إيران وحماس خارج حدود الشرق الأوسط

> واشنطن "الأيام" العرب:

> ​بسبب استمرار القتال في غزة يمكن لنفوذ إيران لدى حماس، المحدود حتى الآن، أن يتوسع إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط. وتتطلع طهران إلى احتواء إسرائيل ليس فقط في المنطقة، بل في أفريقيا وأميركا اللاتينية أيضًا.

وتقول بانافشه كينوش (زميلة في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية) في تحليل على موقع معهد الشرق الأوسط “على الرغم من وجود اختلافات أيديولوجية بين هذين العضوين في ما يسمى ‘محور المقاومة’، فإن الحرب بين إسرائيل وحماس قد تقرب بينهما وتعزز شراكتهما”. وتضيف “بينما وضعت حماس في الماضي ولاءها للإخوان المسلمين وتعاليمها السنية الأساسية جانبا من أجل التواصل مع إيران الشيعية للحصول على الدعم التكتيكي، فإنها قد تلجأ الآن إلى طهران للمساعدة على ضمان بقائها في مواجهة الجيش الإسرائيلي”.

وسوف ترحب طهران بشراكة أقوى مع حماس لأسباب نفعية، حيث أنها اعتمدت منذ فترة طويلة على شبكتها في العالم العربي لتصدير أجندة ثورية إسلامية إيرانية واضحة إلى الخارج.

إذا استمرت الحرب بين إسرائيل وحماس في التصاعد، ومن المحتمل أن تتحول إلى صراع إقليمي أوسع، فإن التأثير يمكن أن يمتد عبر القارات، نظرا للجهود المشتركة التي بذلتها إيران وحماس على مدى عقود من الزمن لاحتواء القوة الإسرائيلية متى وحيثما أمكن ذلك. لطالما دعمت إيران وحماس جبهة مناهضة لإسرائيل بشمال أفريقيا في دول مثل الجزائر وتونس، حيث المشاعر المؤيدة للفلسطينيين قوية.

وفي الواقع احتضنت طهران حماس في البداية جزئيًا للمساعدة على تقويض شعبية منظمة التحرير الفلسطينية في شمال أفريقيا عندما انحاز زعيمها ياسر عرفات إلى نظام البعث بقيادة صدام حسين أثناء الحرب الإيرانية – العراقية 1980-1988.

  • شمال أفريقيا

خلال الصراع الإيراني - العراقي حرّضت طهران على القادة المؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية في أفريقيا، بما في ذلك الزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس المصري حسني مبارك. كما نظمت تجمعات على مدى عقود للجماعات الفلسطينية، مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية الموالية لإيران، من أجل مواءمة مواقفها مع الحركة الفلسطينية المسلحة المرتبطة بحماس.

وبالإضافة إلى ذلك دعمت إيران جماعات المقاومة الأفريقية المناهضة للاستعمار والقادة الموالين للقضية الفلسطينية، بينما روجت للدعاية والأدبيات المناهضة لإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وحزب البعث. وبرزت خيوط التعاون الإيراني مع حماس بشكل أكثر وضوحا في السنوات اللاحقة. وخلال الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، دعم القذافي حزب الله ضد إسرائيل. ولكن عندما أطيح به من السلطة في الثورة الليبية عام 2011 أكدت طهران أنها أقامت علاقات سرا مع معارضيه للمساعدة على الإطاحة به من خلال اتصالات مع الفرع الليبي لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي الثورة السورية عام 2011 افترقت حماس وطهران بسبب معارضة الجماعة للرئيس بشار الأسد المدعوم من إيران، والذي كان يقاتل المتمردين السنة. وبعد مرور عام نقلت حماس مقرها الرئيسي من سوريا إلى قطر. لكن هذا القرار لم يكن نهائيا، ولبعض الوقت، بدا أن الجماعة الفلسطينية المسلحة مترددة بشأن ما إذا كانت ستتبنى علاقات جديدة مع إيران، في حين ظلت معظم الحكومات العربية السنية معارضة للأسد.

وسافر رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى طهران في أوائل عام 2012 للقاء القادة الإيرانيين، الذين أصروا على التوفيق بين مصالح الجماعات المسلحة الفلسطينية وغير الفلسطينية مثل حزب الله. وفي العام نفسه ظهرت أدلة على استمرار العلاقات بعد أن قصفت إسرائيل مصنع ذخيرة في السودان له صلة بإيران ويُزعم أنه متورط في تزويد حماس بالأسلحة. لعل دعم إيران للحركات المناهضة للاستعمار والميز العنصري في أفريقيا، وخاصة في جنوب أفريقيا، شجع جنوب أفريقيا على التعامل مع حماس في السنوات التالية.

وفي عام 2020، على سبيل المثال، تواصل هنية مع إيران والقادة الأفارقة الذين تربطهم علاقات قوية بجنوب أفريقيا للحصول على الدعم من أجل إنهاء عزلة غزة. وفي أكتوبر 2023 أكدت دولة جنوب أفريقيا أنها تواصلت مع حماس لتسهيل المناقشات حول إدخال المساعدات إلى غزة والأراضي الفلسطينية الأخرى، لكنها نفت التقارير التي تفيد بأنها تقدم الدعم إلى الحركة في حربها ضد إسرائيل. وفي الوقت نفسه تواصل إيران تشجيع زعماء جنوب أفريقيا على المقارنة بين حركتهم المناهضة للميز العنصري والنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.

في أميركا اللاتينية دعمت إيران “المد الوردي” -وهو تحول سياسي نحو الحكومات اليسارية في جميع أنحاء المنطقة- لاحتواء النفوذ الأميركي والإسرائيلي، وسعت إلى العمل مع القادة اليساريين والشتات العربي الكبير. و على مر السنين تم التعرف بشكل متكرر على الشركات والكيانات المرتبطة بحزب الله، عضو محور المقاومة، وشبكاته المالية في أميركا الجنوبية.

وفي بوليفيا، الدولة التي قطعت للتو علاقاتها مع إسرائيل بسبب الحرب في غزة، وحيث دعمت إيران الرئيس السابق إيفو موراليس ثم الحزب الاشتراكي للرئيس لويس آرسي، تربط طهران بين نضال الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية ضد الاضطهاد الطبقي والعرقي في البلاد ومجتمعات السكان الأصليين بتعاليمها الثورية الخاصة لتعزيز وجهة نظر عالمية مناهضة للإمبريالية ومناصرة للفلسطينيين.

  • أميركا اللاتينية

وحتى قبل الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط كانت الولايات المتحدة تنظر إلى العديد من زعماء أميركا اللاتينية، بمن في ذلك وزير خارجية باراغواي أليخاندرو حامد فرانكو في الفترة 2008-2009، على أنهم متعاطفون مع حماس. وعلى الرغم من أن دولاً مثل كوبا قامت بتقييد أنشطة حماس وحزب الله، إلا أنها دعمت في السابق المواقف المناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة.

وبحلول عام 2021 صنفت منظمة الدول الأميركية المكونة من 35 عضوًا حماس منظمة إرهابية، لكن إيران واصلت بناء شبكات من خلال المجتمعات العربية المحلية في المنطقة. تعمل إيران مع حماس على احتواء إسرائيل، رغم أن تعاونهما حتى الآن محدود أو مقيد. لكن إذا فشلت إسرائيل في احتواء حماس أو القضاء عليها كما تقول فإن الحرب الحالية قد تدفع الحركة في نهاية المطاف إلى احتضان طهران دون قيد أو شرط وإلى أجل غير مسمى.

وفي الوقت نفسه تواصل إيران محاولتها مواءمة مصالح حماس بشكل أكثر سلاسة مع مصالح الجهاد الإسلامي في فلسطين. وفي يونيو 2023 دعت طهران المجموعتين إلى تبادل وجهات النظر. وفي 25 أكتوبر الماضي التقى حلفاؤها حزب الله وحماس في لبنان. وقبل اندلاع الحرب اجتمعت حماس والجهاد الإسلامي في بيروت للتأكيد على التعاون المشترك في تعزيز محور المقاومة في الضفة الغربية المحتلة.

ومع عدم وجود نهاية في الأفق للقتال في غزة وتزايد خطر التصعيد الأوسع يوما بعد يوم، من المرجح أن يزداد التنسيق بين إيران وأعضاء آخرين في محور المقاومة، بما في ذلك حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي في فلسطين. وسيكون لهذا تأثير كبير أولا وقبل كل شيء داخل منطقة الشرق الأوسط، ولكن التأثيرات المتتابعة قد تمتد إلى ما هو أبعد من المنطقة. ومن غير المستغرب أن تروج وسائل الإعلام المرتبطة بالحكومة الإيرانية لهذه النتيجة المحتملة باعتبارها حقيقة واقعة، وتعلن أن محور المقاومة “قد غيّر الخارطة الجيوسياسية للعالم".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى