في اليوم العالمي لمنع الانتحار.. توصيات من الخبراء لوقف خسارة الأرواح

> واشنطن "الأيام" الحرة:

> تحتفل منظمة الصحة العالمية في العاشر من سبتمبر باليوم العالمي لمنع الانتحار بهدف التوعية بمخاطره إذ تشير التقديرات إلى حدوث أكثر من 700 ألف حالة انتحار سنويا.

وفي عام 2019 صنف الانتحار رابع سبب للوفاة بين الذين تتراوح أعمارهم 15 إ لى 29 عاما على مستوى العالم، ولكنه قد يحدث أيضا في أي مرحلة أخرى من مراحل العمل.

وتكشف الأرقام أن وفاة واحدة من 100 سببها الانتحار حول العالم وهو ما يزيد معدلاته بين الذكور أكثر من الإناث،  إذ يفقد شخص حياته كل 40 ثانية بسببه ما يسبب مآسٍ للأسر حول العالم.

وتجدد المنظمة في كل عام الدعوة لمواجهة الانتحار من خلال " إحياء الأمل عن طريق العمل" لحث الأشخاص وتذكيرهم بأن "هناك بديلا للانتحار"، والتأكيد لهم أن الجميع "يهتم بتقديم الدعم لهم.
الأشخاص الأكثر عرضة للانتحار

وتؤيد منظمة الصحة العالمية أن الكثير من حالات الانتحار تحدث بشكل مفاجئ نتيجة "لحظات أزمة عندما تنهار قدرة المرء على التعامل مع ضغوط الحياة" أكانت مشاكل مالية أو اجتماعية أو صحية، مشيرة إلى عدم ثبوت وجود صلة مباشرة بين الانتحار والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب أو تعاطي الكحول.

وتقول إن هناك صلة بين الانتحار والمناطق التي تكثر فيها النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة، حيث ترتفع المعدلات بين الفئات الأكثر ضعفا التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين والأقليات من الشعوب الأصيلة، أو حتى مثليي الجنس أو مغايري الهوية الجنسانية، والسجناء.

وتتنوع طرق الانتحار بين استخدام المبيدات خاصة في المناطق الزراعية والدول منخفضة الدخل، أو الشنق أو إطلاق أعيرة نارية.
الوقاية من الانتحار

وتحدد المنظمة مجموعة من التدابير لحماية الأفراد المعرضين للانتحار والحد من تفكيرهم بإنهاء حياتهم من خلال:

•    تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار مثل "المبيدات، الأسلحة، أو حتى بعض الأدوية).
•    التواصل مع وسائل الإعلام لعرض معلومات موجهة للذين يفكرون بالانتحار لثنيهم عن الإقدام عليه.
•    توجيه الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ليكون لها دورا أقل في تعزيز مظاهر الانتحار، من خلال نشر أكبر لقصص نجاح في التعافي من تحديات الصحة النفسية والأفكار الانتحارية.
•    تعزيز مهارات الحياة الاجتماعية والعاطفية خاصة في مرحلة المراهقة.
•    محاولة رصد والتعرف على الأفراد الذي لديهم سلوكيات انتحارية للتدخل بشكل مبكرا.
•    توجيه الجهات الرسمية لوضع محاربة الانتحار ضمن استراتيجيات الصحة الشاملة في الدول المختلفة.

الطبيبة نغم العنزي المتخصصة بالمعالجة النفسية تقول إنه من الصعوبة تحديد علاج شامل للاضطرابات المؤدية إلى الانتحار، ولكن هناك إجراءات يمكن اتخاذها ضمن عدة مستويات أكانت الرسمية أو العائلة للحد من الانتحار.

وأضافت في حديث لموقع "الحرة" أن الانتحار قد يكون سلوكا رافق الإنسان منذ أقدم العصور، لكن التغييرات الحاصلة في الحياة الحالية تجعله ظاهرة في بعض المجتمعات.
وتوصي العنزي بمجموعة من التوصيات تتضمن:
•    وضع برامج حكومية تستهدف تقليل مسببات الانتحار خاصة لدى فئة الشباب، بتوفير فرص عمل لهم.
•    فتح مراكز للعلاج النفسي للتعرف والتعامل مع الأشخاص الذين لديهم ميول انتحارية.
•    وضع برامج اجتماعية للتعامل مع مشاكل المراهقين وتوعيتهم بالاضطرابات التي قد يتعرضون لها.
•    توجيه الأسر وتوعيتهم بالتعرف على أي إشارات تنذر بميول انتحارية، وتشجيعهم على تجسير الفجوة بين الأهالي والأبناء خاصة من هم في سن المراهقة.
•    إطلاق حملات مجتمعية تحفز الجميع على استشارة معالجين نفسيين من دون شعور بالخوف أو الخجل.

المتخصصة بعلم الاجتماع، لاهاي عبد الحسين تحدثت أن تزايد أعداد المنتحرين في دول عربية "يشير بوضوح إلى دور العوامل الاجتماعية"، لافتة إلى أن "أن معظم المنتحرين من الشباب وهناك أعداد متزايدة من كبار السن ممن يدخلون في هذه الدورة الشريرة".

ودعت في ردها على استفسارات موقع "الحرة" إلى أهمية "الالتفات إلى الظروف القاسية التي يعاني منها هؤلاء والتي تتمثل بعدد من العوامل يقف في مقدمتها العامل الاقتصادي، خاصة بعدم توفر فرص عمل تمكن الشباب من شق طريقهم في الحياة مضافا اليه الضغوط الاجتماعية التي يقعون تحت وطأتها تشجع على الانتحار. وبالنسبة لكبار السن فان الوحدة والهجر من قبل الأهل والاحبة يمكن ان تعد من العوامل الرئيسية على هذا الصعيد.
وحذرت الحسين من أن تجاهل مشكلة الانتحار يعني "تعاظمها وخسارة المجتمع لأرواح جديدة إذا ما بقي متجاهلا لمعاناة ومطالب ومتطلبات الناس من شباب وغيرهم" خاصة في ظل تنامي دور شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز الشعور بوجود فوارق وظلم بين الطبقات.

وشددت على أهمية التفات المجتمعات "إلى مشاكل الشباب واحتياجاتهم ورعايتهم واحتوائهم ومساعدتهم على تجاوز محنهم. والعمل على إعادة إدماجهم في حواضنهم الاجتماعية إبتداء من العائلة فالمدرسة أو الكلية وميدان العمل".
الانتحار في الدول العربية

وتشير بيانات منظمة الصحة التي نشرتها في 2019 إلى أن معدلات الانتحار في تراجع منذ 2012، إذ بلغت 4.2 من بين كل 100 ألف شخص متراجعة من 4.6 من بين كل 100 ألف شخص في 2012.

ويعتبر هذا المعدل أقل من المعدل العالمي الذي يبلغ 9.2 من بين كل 100 ألف شخص.

أما من حيث الترتيب بين الدول جاءت مصر الأولى عربيا في عدد حالات الانتحار حيث سجلت 3799 حالة في 2016، متفوقة بذلك على الدول العربية التي يوجد فيها نزاعات وحروب.

وجاء السودان في المرتبة الثانية بـ3205 حالة انتحار، تلاها اليمن 2335 حالة انتحار، والجزائر بـ 1299 منتحرا، والعراق بعد 1128 منتحرا، والسعودية بـ1035 حالة.

وتقول الطبيبة المتخصصة بعلم النفس، سارة نزار إنه لا يمكن اعتبار الانتحار "ظاهرة مجتمعية" في الدول العربية، حيث ما زالت الحالات المسجلة أقل بكثير من المعدل العالمي.

وأكدت في رد على استفسارات موقع "الحرة" على أهمية تنبه الأسر في حال ظهور ميول انتحارية لدى أي من أفرادها، وحثه على مراجعة متخصصين نفسيين حتى يتسنى لهم مساعدته في تجاوز هذه الأفكار التي قد تودي بحياة الإنسان.

وهناك " أسباب متعددة للانتحار تتشارك فيها أغلب المجتمعات المستقرة، كالمشاكل الاقتصادية والعائلية والعاطفية والاجتماعية؛ إلا أن (مجتمعات ما بعد الصراع) تظهر فيها أسباب إضافية أكثر وضوحا، حيث يقترن السلوك الانتحاري كثيرا بالنزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة، أو الفقدان والشعور بالعزلة" بحسب ما أكد أستاذ علم الاجتماع، طلال مصطفى.

وأضاف مصطفى في حديث لموقع "الحرة" أن "معدلات الانتحار تتزايد بين الفئات المستضعفة التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين" مشيرا إلى أنه "على عكس الاعتقاد السائد فإن المشاكل النفسية في مجتمعات ما بعد الصراع تتفاقم بعد أن تتوقف تلك الصراعات وتهدأ الأمور، وتتزايد بعدها حالات الانتحار والاكتئاب والمشاكل النفسية".
وحدد ستة أسباب قد يكون لها علاقة مباشرة في تحفيز الانتحار:

1-    وجود العديد من الاحتياجات التي لا تتم تلبيتها، عدا مشاعر اليأس وفقدان الأمل من تحسن الأوضاع، كما تلعب تداعيات المشاكل النفسية دورا كبيرا في تعزيز الرغبة بالانتحار خاصة في بعض الحالات المرضية كإصابات الحرب، أو بعض الأمراض النفسية.

2-  ارتفاع معدلات الموت والفقدان في الحروب والصراعات يؤدي إلى أن يصبح الموت الجماعي حالة متكررة، وتصبح مناظر الدم والألم والأشلاء مناظر اعتيادية، تنكسر معها رهبة الموت أو القتل ليصبح مقبولا، سواء للفرد أو لغيره.

3- الفقر وسوء إدارة الموارد من أسباب اندلاع الصراعات التي تستنزف موارد البلاد الاقتصادية والبشرية، وقد تتسبب نتائجها بظهور حكومات لا تملك الكفاءة، تدير البلاد غالبا بشكل سيئ وتزيد من معاناة الناس بدلا من تخفيفها، ومع ارتفاع معدلات الفقر وانهيار الاقتصاد يسود جو من اليأس والإحباط؛ لاسيما في حالة انسداد الأفق وانعدام الفرص في استثمار الطاقات وغياب أي مؤشرات للتحسن.

4- الحروب تتسبب غالبا بخلل في بنية المجتمع، وتحوله إلى جماعات هجينة حائرة متصارعة فيما بينها تحركها المصالح ويغذيها سوء الإدارة والرغبة في التفوق.

5-  تتزايد معدلات الاتجار بالمخدرات في مجتمعات ما بعد الصراع مستغلة حالة الانفلات الأمني حيث يزداد الطلب عليها نتيجة الحالة النفسية المتردية لبعض فئات المجتمع التي ترغب بالهرب والانسحاب من مشاكلها بدلا من مواجهتها، وهو ما قد يرفع معدلات الانتحار؛ فهي تقوم بعملية إزالة التثبيط، فيتحرر المتعاطي مؤقتاً من مخاوفه ويقدم على أمور قد لا يتجرأ عليها في حالات وعيه.

6- الحروب ترافقها ظروف غير طبيعية ومعدلات مرتفعة من العنف تتسبب بكثير من المشاكل النفسية، ومن أبرزها اضطرابات ما بعد الصدمة، وقد تتسبب مجتمعات الحروب بإنضاج المراهقين في وقت مبكر والدفع بهم لاستلام أدوار الكبار؛ ولكن بتكلفة هائلة غالباً ما تكون غير مرئية من الإجهاد والإرهاق والاكتئاب والإنهاك.

ويشرح أن "مؤسس علم الاجتماع المعاصر، إميل دوركايم يؤكد أن أن أعلى نسبة انتحار تعود لأشخاص غير متدينين وعاطلين عن العمل وغير متزوجين" وهذه مؤشرات واقعية في المجتمعات العربية على حد تعبيره.
وزاد مصطفى "على الصعيد العربي يمكن اعتبار العامل الاقتصادي هو الأبرز، خاصة أن الكثير من المواطنين العرب  في الداخل باتوا يفقدون الأمل بإمكانية العيش كمواطنين ضمن الحدود الدنيا، مع عجزهم عن تأمين المتطلبات المعيشية اليومية".

ويحذر من تنامي "المظاهر النفسية التي يمكن اعتبارها محفزة للانتحار من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب والفصام والشخصية الحدية وما إلى ذلك نتيجة الظروف المحيطة من حروب ونزوح، وما ينجم عنها من أزمات، وهي موجودة بكثرة في معظم المجتمعات العربية ، التي  أصبحت نفقا مظلما لا نهاية له، ليكون إنهاء الحياة هو الحل، خاصة عند الشباب ذوي الطاقات العالية الذين يشعرون بالعجز والخوف من المستقبل".

وعلى الصعيد العالمي، يعد الانتحار من المشكلات التي تحظى بالأولوية في برنامج عمل منظمة الصحة العالمية الخاص بسد الفجوات في مجال الصحة النفسية.

والتزمت الدول الأعضاء في المنظمة بموجب خطة عمل منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية 2013-2030 بالعمل من أجل تحقيق الهدف العالمي المتعلق بخفض معدل الانتحار في البلدان بمقدار الثلث بحلول عام 2030.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى