​ملف النزوح في الجنوب يتحول إلى قضية سياسية واستيطان ممنهج

> «الأيام» غرفة الأخبار:

>
أعادت التطورات الجارية في عملية البحث عن تسوية سلمية للملف اليمني تسليط الأضواء على قضية النازحين، لا كملف إنساني جرى تداوله بكثافة من مختلف زواياه، ولكن كقضية سياسية ذات صلة بوضع البلاد في مرحلة ما بعد التسوية.

وفي سياق حالة الإصرار التي برزت بقوة على استعادة الدولة الجنوبية المستقلة التي كانت قائمة قبل الوحدة المنجزة في تسعينات القرن الماضي، أثار سياسيون وقادة رأي مناصرون لفكرة الاستقلال عن الشمال قضيّة ما يعتبرونه نزوحًا منظّمًا ومسيّسًا لأعداد من سكان الشمال صوب المناطق والمدن الجنوبية بدوافع تتمثّل في اختراق تلك المناطق و"إغراقها بشريًا" استباقًا لعملية التسوية التي لاحت بوادر عن تقدّمها.

وحذّر السياسي الجنوبي البارز حسين لقور بن عيدان من خطر نزوح الآلاف من أبناء المناطق الشمالية إلى المحافظات الجنوبية، لافتًا إلى أن ذلك يندرج ضمن عمل منظّم يهدف إلى إغراق الجنوب بالفوضى والإرهاب.

وحفّز انتقال المملكة العربية السعودية إلى التواصل المباشر مع الحوثيين المسيطرين على مناطق شاسعة من شمال اليمن من ضمنها العاصمة صنعاء، قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي على المطالبة بعدم تهميش المجلس من المفاوضات كونها تعني الجنوبيين بشكل مباشر وتطال مصيرهم.

وأعاد هؤلاء تأكيد إصرارهم على استعادة الدولة التي كانت تعرف قبل الوحدة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ضمن التسوية النهائية للملف اليمني.
ويحذّر البعض من الاستهانة بالمسألة السكانية كونها يمكن أن تستخدم كورقة لعرقلة العودة إلى واقع الدولتين في اليمن، وتساءل ابن عيدان "هل أصبح النزوح اليمني إلى الجنوب تهديدًا حقيقيًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا؟".

وأجاب في تعليق نشره على منصة إكس بالقول: "مشاهدة الانتشار اللامنطقي لنازحين دون مخيمات، يجدون من ينتظرهم بالسكن و المال لا يمكن أن يكون إلا عملًا منظمًا، والمثير للانتباه أن هذا النزوح الجديد خصوصًا من الشباب، ليس نتيجة تطورات عسكرية متفجرة، وغير مرتبطة بأي مسألة أمنية أو إنسانية، إنما يعكس عملًا منظمًا يندرج في سياق مخططات إجرامية هدفها إغراق الجنوب في الفوضى والإرهاب، لكن ما يثير الريبة أكثر هو التعامي الرسمي الجنوبي عن هذه الظاهرة، وبالمقابل الدعم اللامحدود من حكومة معين اليمنية لهذا الإغراق البشري للجنوب".

ويستعيد كلام ابن عيدان اتّهامات سابقة كثيرًا ما وجهتها العديد من الأطراف السياسية اليمنية لجماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب التجمّع اليمني للإصلاح الشريك في السلطة المعترف بها دوليًا، بضلوعه في جلب متشدّدين من شمال اليمن وتسهيل دخولهم وانتشارهم في عدد من مناطق جنوب البلاد والاستعانة بهم في مواجهة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.

ويذهب البعض حدّ القول إنّ تحرّكات تنظيم القاعدة في محافظات جنوبية تأتي ضمن أجندة الإخوان لإرباك الأوضاع في تلك المحافظات ومنع استقرارها.

وتقول بعض الجهات إنّها تمتلك معطيات واقعية على عملية الإغراق تلك، ودعا المحلل السياسي سعيد أحمد بن إسحاق إلى إمعان النظر جيدًا في كيفية الخروج من مأزق وحدة الاندماج ودراسة أبعاد هذا المأزق في ظل المتغيرات والتحولات المتسارعة "حتى لا يذوب الجنوبيون أمام الأفواج المستوطنة التي أخذت خاصية الاستقرار وجعلت المساجد تزدحم في أماكن ضيقة تواجه بعضها بعضا، كل له مذهبه ومشايخه في ظاهرة ما كانت موجودة إلى وقت قريب".

واعتبر أنّ سبب النزوح مضى وحلّ محله واقع الأسر المستوطنة وتطور الوضع إلى الزواج المختلط ما بين المقيم والمستوطن بما يؤدي إلى "سرعة الامتصاص والإذابة بين جيلين مختلفين"، منبّهًا في تصريحات لصحيفة "عدن تايم" المحلية إلى أن "الصورة اختلفت اختلافًا راديكاليا عن التوقعات المبدئية، أو ما نستطيع أن نصفه اليوم بالتوقعات الساذجة، ولمسنا من هذه التركيبات أن لها مشكلات كثيرة سياسية وأخرى اقتصادية".

وتساءل ابن إسحاق "الآن في ظل المرحلة المفصلية التي يمر بها الجنوب إلى أي حد يجوز الاندماج؟ هل بالبطاقة الشخصية للهوية الجنوبية الصادرة من صنعاء أم بالزواج المختلط أم بالتملك؟"، معتبرًا أنّ "الوضع يتطلب عملية حصر للسكان لمواجهة التحديات والمتغيرات".

وشهد اليمن منذ اندلاع الصراع قبل تسع سنوات موجات نزوح متتالية من المناطق الأكثر تعرّضا للمواجهات العسكرية حتى بلغ عدد النازحين حوالي أربعة ملايين ونصف مليون نازح وفقا لأحدث التقديرات الأممية.

وتحتل مدن ومحافظات يمنية الصدارة في أعداد النازحين جراء المواجهات العسكرية العنيفة والتي أدت إلى وجود عدد كبير من مخيمات النزوح في محافظات مثل مأرب شرقي البلاد وتعز بالجنوب الغربي، بالإضافة إلى مدينة الحديدة غربا، فضلا عن المحافظات الجنوبية التي تعدّ أكثر استقرارا قياسا بمناطق يمنية أخرى.

وتحذّر دوائر سياسية وأمنية من أنّ التوتّرات التي أثارها الإخوان المسلمون في جنوب اليمن خلال السنوات الأخيرة والشكوك في وقوف قيادات شمالية بالجماعة خلف عمليات دموية تضرّر منها الكثير من السكان ساهمت في نشر حالة من معاداة الشماليين بين بعض الأوساط الشعبية الجنوبية.

ويخشى البعض من أن تتحوّل حالة العداء تلك إلى استهداف ممنهج لأي حضور شمالي في جنوب اليمن دون تفريق بين مذنب وبريء.

ويستند أصحاب تلك التحذيرات إلى أحداث صيف سنة 2019 عندما تعرّض مدنيون شماليون مقيمون في عدن إلى الملاحقة في الأسواق والأماكن العامّة، وتمّ ترحيل أعداد منهم بشكل عشوائي وذلك إثر تفجير إرهابي استهدف مركزًا أمنيًا في المدينة بالتزامن مع هجوم دموي حوثي على معسكر يضمّ قوات جنوبية غربي المحافظة أوقع قتلى وجرحى بالعشرات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى