فيلم يحكي رحلة عبدالله مع ترميم مباني وجدران صنعاء ويفوز بجائزة "حكاية أثر"

> محمد الخطيب

> متسلحًا بالكفاح اليمني، سجل فيلم "سطل" إنجازًا بفوزه في مسابقة الأفلام القصيرة "حكاية أثر" التي نظمتها هيئة التراث السعودية بالتعاون مع المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي.


ووثق الفيلم الذي يمتد لما يقارب أربع دقائق، ومن إخراج اليمني عادل الحيمي، رحلة متألقة امتدت لأكثر من 60 عامًا، لمسن يدعى عبدالله قضى معظم حياته في ترميم وتزيين آثار مباني وجدران مدينة صنعاء القديمة، يحكي قصته مع المدينة الأثرية، وكيف بدأ مهنته بالبناء والترميم.

ومسابقة "حكاية أثر" تتيح للشباب العربي المبدع الفرصة لسرد قصص مختلفة تتمحور حول مواقع التراث العالمي في المنطقة العربية، وذلك من خلال إنتاج أفلام قصيرة تسلط الضوء على التراث ودوره في التأثير في حياتهم على المستوى المادي وغير المادي، ما من شأنه تشجيع الشباب على تطوير فهم أعمق لأهمية التراث العالمي. وبناء على التقييمات وجودة الأفلام يحصل المشاركون الفائزون في المسابقة على جوائز تشجيعية.

ويفيد المخرج عادل الحيمي بأن "فكرة الفيلم تدور حول عرض كفاح الإنسان اليمني في عمله وحياته بشكل عام، وإظهار مدى الترابط الوثيق بينه وبين مدنه، والتي مثلت في الفيلم بمدينة صنعاء القديمة".

الحاج عبدالله


ويستعرض الفيلم بطل القصة وهو المسن الحاج عبدالله (78 سنة)، مستخدمًا أدوات تقليدية وبسيطة وهي الجبس والسطل والممحاة والسلم في عملية ترميم مباني صنعاء القديمة، في محاولة منه كما يقول "كي تظل المدينة التاريخية القديمة شابة إلى الأبد".

ولا يزال الرجل يعمل من دون كلل أو ملل، برغبة منه "أحاول أن أجعل هذه المدينة القديمة تواجه السنين، كلما صارت عجوزًا، أنهض وأمسحها وأرجعها صغيرة... أرجعها أحسن من أول".

ويشير المخرج اليمني إلى أن "الفيلم بمثابة علاقة ود وغرام وثيقة بين طرفين فقط، وهما الشخصيتان الوحيدتان في الفيلم، المسن عبدالله الذي ظل يرمم جنبات مبانيها العتيقة، وصنعاء القديمة، منوهًا بأن فريق العمل تعمد عدم تصوير أي شخصية أخرى، وكأن صنعاء القديمة، العذراء التي لم يمسسها سوى الحاج عبدالله، والذي بدوره يعتني بها ويرممها ويزينها، ويحرص على الجلوس بقربها، كونها أقرب إلى قلبه، وهي في المقابل، أي صنعاء القديمة، تبادله الشغف والحب والاهتمام ذاته، فهي تأويه وتتزين له ويستريح بين أزقتها ويتنفس الهواء الطلق".

حب لمدينته

يقول المخرج عادل الحيمي في حديثه إلى "إندبندنت عربية" إن "العلاقة عميقة تمتد لأكثر من ستة عقود تم سردها بمقدم العمل، التي تبين المعاناة والكفاح لكلتا الشخصيتين، ثم بعد ذلك ينخرط العمل بين التأمل والتخطيط مع حوار خاص بين الطرفين ثم الانتقال إلى الجد والمثابرة والتفاني في العمل، وختمنا بعد ذلك بالإنجاز والنجاح والفرحة والفخر في النهاية".


ويضيف "الفيلم يلامس إحساس المشاهد، إذ عمل على إبراز كل الحواس الخمس في مشاهد مقصودة وموزعة على مراحل الفيلم، ومن خلاله سيجد المشاهد علاقة ود وانسجام بين الطرفين، وهي الحاسة السادسة المتبادلة بين صنعاء القديمة والحاج عبدالله".

وتشكل مدينة صنعاء القديمة متحفاً مفتوحاً لفن العمارة اليمنية المرتبطة جذورها في أعماق التاريخ والمتصلة بحضارات اليمن القديمة، وتضم المدينة المسورة نحو 11 ألف مبنى تاريخيًا، وتصل أبراج مبانيها الياجورية المصنوعة من الجص الأبيض والطوب المحروق المغطى بمادة القضاض إلى تسعة طوابق، وضمتها اليونيسكو عام 1986 على قائمة التراث العالمي، وتقول إنها "مأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 عام".

وتابع مخرج الفيلم عادل الحيمي "الفيلم حظي بقبول كبير، وكنا نتوقع فوزه مسبقًا، فإلى جانب مسيرة الحاج عبدالله اللافتة، فهو يهتم بالتراث اليمني، وكون مدينة صنعاء القديمة مهددة بالخروج من مواقع التراث العالمي".

صراع مع الوقت

وفي هذا السياق، تحدث فريق فيلم "سطل" عن تحديات العمل، لافتين إلى أن الفترة التي قضوها بين تصوير وإنتاج الفيلم والمشاركة به في مسابقة "حكاية أثر" كانت قصيرة جدًا، ومن ضمن الصعوبات التي واجهوها هي إيجاد المسن عبدالله، "كنا نعتقد أننا سنعثر عليه في مكانه المحدد بسوق العمل. للأسف لم نجده، دكانه مغلق، ولا يحمل هاتفًا كي نتواصل معه، وأخبرنا بعض ممن صادفنهم أنه لا يزال يقضي إجازة العيد في القرية".

وأضافوا "حينها حاولنا الوصول إليه من طريق أحد أقاربه، لقد قضينا نحو 10 أيام، ونحن نبحث عنه، عشنا صراعًا مع الوقت، إذ تبقى أسبوع واحد لتقديم المشاركات في المسابقة، وبعد عناء استطعنا الوصول إليه أخيرًا، وصورنا الفيلم وإنتاجه في غضون خمسة أيام، عانينا في جعله يمثل لذلك تركناه يشتغل بطبيعته ومن دون أي ضغوط، وأخذنا اللقطات المطلوبة، وبسبب ضيق الوقت اضطررنا إلى استخدام تعليق صوتي عبر تقنية الذكاء الاصطناعي".

ولم يتسن لفريق عمل "فيلم سطل" حضور التكريم في السعودية، وأرجع ذلك إلى سوء التنسيق الذي حدث.

وتوالت ردود الأفعال المشجعة بعد فوز الفيلم، بين استمتاع بالقصة وإعجاب بالبطل، فكتب الإعلامي اليمني محمد السماوي عبر صفحته على منصة "فيسبوك"، "فاز الفيلم بجائزة، ولم يفز هذا الحاج الذي خدم صنعاء أكثر من ستة عقود بأي شيء. من هنا أطلق مبادرة أو حملة لتكريم هذا الرجل الذي يستحق التكريم وهو في آخر عمره، أنا أقدم هدية مالية، هيا لنرسم مليون ابتسامة لهذا الطيب، صدقوني يستحق التكريم".

"إندبندنت عربية".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى