مابين 11 سبتمبر وطوفان الأقصى.. هل تقتل الحرب فرص السلام؟

> الرأي العام الأميركي في قراءته للتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط عقب العمليات العسكرية غير المسبوقة التي باشرتها "حماس" ضد إسرائيل من أراضي غزة الواقعة تحت قبضتها الحديدية، وما أعقبها من قصف إسرائيلي استهدف البشر والشجر والحجر في القطاع، يرى أن الحركة أقدمت على عمل إرهابي شبيه بذلك الذي أقدم عليه تنظيم "القاعدة" الإرهابي ضد الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، في مؤشر قد يلمح إلى أن مقاربة إسرائيل في مواجهة الخطر يجب أن تكون متسقة مع المقاربة الأميركية التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن لمعالجة آثار الإرهاب الذي استهدف بلاده في كيانها.

فبعد ذهول وصدمة اللحظة الأولى، والخوف الذي سيطر على المجتمع الأميركي عقب أحداث 11 من سبتمبر، تم التحول إلى مرحلة الغضب المستعر وصولاً إلى الانتقام.

من جهتها بدأت حكومة إسرائيل بإعلان حال الحرب المفتوحة ضد غزة، وتلتها بإجراءات عقاب جماعي ضد الفلسطينيين في القطاع من قطع للتيار الكهربائي والماء والإمدادات الإنسانية، بما في ذلك قصف معبر رفح البري المنفذ الوحيد للقطاع إلى مصر، ومؤشرات القادم ستكون أسوأ.

ومثلما كان وقع أعمال "حماس" الإرهابية على الداخل الإسرائيلي، فإنها أحدثت الأثر ذاته في المجتمع الأميركي، فدفعت باتجاه تعميق الوحدة السياسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في وقوفهما إلى جانب إسرائيل، ومنذ اللحظة الأولى كان الموقف الأميركي واضحاً لا يقبل اللبس في ضرورة اجتثاث "حماس" من المعادلة العسكرية في المنطقة قبل أي حديث آخر.

ولهذا حشد الغرب كامل قدراته العسكرية في منطقة شرق المتوسط، ليس لمواجهة "حماس" ولكن لإرسال رسائل واضحة وحازمة لإيران وبقية عملائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن بأن أميركا والغرب لن يقفا مكتوفي الأيدي، ولن يكتفيا هذه المرة بالتهدئة والمساعي الدبلوماسية ووقف إطلاق النار، بل إن ردع الإرهاب الإيراني هو الهدف الذي ينبغي أن يتحقق.

وفي ظل هذه الأجواء المشحونة تحتفي إيران الرسمية والشعبية وكل ميليشياتها في المنطقة بنصر "المقاومة الإسلامية" المؤزر، وتهني من سمتهم "المجاهدين"، وتجدد العهد أنها ستقف إلى جانبهم حتى تحرير كل فلسطين والقدس الشريف.

وفي المقابل فإن رد الحكومة الإسرائيلية تمثل في إعلان الحرب الشاملة، مما يصب في تأجيج حال الشحن، متناسية أن غزة سجن كبير يقطن فيه أكثر من مليوني نسمة من المدنيين الأبرياء، تستخدمهم "حماس" كدروع بشرية لانتصار رؤيتها للعنف المسلح كسبيل لتحرير كل فلسطين وبناء دولة الملالي فيها، مقابل رؤية السلطة الوطنية الفلسطينية التي قبلت منذ أوسلو 1993 بالانتقال الكامل إلى مربع النضال السياسي السلمي لإحقاق كامل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة.
  • خطاب العاطفة يغيب خطاب السلام
ومن هنا فإن كثراً في واشنطن نظروا إلى خطاب الرئيس بايدن، السبت الماضي، باعتباره خطاباً مشحوناً بالعواطف الجياشة والتضامن المطلق مع إسرائيل، ولا بأس في ذلك لمعرفة الجميع بالعلاقة الاستراتيجية التلاحمية بين إسرائيل وأميركا، بخاصة في لحظة محنة غير مسبوقة، إلا أنهم لاحظوا خلو الخطاب من إشارات ضرورية نحو السلام والخروج من دورة العنف المنفلت، ولم يذكر بايدن المدنيين الفلسطينيين الذين وقعوا بين فكي كماشة، وما زالوا يقتلون يومياً، والواقعين كرهائن بشرية بيد "حماس" أو الملايين الذين يرزحون تحت الاحتلال في الضفة الغربية، والإجراءات العقابية التي تطاولهم منذ 30 عاماً على رغم من أوسلو، وهم تحت تسلط إسرائيل على شؤون حياتهم اليومية.

اكتفى الرئيس بايدن بإشارة إلى أن "حماس" لا تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير، ومع الأسف فإنه فيما يتصل بالقضية الجوهرية لتقرير المصير بالتحديد، أخفقت الإدارات الأميركية في إنجاز أي تقدم في مسار السلام، فيما ازداد الإسرائيليون ابتعاداً عن هذا الطريق بممارسة مزيد من الضم وتوسيع المستوطنات وتزايد سيادة الأوهام المسيانية للمتطرفين اليهود في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، كما يقول المفكر يوفال نوح حراري المتخصص في التاريخ بالجامعة العبرية في القدس.

ويقول رئيس المعهد الأميركي العربي جيمس زغبي في تقييمه لخطاب الرئيس بايدن إنه كان خطاباً مخيباً لآمال الأميركيين العرب، وإنه كان يتمنى أن يرفع الرئيس صوته بالدعوة لضبط النفس ووقف إطلاق النار، وتأكيد قيام أميركا بدور قيادي للتوصل إلى نهاية للعنف، وتقديم بعض الأمل لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين بأنه مهتم بأمنهم ومستقبلهم على حد سواء.

ويضيف البروفيسور يوفال نوح حراري في مقال افتتاحي كتبه قبل يومين في "واشنطن بوست" أن سياسة الغطرسة القائمة على فرضية أن إسرائيل أقوى من الفلسطينيين، وأن بمقدورها تجاهل مطالبهم، وكيف أنها ضربت عرض الحائط بجهود السلام مع الفلسطينيين والإبقاء على الملايين تحت الاحتلال، معيداً أسباب ما يحدث في إسرائيل إلى السياسات الشعبوية التي أدت إلى تعطيل تل أبيب وإضعاف مؤسساتها بقيادة رئيس الوزراء الحالي بينيامين نتنياهو.
  • حل الدولتين أم العقاب الجماعي؟
حينما تهدأ ثورة الغضب العارم سيكون أمام أميركا بوزنها وتأثيرها الكبيرين على دولة إسرائيل خيارين لا ثالث لهما، فإما مواصلة غض الطرف عن حال الانتقام الجماعي المنفلت الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وترك حليفتها الرئيسة تحت رحمة أمثال الوزير بن غفير وعصابات المستوطنين المتطرفين، من ثم منح إيران وميليشياتها الإرهابية في المنطقة التفويض الكامل لمواصلة العبث بمصائر المنطقة ودولها، أو التركيز في البحث في حل الدولتين المجمد منذ عقود.

وفيما العالم يخطو خطوات للتفكير فيما بعد الكارثة، وأثرها في تعميق مأساة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بفعل سياسة الحكومة الإسرائيلية الشعبوية المتطرفة التي تقوم على فرضية التجاهل للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن القوة المفرطة وحدها هي السبيل لرضوخ الفلسطينيين وكسر روح الحرية بداخلهم للقبول بالعيش في السجون الكبيرة في الضفة وغزة، تلك الأرض المقطعة التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين فلسطيني، والاستمرار في تقزيم السلطة الوطنية الفلسطينية صاحبة المشروعية في القانون الدولي، وتجاهل نضالها السلمي لإقامة الدولة المستقلة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل.

الأمل معقود على جهود إدارة الرئيس بايدن التي بدأها خلال الأشهر الماضية بالتنسيق مع القيادة السعودية لتحقيق اختراق حقيقي ونهائي لصالح السلام الشامل وإنجاز حل الدولتين، مقابل وصل العلاقات السعودية - الإسرائيلية، بما يشكله من فتح لأبواب الأمل والاستقرار الدائم والتنمية والشراكة الحقيقية في المنطقة.

ويدرك صانع القرار الأميركي مدى جدية وواقعية العرض السعودي، كما يدرك أن على إسرائيل أن تقدم على خطوات جادة نحو السلام مع الفلسطينيين وقيادتهم الممثلة في السلطة الوطنية الفلسطينية، بما يمكن من إجهاض استراتيجية إيران الإقليمية القائمة على العنف ونشر الفوضى عبر ميليشياتها الإرهابية.

ويعلم الرئيس بايدن أن بمقدور السعودية بمكانتها السياسية والاقتصادية والروحية وحجمها القيادي الكبير في العالمين العربي والإسلامي بناء تحالف إسلامي عالمي لدفع عملية السلام الدائم في المنطقة يهزم تحالف الشر الذي تقوده إيران التي لن تألو جهداً في عرقلة جهود السعودية الحثيثة لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة، فقد حذر خامنئي قبل أيام من بدء "حماس" حرب غزة الأخيرة بقوله "إن القناعات الثابتة لإيران هي أن الحكومات التي تراهن على علاقات السلام مع النظام الصهيوني ستتكبد الخسائر، وسيكون مصيرها الهزيمة لأنها ترتكب خطأ كبيراً".

ولكن القرار بانتظار إسرائيل وحكومتها، فنافذة الأمل ما زالت مشرعة لإتمام "سلام الشجعان" الذي رفع رايته الرئيس ياسر عرفات، وستظل الرياض فاتحة أبوابها لصناع السلام من الفلسطينيين والإسرائيليين، وبتقديري فإن نافذة الأمل هذه لن تبقى مشرعة إلى الأبد مع استمرار سياسة المتطرفين في إسرائيل في ممارسة العقاب الجماعي وتجاهل الحقوق المشروعة للفلسطينيين، واستمرار إيران في تدمير كل فرص السلام الحقيقي والدائم.

اليوم، يرفع الملك سلمان بن عبدالعزيز غصن الزيتون الأخضر بكلتا يديه من الرياض، أرض السلام، تماماً مثلما رفعه ياسر عرفات قبل 50 عاماً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهل من شريك جاد في إسرائيل يلتقط منه ذلك الغصن لنزرعه معاً نحن أهل المنطقة مع الفلسطينيين والإسرائيليين في القدس، أرض الزيتون والرسالات السماوية؟

"اندبيندت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى