التسوية السياسية وموقع الجنوب فيها

> حرب هي في عامها العاشر، ولم يجد أحد سبيلًا لحلها، على الرغم من كثرة القرارات الدولية والمبعوثين الدوليين والإقليميين ومبعوث الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأمريكي وأخيرًا تدخل الصين لإصلاح العلاقة بين القطبين الأساسيين في حرب اليمن ومع ذلك لم تستوي طبخة التسوية، هل لأن الطباخين كثر وعطلوا الطبخة أو أن وراء الأكمة ما ورائها.

بدأت الحرب عندما شعر أمزيود أنهم سيكونون في امحيود في إقليم لا منفذ لهم على البحر، هكذا ما كانوا يروجون له، وبالواقع اتخاذ قرار إعلان الأقاليم من خارج الصندوق كانت شرارة الحرب الأولى التي لم تكن من ضمن مخرجات الحوار.. من الذي أشار على حاكم صنعاء الجديد إعلان تقسيم الجمهورية إلى ستة أقاليم؟ وهل كان يعلم أنها ستؤدي إلى حرب؟ وهل حاكم صنعاء الجديد غافل إلى هذه الدرجة بحيث إنه لم يتعظ من دروس التاريخ ؟ ولو أنه لم يطلق العنان لأوهامه في فرض أقاليم من خارج الصندوق هل كانت الحرب ستندلع؟ اعتقد لم يكن هناك مبرر كافٍ لاندلاع حرب كما لم يكن هناك مبرر لأي انقلاب على الشرعية ولو أن أحدًا ركب رأسه وغامر ستكون الذرائع لديه ضعيفة وسيجد مقاومة من الجميع خاصة، وسيدافع الكل عما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار، ولن يكون هنا غزو للجنوب لو لم يفر حاكم صنعاء الجديد باتجاه عدن، لأن مبررات الغزو غير متوفرة وفي الأخير من صنع هذا السيناريو أعطى الذرائع للانقلاب والتوجه جنوبًا لإعادة احتلاله لكن في الواقع وتجارب التاريخ شاهده بأن بعد كل اتفاق أو مؤتمر حوار في اليمن تندلع حرب لسبب واحد وهو أن طائفة معينة تمتلك القوة والسيطرة لا تقبل تسليم السلطة لأي كان من خارجها، ولأي سبب كان وهي تعتقد أن الحكم من حقها أما أن يكون الحكم إمامي عبر الدائرة الضيفة المسماة بالهاشميين أو جمهوري بالدائرة الأوسع للطائفة الزيدية (كتلة المشايخ والفقهاء) والذين حكموا الجمهورية منذ الانقلاب في عام 62م حتى تسليم عفاش السلطة إلى حاكم من أبين تحت ضغط شعبي وإقليمي ودولي.

اليمن بموقعه الجغرافي وكثافة سكانه وثروته محل أطماع القريب والبعيد، واليمنيون وبالذات جماعة الهضبة الزيدية يعرفون ذلك ويجيدون اللعب على هذا الوتر الحساس، تارة يستخدمون الجيران عندما كان الصراع بين الجنوب والشمال وتخويفهم بالنهج السياسي في الجنوب، وبعد الوحدة أصبح الوضع مختلفًا حتى كان لنظام صنعاء موقف مناقض للإجماع الخليجي عند أزمة العراق والكويت، ولهذا انتقلوا إلى ملعب آخر وهو ايران والتي هي متحفزة للوصول إلى بحر العرب والبحر الأحمر وحسب قول شاعرهم في نهاية التسوية في عام 70م بأنهم سيذهبون إلى أخوة كرام في فارس لإعادتهم إلى السلطة وهاهم منذ عشر سنوات أحضروا أخوتهم من فارس كلاعب موازٍ للاعب الإقليمي في اليمن.

الحوثي حسم أمره في الانفراد بالسلطة وألغى تحالفه مع عفاش والشرعية التي تشكلت من هاربين من بطش الحوثي لم تستطع أن تغير ميزان القوى على الأرض في جغرافية الجمهورية العربية اليمنية وفشلها أدى إلى تغييرها بشرعية أخرى.

الجنوب كطرف موازٍ للعملية السياسية استطاع أن يحرر أرضه من الغزو ويشكل كيانًا سياسيًّا أصبح معترفًا به إقليميًّا ودوليًّا وأصبح واقعًا على الأرض بهيئاته السياسية والأمنية والعسكرية.

كادت التسوية أن تتم لو لم تندلع حرب الممرات التي جلبت دول عظمى مثل أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية، وكان الحوثي ومن ورائه إيران اللاعب الأساسي في هذه الحرب، وأصبح الوضع أكثر تعقيدًا ليس لليمن ولكن لكل دول المنطقة وبالذات المتشاطئة على البحر الأحمر وتعطيل التجارة الدولية وبالتالي التواجد العسكري في مدخل البحر الأحمر وبحر العرب من قطب دولي واحد أصبح بالضرورة جلب تواجدًا موازيًا للأقطاب الدولية الأخرى. والصراع أبرز تسابقًا حول من يسيطر على هذه الممرات التي ستكون ميدان صراع دولي وهذا سيزيد الوضع تعقيدًا سياسيًّا واقتصاديًّا ينعكس على حياة الشعوب.

في خضم هذا التعقيد الشديد نشعر بأن شعب الجنوب وقضيته هو الضحية، كون التسويات سيشترك فيها ليس الجانب الإقليمى وحسب؛ ولكن العالم كله ومن أجل حلها يجب مراضاة صاحب المشكلة بمنحه جائزة في المكان الذي يريده وستكون الجائزة هي الجنوب وبأبطال هذه الجائزة يتطلب من ممثلي الجنوب ألا يقبل أولًا أي تهميش لقضيته وثانيًا ألا يذهب إلى التسوية دون ضمانات دولية وإقليمية مكتوبة مسبقًا بتحقيق تطلعات شعب الجنوب لكن باعتقادي الضمانة الأكيدة هو ألا يذهب للتسوية ضمن إطار الشرعية التي تضمر الخديعة للجنوب، فلتذهب الشرعية لوحدها تسوي أمورها مع حكام صنعاء ويتمسك الجنوب في حقه بالتسوية الندية بين الجنوب والشمال فقط، لأن الحرب بكل تفاصيلها كانت ومازالت حتى اليوم تدور بين الجنوب والشمال.

التمسك بحق الجنوب بالتسوية الندية من قبل ممثل الجنوب أصبحت مسألة مصيرية فليترك المجال إن أرادت الشرعية أن تذهب لوحدها للتسوية فلنرى إن كان حكام صنعاء سيقبلون التفاوض معها على ما تحت يدها من أرض في جغرافية الجمهورية العربية اليمنية. أما أرض الجنوب فالشرعية ليست مخولة بالتفاوض بالنيابة عنه فالمخوّل الوحيد بالتفاوض نيابة عنه هو الممثل الشرعي هذا الحق غير قابل للتصرف بالتمثيل من أي أحد آخر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى