عبدالرزاق.. الحاصل على "نوبل للآداب": أنا بريطاني من زنجبار وأرحب بالهوية المزدوجة

> تقرير/ عبده وازن:

> معرض الشارقة للكتاب استضافه في أول حوار مفتوح مع جمهور عربي، إنها المرة الأولى التي يطل فيها الروائي التنزاني العربي الأصل الفائز أخيرًا بجائزة نوبل الأدبية عبد الرزاق قرنح على جمهور عربي من قراء وإعلاميين ويتحدث بطلاقة وعفوية وتواضع تام، في اللقاء الذي عقد معه في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأربعين، وقد حل فيه ضيفًا ووقع كتبه للقراء بالإنجليزية. طبعًا اللقاء مع قرنح ولو عبر لقاء عام اختصر خلاله كل اللقاءات الإعلامية لكونه لا يميل إلى الحوارات كثيرًا، أتاح للقراء والإعلاميين في المعرض فرصة التعرف عليه، ولو عبر المنصة، واكتشاف وجهه الأفريقي والعربي، وهو الذي تضرب جذوره في أرض زنجبار.

مفاجأة نوبل
واستهل قرنح كلامه في اللقاء الذي أدارته الإعلامية سالي موسى قائلًا "كان فوزي مفاجأةً لي، واعتقدت أن الخبر كان من قبيل الممازحة، غير أنني تحققت من بريدي الإلكتروني، لأرى الفرحة في عيون كل من عرفته ومن لم أعرفه. فالجائزة منحتني مدى أوسع لتمرير رسائلي الإنسانية وقضاياي الذاتية، خصوصًا أنني أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة كينت في بريطانيا، التي هاجرت إليها عام 1968، وعرفت بكتاباتي المقاومة والمناهضة للاستعمار. إن الجميل في حصولي على الجائزة هو رؤيتي السعادة على وجوه أشخاص بعثت الجائزة في أنفسهم انطباعات إيجابية، وحملت إليهم مشاعر صادقة عن إنسان عمل قدر الإمكان ليجعل حياتهم أفضل مما هي عليه من خلال كتبه ورواياته». وأشار إلى أنه لا يستطيع تغيير حياة الآخرين بالكتابة، وإن كان يتمنى ذلك. لكنه عمل في سنوات حياته الأدبية على إبراز معاناة المهاجرين الذين أفضت بهم الحياة إلى ركوب المخاطر والسفر خلف حياة أفضل، ولفت إلى أن أفريقيا تحفل بالمبدعين الذين يستحقون القراءة. وأضاف «أكتب للوصول إلى حياة أكثر تعبيرًا عن أعماق الناس الذين أتحدث عنهم بكل صدق، ناقلًا الصورة الحقيقية عن معاناة المهاجرين، فلا أكذب، وأنا أعبر عن تجاربهم لصالح الحبكة، وبالتالي فإنه ينبغي أن ننظر بأعين ثاقبة إلى ما نحاول أن نكتب عنه، من دون مغالاة أو مزايدة على الواقع".

كاتب محترف
وتحدث بجرأة عن مساره الأدبي الذي أفضى به إلى الفوز بجائزة نوبل قائلًا "لم أكن أمتلك العناصر التي تجعلني أتوقع أن أصبح كاتبًا محترفًا في يوم ما، وقد كتبت العديد من النصوص التي جمعتها خلال رحلتي مع الكتابة بعد أن حططتُ رحالي في بريطانيا مهاجرًا، وكنت في الثامنة عشرة من عمري. ومرت تلك النصوص على الكثير من دور النشر، التي كنت أحاول أن أنشر لديها، إلى أن شاءت الله أن تقبل إحدى دور النشر بروايتي التي أصبحت نافذتي نحو عالم القراء".

وتكلم عن إصراره على محاولة الدخول إلى عالم الكتابة، قائلًا «إن المحاولة عنصر مهم من عناصر الدخول إلى عالم الكتابة، وإن الفشل والإخفاق في إيصال الرسالة التي يسعى الكاتب إلى إيصالها ينبغي ألا يجره إلى الوراء، بل ينبغي له أن يتمسك بالمحاولة مرارًا وتكرارًا، وبعد ذلك لا بد من أن يصل إلى مرحلة من المراحل التي تتوج فيها كل محاولاته بالنجاح والتفوق".

وعن عناصر العمل الأدبي الناجح، يوضح قرنح "أن الكتابة الإبداعية قطعة موسيقية، نسمعها ولا نعرف سبب جمالها. وإن لم تكن مألوفة لدينا، فإن فيها من عناصر الجمال ما يدفع مستمعها إلى الإعجاب بها وإن لم يكن عارفًا أو ناقدًا أو خبيرًا في شأن الموسيقى. وكذلك شأن الكتابة، فإن القارئ يستحسن الكتابة مع أنه قد لا يستطيع معرفة عناصرها أو أسرار جمالياتها".

أفريقيا بلاد المبدعين
وعن رأيه في الكُتَّاب الأفارقة، وأسباب عدم انتشار أعمالهم في الوسط العالمي، يقول "القارة السمراء تحفل بالكثير من المبدعين الذين برزت أعمالهم في الساحة الأدبية في السنوات الأخيرة وما قبلها أيضًا، ولديهم تجارب ثرية يمكن أن تدهش القراء في مختلف بلدان العالم، وإن عدم انتشار تلك الإبداعات خارج أفريقيا لا يقلل من شأنها، بخاصة أن هناك تفضيلات عديدة من القراء والناشرين بدأوا بالالتفات إلى الأدب الأفريقي، الذي يترشح العديد من رواده لجوائز مرموقة في كل عام".

وتحدث عن علاقته بالأرض قائلًا "إن الفكرة السياسية المرتبطة بالأرض والموطن الأول أو مسقط الرأس، موضوع مؤهل وبقوة ليدعم الكاتب، وقد بينت شخصيًا أنني أطبق هذه المقولة في رواياتي التي تتكئ جميعها على فكرة مقاومة الاستعمار، وتحديدًا في قراءة الأثر النفسي الذي تتركه هجرة شاب إلى بريطانيا أواخر الستينيات، بمضمونها الذي وثقته منذ روايتي الأولى «ذاكرة المغادر»، وفق مشروع أدبي متكامل يستند إلى الفكرة ذاتها في أكثر من مكان".

القصص الشفهية
وتوقف عند أهمية السرديات الشفهية والدور الذي تؤديه في كتابته "لا يمكن محو ذاكرة النزوح. إنه العمل عبرها والعمل بالصدمة، وهذا كل ما يمكننا فعله مع الأحداث الصادمة، لا يمكننا محوها، فهذه الأشياء تعيش في الذهن، في المخيلة والذكريات ويتم نقلها عبر القصص. هذه التجارب لا يمكن محوها، بل يجب فهمها وعلى الناس أن يتعلموا كيف يفهمون بكل أنواع الطرق، ليس فقط المستعمرين الحاليين أو السابقين. السرديات الشفهية مصدر مثمر جدًا لفهم الأشياء. القصص هي أيضًا طرق لوصف العالم، وعندما يروي الناس قصصًا عن رحلة كانت مألوفة جدًا للناس عبر المحيط الهندي من ساحل شرق أفريقيا إلى جنوب الجزيرة العربية أو إلى الهند كل عام، ذهابًا وإيابًا، يأتي الناس ويذهبون، وتتراكم هذه القصص وتصبح طريقة لفهم كيفية صنع العالم وبطريقة لن تجدها إذا كنت تقرأ كتب الأشخاص الموجودين في الخارج ككتب للمسافرين الأوروبيين أو خارج هذه المنطقة". ويضيف "قد نجد أن الأشخاص الأميين الذين لا يقرأون الكتب، يقصون علينا القصص التي لا تتوفر إلا في الكتب، أو ربما يلقون القصائد وهم لا يمكنهم القراءة، على الرغم من أن هذه القصائد مكتوبة، وليست قصائد شفهية، مما يعني أنه تم تناقل أو سرد هذه القصص والقصائد شفهيًا من شخص لآخر. هذا نوع من الترابط بين كل من الأدب المكتوب والأدب الشفهي، الذي يتناقله الناس ويمررونه ذهابًا وإيابًا. كل هذه القصص وكل طرق الفهم، والأشياء التي تسمح للناس أن يقولوها بعضهم لبعض، تصبح طريقة لفهم العالم الذي تعيش فيه، بخاصة أنك قد لا تجد كل ذلك في الكتب".

أوروبا الاستعمار
يحمل قرنح أوروبا مسؤولية ظاهرة الهجرة واللجوء، قائلًا "ما يحدث الآن في أوروبا بخصوص التعامل مع قضية اللاجئين هو أيضًا فشل في فهم عواقب الاستعمار، لذلك على الأوروبيين أن يفهموا أن ما حدث هو نتيجة لتدخلهم". ويضيف "لقد غير الاستعمار الأوروبي، على وجه الخصوص، العالم لأنه كان في كل مكان. تغير العالم كله، وأعيد رسم الخرائط، وتشكلت دول جديدة، وفي الواقع ما نعيشه الآن هو ذلك التحول الذي أحدثه الاستعمار وعواقبه. وعندما يقول الناس في البلدان الإمبريالية السابقة إن الاستعمار قد انتهى، فهذا ليس كذلك، إذ إن عواقب الاستعمار لا تزال قائمة وتعمل في شتى الطرق. خذ الشرق الأوسط، على سبيل المثل، والطريقة التي تم بها تقسيم الدول والصراعات التي نتجت عن ذلك. وكثير من الحروب في أفريقيا، تدور حول المواقع والحدود والملكيات، وهي من نتائج تدخلات استعمارية". وأضاف "هناك طرق أعمق يمكننا من خلالها رؤية تأثير الاستعمار، بالطريقة التي نتحدث بها جميعًا اللغة الإنجليزية، نجد آثار الاستعمار في أشكال التعليم، والاقتصاد، والظلم. فالبلاد التي تخطت مرحلة الاستعمار استمرت في نهج مشابه جدًا، مثل القوانين الاستعمارية وهياكل الأمن والشرطة والجيش. لا يزال الاستعمار معنا، وبطريقة ما لم يعد مشكلة الأمم الإمبريالية الرسمية، إنه مشكلتنا الآن".

وعن سؤال حول الهوية والهجرة يجيب "يحتفي بي الشعب البريطاني كما يفعل العرب والأفارقة. لا يوجد خطأ في امتلاك هويات متعددة، ولكن يمكن تحديد أولوياتها. عندما يسألني أحدهم سأقول إنني من زنجبار لكنني لا أنكر حقيقة أنني أعيش في المملكة المتحدة منذ 50 عامًا وعملت هنا وولد أطفالي هنا. لا أريد أن يطلب أحد مني الخروج من هنا لأنني لست إنجليزيًا".

"إندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى