بخلطات صديقة للبيئة.. كيف يتغلب مزارعو اليمن على ارتفاع أسعار الأسمدة؟

> عبدالله علي

>
للتعويض عن غياب الأسمدة، وارتفاع أسعارها في السوق المحلية داخل اليمن، لجأ المزارع حمود حسن (62 سنةً) إلى استخدام الأسمدة الحيوانية، وإعادة تدوير مخلفات الحيوانات من الأبقار والماشية، ووضعها في أماكن محددة لنقلها إلى المزرعة قبل أشهر قليلة من دخول الموسم الزراعي.

يزرع حسن الحبوب المتنوعة من الذرة البيضاء والذرة الشامية والقمح، بالإضافة إلى البقوليات من الفول والفاصوليا في مساحة تقدَّر بقرابة 1200 متر مربع، في مزرعته الواقعة في منطقة جبلة في محافظة إب وسط اليمن.

يقول : "خلال السنوات الماضية تمكنت مع المئات من المزارعين اليمنيين من التغلب على صعوبة توفير الأسمدة، من خلال العودة إلى الطريقة التي كان يستخدمها المزارعون القدامى، والتي تعتمد على إعادة تدوير مخلفات الحيوانات، وتحويلها إلى أسمدة عضوية، للاستفادة منها في رعاية الأراضي الزراعية".


ويشكل اليمنيون الذين يعملون في القطاع الزراعي الشريحة الأوسع في البلاد، فهي المصدر الأول لدخل قرابة ثلاثة أرباع السكان، سواء بصورة مباشرة من خلال الأنشطة الزراعية، أوغير مباشرة من خلال الأنشطة ذات العلاقة بالخدمات والتجارة أو التصنيع، وتساهم بنحو 80 % من الدخل القومي اليمني، وتوفر فرص عمل لقرابة 54 % من القوة العاملة في أنحاء البلاد.

ويشهد القطاع الزراعي تدهورًا كبيرًا، إذ يشكو المزارعون من ارتفاع تكاليف الأسمدة والمبيدات الكيماوية، وذلك بدوره دفع الكثيرين منهم إلى استخدام الأسمدة العضوية، بهدف تحسين عملية الإنتاج الزراعي، وتأمين الغذاء في بلد يشهد حربًا أهلية تسببت بمقتل مئات الآلاف من المواطنين ونزوح الملايين، وخلفت أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66 % من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية.

"السماد البلدي هو الحل"

في ظل الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، أصبح من الصعب على المزارع حسن شراء الأسمدة الكيماوية، فهو على غرار مئات المزارعين يستخدم مخلفات الأبقار والماشية، للاستفادة منها في رعاية المزروعات، والتعويض عن غياب الأسمدة الكيماوية.

يطلق المزارعون اليمنيون على الأسمدة العضوية تسمية "السماد البلدي"، ويتحدث حسن: "في السابق كان الآباء يستخدمون نفايات الحيوانات، لمعالجة وإصلاح الأراضي الزراعية، وكانوا يحققون الاكتفاء الذاتي سنويًا، وقبل اندلاع الحرب كان المزارعون يستخدمون الأسمدة الكيماوية، لأن أسعارها كانت مناسبة، أما في الوقت الحالي فقد وصل سعر 50 كيلوجراماً من الأسمدة المستخدمة في زراعة الحبوب المتنوعة إلى 50 ألف ريال يمني، أي ما يعادل نحو 100 دولار أمريكي بسعر الصرف في صنعاء".

أما فيما يتعلق بتكاليف شراء الأسمدة الحيوانية فهي -بحسب حسن- مناسبة للمزارعين وأقل تكلفة من الكيميائية، إذ يمكن الحصول عليها من ملاك الأبقار والماشية مقابل منحهم أعلافًا للمواشي، وبتكلفة لا تتجاوز 50 دولارًا، لافتًا إلى أن غالبية المزارعين في الأساس يمتلكون الماشية، وبالتالي لا يشترون السماد البلدي، ويحصلون عليه من المواشي الخاصة بهم.

ويشرح طريقة تحضير السماد: "قبل الموسم بثلاثة أشهر ننقل مخلفات الحيوانات إلى الحقول ونضعها في أكوام صغيرة، ومن ثم نغطيها بالتربة، وعند بدء الموسم نحرث الأرض ونزرعها بالمحاصيل المتنوعة، ونكمل بعد ذلك العملية الزراعية التي تمر بمراحل متعددة تتطلب الاعتناء والعمل، وتستمر حتى مرحلة حصاد الثمار".
وبهذا الصدد يعلق أستاذ العلوم الزراعية بجامعة لحج الدكتور أحمد محمد محرن قائلاً: "السماد هو دواء التربة التي تفتقر للمواد العضوية والمغذية، ويستخدم في الحدائق والحقول، لتغذية الأشجار والخضراوات، فهو يغنيها بمواد مثل النيتروجين والفوسفور وعناصر أخرى تمتصها النباتات، وعدم استخدامه يمكن أن يجعلها أقل إنتاجية".

ويضيف: "يحتاج النبات في غذائه وبناء أعضائه المختلفة إلى العديد من العناصر الغذائية، ومن أهمها الكربون والهيدروجين والأوكسجين والنتروجين والفسفور والبوتاسيوم والكبريت والكالسيوم والمغنيزيوم والحديد، ويحصل النبات على العناصر الثلاثة الأولى بسهولة، فيحصل على الكربون في صورة ثاني أوكسيد الكربون، وعلى الهيدروجين من ماء التربة، أما الأوكسجين فيحصل عليه من الهواء، بينما العناصر الأخرى يأخذها من التربة".

صديقة للبيئة

بعد تجربته الناجحة في استخدام السماد العضوي، وجد المزارع محمد مهدي (50 عامًا) تأثيرات جيدة على المحاصيل الزراعية وخصوبة التربة بشكل لافت، ويقول: "اليوم أحثّ كافة المزارعين على استخدام الأسمدة العضوية في مزارعهم بدلًا عن السماد الكيماوي".

من جانبه يقول أستاذ العلوم الزراعية الدكتور محرن: "الأسمدة العضوية نظيفة وغير ملوثة للبيئة، ولا تسبب أي أضرار للإنسان أو الحيوان، بالإضافة إلى أنها تعمل على تجهيز النبات بعناصر غذائية طبيعية وبعض الأنزيمات والأحماض الأمينية والعضوية والسكريات المتعددة، وغيرها من المركبات التي تساهم في زيادة الإنتاج".
يوافقه في الرأي أستاذ البيئة بجامعة الحديدة الدكتور عبد القادر الخراز ويقول: "هنالك إيجابيات كثيرة في استخدام السماد العضوي على المحاصيل الزراعية والتربة، وكذلك للكائنات الصغيرة التي تعيش في التربة حول النباتات، وكلها تعد إيجابيات بيئية".

ويلفت إلى أهمية استخدام الأسمدة الحيوانية بشكل مناسب وليس بكميات كبيرة، مع ضرورة وجود مختصين في المجال الزراعي لتحديد هذه الكميات، وذلك لتفادي سلبيات الأسمدة العضوية التي يمكن أن تؤخر سرعة نمو الثمار أو المحاصيل الزراعية .

ويتابع: "الأسمدة الحيوانية تعطي محاصيل جيدة، وتعتبر غذاء صحيًا، بالإضافة إلى تأثيرها الإيجابي على التربة، وعدم التأثير على المياه الجوفية حتى عندما تتسرب إليها عبر التربة، في حين أن الأسمدة الكيماوية تحتوي على كثير من العناصر الكيميائية، وكثيرًا ما تأتي منتهية الصلاحية، وهي أسمدة مصنعة تؤثر على التربة وعلى النبات، كما تتغلغل إلى المياه الجوفية وتغير خصائصها وتعمل على تلويثها وذلك يعد خطرًا على البيئة ومسببًا للأمراض والأوبئة، إلى جانب خطرها على من يقومون باستخدامها ورشها ضمن الأرض الزراعية".

غياب المختصين الزراعيين

يستخدم المزارع الأربعيني منصور غالب الأسمدة العضوية ومخلفات الحيوانات، للاستفادة منها في معالجة وإصلاح الأراضي الزراعية التي يملكها، فهو يزرع الحبوب في مزرعته الواقعة بوادي السياني جنوب محافظة إب وسط اليمن.

يشكو غالب من  غياب المختصين الزراعيين، فهو -حسب قوله- يعجز عن تحديد الكمية المطلوبة في الحقل الزراعي، ومعرفة طرق التخزين الجيدة وتوقيت استخدام الأسمدة، وذلك بدوره ينعكس على جودة السماد وتراجع المحاصيل الزراعية.


من جانبه يقول الدكتور محرن: "للأسف يحضّر معظم المزارعين السماد العضوي بإضافة كميات كبيرة من التراب تحت الماشية، لامتصاص مخلفاتها وضمان أن يكون الإسطبل نظيفًا، ما يتسبب في نقص كبير في جودة السماد، إلى جانب تخزينه في الشمس، إذ تؤدي أشعتها إلى فقد وتطاير نسبة كبيرة من المغذيات وخصوصًا النتروجين".

وحذّر المختص من تعرض السماد العضوي لتأثيرات الرياح وأشعة الشمس الحارقة لفترات طويلة، وذلك للمحافظة على مواصفاته الجيدة، ويشير إلى أنه يجب على المزارع تقليل نسبة التراب المضافة تحت الماشية وزيادة نسبة القش أو البقايا النباتية، لتحسين جودة السماد ومنع فقد عناصره المغذية.

"للحصول على سماد عضوي ذي مواصفات جيدة، يجب الالتزام بعدة عوامل تضمن نشاط الكائنات الحية الدقيقة داخله بمعدلات جيدة، حتى تستطيع تحويل المخلفات إلى سماد بجودة عالية وفي أسرع وقت ممكن"، يقول:

"لكن -مع الأسف- غالبًا لا تتوفر هذه الإمكانيات لإنتاج سماد بمواصفات جيدة عند الفلاح البسيط في اليمن"، ينهي محرن حديثه مشددًا على ضرورة تقديم الدعم للمزارعين، وتدريبهم على إنتاج السماد العضوي واستخدامه بديلًا عن الكيماوي.

"رصيف 22 "

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى