التدين والوطنية في عالمنا العربي

> لا يبدو أن هناك تعارضاً في الأصل بين الوطنية والتدين، فالنصوص الشرعية تؤكد أن حب الوطن من الإيمان، وأن كل إنسان مُكرم ومحترم في ظل الدولة الإسلامية مهما كان دينه ومعتقده، وأن سيرة الإنسان وتاريخه يؤكدان أن كل امرئ بحسب وطنه في الفطرة والغريزة ويدين له بالولاء، لكن يبدو أن ثمة تناقضات أفرزتها الحكومات الشمولية في عالمنا العربي والإسلامي أدت إلى بروز حالة تعارض بين الوطنية والتدين، حين اتكأت تلك الحكومات على الوطنية وحب الوطن، لتبرير السياسات التي لا يختلف اثنان على عدم صوابها.

ولا يعني هذا بالطبع أن تلك الإدارات لا تحب أوطانها من حيث المبدأ ولا تؤمن بالوطنية، الأمر الآخر الذي يمكن الإشارة إليه هنا التعدد المذهبي أو الطائفي، فكلنا يعلم أن هذا التعدد واقع قائم يصعب تغييره أو تبديله أو تجاوزه، بل يبقى احترامه انطلاقاً من مبدأ تعدد المدارس الإسلامية في الفقه، والمحافظة على المصلحة العامة لأمة العرب والإسلام وتترتب عليه تعددية في الولاء في داخل الوطن الواحد والدولة الواحدة، لكن ما ينص عليه أصلاً هو ألّا يكون هناك تعارض بين الولاء للوطن، والولاء للمذاهب بصورة خاصة، أو الدين بصورة عامة.

إن حالة عدم التوائم والتناغم بين الإدارة وجمهورها فيما يتعلق بالحقوق والحريات والتطلعات والعلاقات الدولية تؤدي إلى نشوء وتعميق ذلك التعارض الذي تنظر إليه الإدارة العامة على أنه خروج عن دائرة الوطنية والولاء للوطن، وهذا ما تؤكده مسيرة الواقع في عالمنا العربي والإسلامي، وفي تقديري أن الأمرين يرتبط كل منهما بالآخر، وللخروج من هذه المشكلة تأتي مسألة التوائم والانسجام بين الإدارة العامة والجمهور، وتحمل المسؤولية بصورة مشتركة منفتحة واعية، مع أن المبادرة تبقي أن يكون من الأولى، فبقدر ما يزيد التقارب الفكري والعلمي منهما ستضيق الهوة المتمثلة في التعارض بين الوطنية والتدين واقعاً، وسيصبح التدين مع تعدد مذاهبه مكرساً للوطنية فكراً وعملاً، كما ستكون الوطنية محترمة للتدين مهما كان شكله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى