر سهل بالنسبة لقواتنا في اليمن أن تستهدفها، خاصة وأن الأسلحة اليمنية الاستراتيجية المتمثلة في القوة الصاروخية بشقيها الباليستية والمجنحة صُنعت في اليمن، ويمتلك أسرارها اليمن، ولم تتدخل دولة أخرى في تصنيع هذه الأسلحة، أي أن أسرار هذه الصواريخ والتكنولوجيا المتعلقة بها يمنية، والأمريكيون اعترفوا أنهم يواجهون صعوبة كبيرة في التصدي لهذه الصواريخ، ولعل التصريحات الأخيرة لقائد حاملة الطائرة «ايزنهاور» كانت واضحة، وهو يقول إن الضربات كادت تكون يومية، وكذلك قادة المدمرات الأمريكية التي طالتها الضربات، وهم يعترفون بأنهم لأول مرة في التاريخ يتصدون لهذه الصواريخ؛ وبالتالي هم يواجهون صعوبة لأنهم لا يمتلكون مصادر معلومات من الداخل، وهذا ما أفقدهم الركن الأساسي في المواجهة، وبالنسبة لنا هو ميداننا وموقعنا الجغرافي أيضًا ساعدنا كثيرًا، وأعطى لنا أفضلية بأن نُفشِل أي تحالف في البحر الأحمر.

واستطرد: أكثر من ستة أشهر لم تستطع أمريكا أن تتموضع في البحر الأحمر، وهذا يحصل ربما لأول مرة بالنسبة لها، فقد كانت تعتقد أنها صاحبة الحق في أن تتواجد في أي مياه في العالم، ولكن هذه المواجهة أعطتها حجمها كدولة لا يحق لها أن تتجاوز الحدود، وأن تعطي لنفسها الحق في أن تصل إلى أي مكان في العالم. اليوم أمريكا في وضع مخزٍ للأسف الشديد؛ وهذه رسالة مهمة، وهي أن اليمن بقدراته العسكرية المحدودة استطاع أن يحدد حركة القوات الأمريكية في البحر الأحمر، أو بمعنى آخر استطاع تحييد أمريكا من استخدام أسلحتها في البحر الأحمر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى