بمناسبة ذكرى 30 نوفمبر .. هل قرأ قحطان رسالة الأستاذ؟

> أحمد محمد نعمان:

> الابن والأخ الحبيب قحطان الشعبي والأبناء والأعزاء:

بعد التحية والتمنيات الطيبة والدعوات الصادقة، أكتب إليكم هذه الرسالة العاجلة وقد حرصت على البدء بها في هذه اللحظة التي نتطلع فيها إلى مستقبل أفضل للجنوب، الذي ابتلاه القدر بالاستعمار ما يقرب من قرن وثلث قرن، فعزله عن الشمال سياسيًا، ولم يستطع أن يعزله أرضًا ورحمًا وقربى وشعورًا وعاطفة وحبًا.

وقد لقي في السنوات الأخيرة من المحن والشدائد فوق ما يتحمل ويطيق، وسالت دماء أبنائه على أرضه، وذهبت أرواحهم في سبيل حريته واستقلاله، ووزع أعداء الإنسانية الأحقاد والضغائن بين الأخ وأخيه والابن وأبيه.

ولكن لن نيأس من اللقاء الأخوي بين من كانوا بالأمس أعداءً، يحارب بعضهم بعضًا جهلًا وغباءً وتعصبًا وعمى، فاسترجعوا القلوب الشاردة، وضمدوا الجراح، وامسحوا بالدموع كل ما صبغت به أرضكم من الدماء، واستعيدوا خلق أجدادكم الذين سجلوا لنا قانونًا إنسانيًا في أدبهم وتقاليدهم وتاريخهم.

إذا احتربت يومًا فسالت دماؤها

تذكرت القربى ففاضت دموعهـا

كونوا مدرسة أخلاقية إنسانية، واضربوا المثل للذين يتخذون من السلطة وسيلة للانتقام والبطش، وأعلنوا في هذه اللحظة التي تنتصرون فيها، أن الجنوب لأبنائه جميعًا، وأن المسؤولية يتحملها القادرون عليها جميعًا، وأن الاستبعاد لأي مواطن لا يجوز، أما العزل السياسي لمن أجرم في حق الشعب عامدًا متعمدًا ومحاسبته وعقابه فهذا متروك للعدالة.

أشعروا الجميع حتى الذين اختلفوا معكم وناصبوكم العداء، إنكم فوق الخصومات وفوق الخلافات.

اجعلوا المخطئين يشعرون أنهم ليسوا أول من أخطأ أو ضل، أو خدع أو غررت به الدعايات المضللة والشعارات الزائفة.

أرجو ألا تستبد بنا نشوة الانتصار على إخواننا ومواطنينا مهما كان الخلاف، فإن أكثر الخلافات كما نعرف جميعًا كانت تغذى من خارج بلادنا ومن غير طبيعتنا وأخلاقنا.

وانتصروا على أنفسكم وأهوائكم في هذه اللحظة، وهذا هو الانتصار الحقيقي.

إن المسؤولية هي الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، إنه كان ظلومًا جهولًا.

لا تحرموا الوطن من أي عنصر يصلح لخدمته، ويسد فراغًا ولو كان من ألد خصومكم، فمن الخدمة للوطن والوفاء له الإنصاف ((ولا يجرمنكم شنآن قوم على إلاَّ تعدلوا.. اعدلوا هو أقرب للتقوى)).

إن علينا أن نستفيد نحن أبناء جنوب الجزيرة العربية من مصارع أشقائنا في شمال الجزيرة.. وكيف رجعوا بعد الاستقلال يلعن بعضهم بعضًا، ويضرب بعضهم رقاب بعض، وتمزقوا شيعًا وأحزابًا، ولم يحصدوا سوى الهزيمة تلو الهزيمة والنكبة وراء النكبة.

ولقد جاءت نكسة 5 حزيران تكشف لنا إن الثورية الحاقدة الضاربة، جلبت على الأمة العربية من العار والخزي والهزيمة ما لم تجلبه الرجعيات التي ثاروا ضدها، ومزقت من الوحدة الوطنية لشعوبها ما لم تبلغه الأحزاب في العهود الرجعية.

إن الدعوة للوحدة العربية لم يتخذها الناعقون بها خلال السنوات الماضية إلاَّ مثارًا لتمزيق الوحدة الوطنية.

إنني كلما تذكرت إن اللاجئين من سوريا في لبنان بلغ عددهم سبعمائة إلف سوري، فزعت فزعًا شديدًا من عقلية الحكام الحاليين، الذين يدعون لوحدة القوى الثورية في البلاد العربية، فهل يريد هؤلاء التعاون مع زملائهم الثوريين في الأقطار الأخرى على تصفية المواطنين وتحويلهم إلى لاجئين؟

إن إسرائيل منذ خمسة أشهر تحتل المرتفعات السورية وما يقرب من محافظة كاملة، ومع ذلك يقف حكام سوريا يبرقون ويرعدون ويحاربون المواطنين، وكأنهم لا يحسون ولا يشعرون بوطأة الاحتلال، فأين بهؤلاء القوم، والويل كل الويل لمن يتخذ منهم قدوة حسنة.

يا قحطان إنني مشفق عليكم حقًا من ثقل المسؤولية، ولكنني أعرف قحطان الإنسان معرفة تامة، وأتمنى أن يكون زملاؤه متأثرين به إلى حد كبير.

ولذلك آمل أن تتوفر النوايا الطيبة، وتتضافر الجهود لتحقيق الوحدة الوطنية بين أبناء الجنوب أولًا وقبل كل شيء، وأن تتركز الجهود الكبيرة لتحقيق السلام النفسي وكسب الجبهة الداخلية في الجنوب كله، وتطمين الخائفين والمتفزعين، ودعوة الشاردين، والتعاون مع كل من يرغب ملخصًا صادقًا في التعاون، وتجدوننا معكم عاملين ومؤيدين وداعمين.

وأنبهكم إلى أمر هام جدًا، ابتلينا به ومن التبشير لهم بالاشتراكية التي حولها الكثيرون إلى إباحية ملقة، لنهب الناس وسلب أموالهم، ولم يكسبوا من وراء ذلك سوى المزيد من الفقر والإفلاس.

راجعوا الشعارات التي ملأت أذهان الجماهير العربية خلال خمسة عشر عامًا، وخاصة الوحدة والحرية والاشتراكية وماذا حقق الذين أطلقوا هذه الشعارات لشعوبهم، إنهم لم يحققوا سوى الفرقة والاستبداد والفقر والحرمان وهزيمة 5 حزيران التي لا مثيل لها.

هذه كلمات أمينة مخلصة، أرجو أن تلقى قبولًا من الجميع، وأهنئكم من كل قلبي وأدعو الله لكم بالتوفيق والسداد.

والدكم..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى