الآثار النفسية تسابق رصاص الحرب إلى صدور اليمنيين

> توفيق الشنواح:

> ليس الرصاص وحده الذي يتسابق إلى صدورهم، فثمة داء نفسي يتسلل ويتغلغل مثل النار الصامتة في صدور اليمنيين جراء نحو 10 أعوام من الاقتتال والأزمات.

ويفهم من هذا الوضع تفشي حالات الاكتئاب والهذيان والاضطرابات النفسية بين كثير من السكان المدنيين، مما ضاعف من هول المأساة الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم.

وعلاوة على أكثر من 350 ألف يمني قضوا بسبب الحرب أو نتائجها، بحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أسفرت الحرب أيضًا عن ارتفاع عدد المصابين بالاضطرابات النفسية والعقلية إلى أكثر من 5.5 مليون شخص، وفق منظمة الصحة العالمية.
  • الصامت المنسي
وبمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يصادف في الـ 10 من أكتوبر من كل عام، أعلنت الأمم المتحدة أن ربع اليمنيين بحاجة إلى الدعم والرعاية في المجال النفسي جراء صدمات الصراع وتداعياته المستمرة منذ تسعة أعوام.

ويعاني معظم السكان ضغوطًا مستمرة وصدمات نفسية مريعة جراء أهوال الحرب والاقتتال وفقدان ذويهم وأقربائهم أو ما ترتب على ذلك من أزمات إنسانية واقتصادية فادحة تتعلق بانعدام الأمن الغذائي وتفشي الأمراض وفقدان الأمل والأمن والخدمات الأساسية، وكذلك تفاقم الفقر والبطالة وانعدام الفرص، فضلًا عما يعانونه جراء حملات الاعتقال التعسفي والتعذيب النفسي والجسدي في مكابدات غير مسبوقة يمر بها نحو 30 مليون شخص.
  • مع الصدمة بمفردهم
وبطبيعة الحروب يتعرض المدنيون خلالها لأنواع الانتهاكات كافة منها القتل والإصابات الدائمة والجروح، إضافة إلى موجات النزوح القسري والتشرد نحو المجهول، مما يعني مضاعفة الضرر النفسي يوماً بعد آخر في ظل تجاهل عام لمعالجة هذه الأضرار وتأثيراتها السلبية الفادحة في المجتمع، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة والانتحار على نحو غير مسبوق في اليمن.

وعلى رغم هذه الآثار السلبية الطويلة وانعكاساتها على الصحة البدنية والتماسك الأسري والإنتاجية والتعليم، إلا أن قضايا الصحة النفسية في البلاد لا تزال تقابل بإهمال شديد سواء من قبل السلطات المحلية أو المنظمات الأممية والدولية المختصة مقارنة ببعض الدعم الإنساني المتعلق بالإغاثة في مجالات الغذاء والأدوية والنزوح، إذ سبق وأفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن "واحدًا من بين كل أربعة أشخاص في اليمن يعاني اضطرابات في الصحة النفسية وبحاجة إلى خدمات دعم ورعاية".

وتواجه هذه المعدلات "محدودية أو عدم إمكان الوصول إلى الخدمات المتخصصة، وقبول اجتماعي محدود للظروف ويُترك الناس للتعامل مع الصدمات التي تعرضوا لها بمفردهم وهذا يشمل النساء والأطفال والفئات الضعيفة الأخرى".
  • محدود جدا
وتكاد الخدمات العلاجية الخاصة بالصحة النفسية تنعدم في اليمن لأسباب عدة من بينها الوصمة الاجتماعية التي تحقر من العمل في هذا المجال أو اللجوء إلى أصحابه.

يشير ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن أرتورو بيسيجان إلى أن النظام الصحي في البلاد قبل الصراع وبعده يكافح من أجل دمج خدمات الصحة العقلية في هيكل الصحة العامة، إضافة إلى أنه غير قادر على تقديم الدعم الكافي أو الحصول على بيانات شاملة بسبب الوصمة الثقافية.

وأوضح بيسيجان أنه تم إجراء دراسة حول حالات الصحة العقلية بين سكان اليمن في 2019، فوجدت أن اضطراب ما بعد الصدمة هو حالة الصحة العقلية ذات أعلى معدل انتشار بنسبة 45 % بين سكان اليمن، وتلا ذلك الاكتئاب بـ 27 % والقلق 25 % والفصام 18 % والرهاب أربعة %.

يذكر أن الصراع في اليمن تسبب في إغلاق غالبية مستشفيات الأمراض النفسية التابعة للدولة أو توقفها عن العمل، وفي فبراير 2022 أفادت المنظمة بأن الحصول على خدمات الصحة النفسية في البلاد "محدود جدا".
  • عوائق اجتماعية
ووفقًا للباحثة النفسية ميسون الضالعي يواجه المريض النفسي في اليمن وصمة اجتماعية نتيجة المفهوم المترسخ لدى الرأي العام، فيتردد عدد من المرضى في عرض حالاتهم على الأطباء والاختصاصيين ومناقشة الضغوط والاضطرابات التي يعانونها وهذا عامل آخر سبب تفشي الاضطرابات النفسية بين السكان.

وكشفت الضالعي عن أن اليمنيين الذين يعانون أمراضًا نفسية جرى "احتجازهم في منازلهم التي تحولت إلى مكان أشبه بالسجن خشية خروجهم، إضافة إلى ما تعرضت له فئات النساء من منع حال دون حصولها على المعالجة اللازمة".
ويخشى اليمنيون من آثار الأذى النفسي الذي لحق بالفئات الضعيفة مثل الأطفال والذي ستكون له تبعاته المتعلقة بصحتهم النفسية وسلوكياتهم مستقبلًا.

وتوضح الضالعي أن عهد أطفال الحروب يختلف عن بقية الأطفال من جانب عدم الاستقرار النفسي الاجتماعي وكذلك العقلي، جراء "ما عاصروه خلال أولى سنين تكوين شخصياتهم ووعيهم المبكر كما في الحالة اليمنية من مشكلات ونزاعات وحروب بدلاً من الاستقرار الأسري والتعليم والحياة الطبيعية التي كان من المفترض أن يعيشوها والتي تؤدي بالضرورة إلى استقرار نفسي صحي وطبيعي".

وتضيف "يكمن الشعور الأسوأ الذي يشعل صدر الطفل في عدم اتضاح الصورة والمفاهيم بالنسبة إليه"، وهذه الحال "تنتج شخصيات مضطربة وغير سليمة ولا مستقرة تتجه بين إذعان وعنف وتمرد فعلي، فبحسب شخصية الطفل الأساسية تكون النتائج المستقبلية".
  • أقسى من كوارث الطبيعة
وأوضحت الضالعي أن الدراسات تؤكد أن الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان أقسى من تلك التي يتعرض لها بفعل الكوارث الطبيعية وأكثر رسوخًا في الذاكرة، ولهذا "يزداد الأمر صعوبة إذا كانت هناك فترات متقاربة بين صدمة وأخرى لأن الأطفال غالبًا لا يعبرون عما في داخلهم والحال النفسية التي يمرون بها تخزن في العقل الباطن وتتسبب مستقبلاً بمشكلات نفسية عميقة إذا لم يتمكن الأهل والبيئة المحيطة بهم من احتوائها ومساعدتهم في تجاوزها".
وبلغ عدد الأطباء النفسيين في 2020 بحسب وزارة الصحة 59 طبيبًا، مما يعني توافر طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص، أما متوسط عدد العاملين الصحيين المتخصصين في الصحة النفسية (أطباء وممرضون ومعالجون) فيقدر بحوالي 300 أي بمعدل متخصص واحد لكل 10 آلاف شخص.
اندبندنت عربية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى