​الفقيد المبدع الفنان محمد صالح حمدون.. صوت يُعانق الوجدان وإبداعُ يُذكي المشاعر

>
​إن الأدب والفن يمثلان الحياة بكل صورها ومعانيها وواقعيتها أي أن الفن والأدب هما صورتان معبرتان عن البيئة الاجتماعية التي ينتميان إليها انتماءً خاصًا في إطار العام المتسع من الحياة والوجود الإنساني، فالفن سمةُ إنسانية معبرة عن وجدان وفكر المجتمع جوهره التاريخي والإنساني.

بذلك نستطيع القول إن الفن والأدب والمجتمع كيان واحد منسجم مترابط يشكل المعنى الرفيع المفهوم الإنسانية، بما يحمله هذا المفهوم من معانٍ وتفاصيل اجتماعية متداخلة فيما بينها ترسم في حقيقتها لوحة جميلة معبرة اسمها (الوجود الإنساني) حيث إن الفن والجمال سمة عامة مميزة لأي مجتمع وخاصة ذلك الفن النابع من تراث أصالة المجتمع حيثُ نجد فنًا أصيلًا مترجمًا مشاعرنا، وآمالنا وآلامنا، مرتبطًا بصوره مباشرة أو غير مباشرة بحركة المجتمع الإنساني وتطلعاته.

فالفنان المبدع الأصيل مثل هذا العلم الخالد في وجداننا(الفنان محمد صالح حمدون) الذي يعد بصدق مثالًا رفيعًا للفن والإبداع بصورة عامة، فنستقي من إبداعه جمال الحياة وبساطتها فيغذي وجداننا وفكرنا جمالًا وألقًا، فتسمو بمشاعرنا وتفكيرنا إلى مراتب الفكر والذوق الإنساني الرفيع من خلال الشعور بكياننا وذاتنا نبتعد عن كل إسفاف وابتذالٍ وقبح في فهمنا أو سلوكنا، فنرتقي بذوقنا وتفكيرنا..

أثر البيئة في إثراء الذائقة الفنية
* إن الحديث عن الإبداع الفني لهذه الشادي المترنم  إبداعًا وجمالًا – بلا شك - هو حديث عن المنبع الأصيل والأرض الخصبة التي نما فيها ذلك الإبداع والجمال الفني وتشرَّب من سلسالها العذب الرقراق، ففاض جداولا من الحبِّ والإشراق، وأثمر عطاءً وحياةً وجمالًا ومدَّ ظلاله الوارفة صدقًا فنيًا وأصالة وتجديدًا.

* إنها لحج - موطن الإبداع الخصب كلمةً ولحنًا وشدوًا منغمًا.
ففي جنبات واديها تبن وبين جناحيها نمتْ حواضرُ العلم والفكر والأدب والفن ومن أشهر حواضرها اليوم -على سبيل الذكر لا الحصر - منطقة (الوهط)هذه الواحة الوارفة الظلال علمًا وأدبًا وفكرًا وفنًا وقبل هذا وذاك تواضعًا وأخلاقًا وإنسانية.
ومن هنا كان حريٌّ بهذه البيئة المبدعة، وهذه الواحة المثمرة أن تنجب هامات وقامات وإعلامات كُثر.. وما محمد صالح حمدون إلاَّ بلبلٌ ظلَّ يشدو على أغصان هذه الدوحة الفنية، ونغمٌ ينسابُ إلى القلوب ويعانق  الوجدان ويحرك المشاعر لدى المحبين والعاشقين والثائرين..

وهنا تجدد الإشارة إلى الحقيقة مهمة ونحن نتحدث عن هذا الشادي المترنًّم، وهذه الحقيقة أوجزها في الآتي:
(إن سر خلود هذا المبدع العلم هو أنه استطاع أن يجمع بين ثلاث خصال فنيه قلمِّا نجدها في مبدع آخر من الأجيال الجديدة وهي:
الأصالة – التجديد - التميّز).

* الأصالة:  من حيث الأصالة إنَّه فنان نابع من تراث فني خصب أصيل ومن بيئة زاخرة بالعطاء والثقافة والذوق السامي فكان مبدعًا أصيلًا... فحين تستمعُ إليه تحلّقُ بك المشاعر والخواطر إلى عهد المجد العبدلي في الجنوب.
* أمّا التجديد: فإنّه صوت منغّمُ تتفاعل معه الأرواح والقلوب قبل الأسماعِ، فهو صوتٌ نغمي الوقع جميل الأثر، متجدد من حيث الأداء والتطريب، تلتقي عندهُ مختلف الأذواق في داخل الوطن وخارجه ، عبر الأجيال المتعاقبة يظلُّ الصوت (الحمدوني) العذب جمالًا فريدًا عابرًا للزمن والمكان.

* التميّز: أما التميز في الإبداع الفني - وحسب معرفتي المتواضعة – لا يصل في المجال الفني إلى مستوى الفنان المتميز إلاَّ القلة القليلة جدًّا على مستوى الفن عامة..
فالفنانون، والمطربون، كثر في الساحة الفنية، ولكن المتميزين منهم عددٌ محدود يشير إليهم التأريخ ببنانهِ روعة وإعجابًا وإتقانا..

فالكم أو الكثرة لا تعني التميز أو التفرُّد، ولكن النوع والأسلوب والأثر الفني الذي يتركه الفنان في أدائه المتقن، وإحساسه ومشاعره المتدفقة التي يمزجها المبدع ويصبّها في القالب الفني أي في (عمله الفني الغنائي) كلُّ ذلك يصنع للفنان والمبدع أثرًا وبصمةً فنية، وعلامةً مُميزةً له عن غيره، يعجز عن إنه باختصار الألق والحساس الحمدوني في الأداء والإتقان والتطريب...هذا هو السرّ أو السحر الجاذبُ لكل عشاقه ومحبيه ومتذوقيه ،فيستمعون ويهيمون ويتساءلون مع: (سكون الليل والنجمة، وباهي الجبين) يابوي من حسنه..) ويتفكرون ويحتارون مع من (خان العهد واتنكر، فأتيني قبل الوداع) وسألت العين، إلا لما مني يبعد وهوه مني قريب...، وغيرها.

* وكأن هذا المبدع الحمدوني الجميل فنًا وسلوكًا وفكرًا... يقولُ:
أيّها الركب... المغنون، المطربون، أيها العاشقون الساهرون المتيمون إلى حد التصوّف..
تذكروا جيدًا، أي (أنا الطائرٌ المغردَّ والآخر الصدى).
ختامًا: اعذرني أيها الشادي المغرد المبدع، أيها التصوف في محراب الألف الإنساني والإبداع والجمال..
أعذرني إن عجزتْ يراعي عن الإحاطة بثراء عطائك وجميل مناقبك، وسمو مقامك في محراب وجداني
فما الفن؟ وما الإبداع؟ وما الجمال؟ إن لم يكنْ أنت أيّها الحمدون.
* رئيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب م لحج

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى