هل تم الاتفاق بين الرياض وصنعاء بوقف الحرب بتسوية عودة المحافظات الجنوبية المحررة إلى باب اليمن؟

> تناولت في المقال السابق "المفاوضات " بين الرياض وصنعاء (1) وأبرزت أهم بعض النقاط الخلافية الصعبة والمعقدة بين الطرفين، لكن يبدو أن المستجدات المحلية والإقليمية والدولية المتسارعة ربما فرضت عليهما إبرام تسوية "مقايضة" بعودة المحافظات الجنوبية المحررة الغنية بالثروات النفطية والغازية والمعدنية والسمكية إلى صنعاء كخطوة أولية للتعويض عن حرب التسع سنوات.

واستنادًا لذلك استدعت القيادة السعودية د. أحمد عوض بن مبارك رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين والتقى بالأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي وبحثا الجهود القائمة لدعم سير العملية السياسية بين الأطراف اليمنية، ومسار السلام، لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن ومساعي استكمال وتنفيذ خارطة الطريق برعاية الأمم المتحدة "(2).

وبموجب الاتفاق يتم تصدير النفط والغاز من حضرموت وشبوة وتحول العائدات إلى البنك المركزي بصنعاء، وربما أيضًا مهارات أنصار الله السياسية والدبلوماسية لحصد المزيد من التنازلات وجلب المكاسب وتسخيرها للمجهود الحربي.

وتنفيذًا لذلك عمدت السلطة الشرعية اليمنية إلى خلق الأزمات في المناطق الجنوبية المحررة كانهيار العملة وقطع المرتبات والخدمات وتجويع وإفقار المواطنين الجنوبيين والتغاضي والتشجيع بارتكاب الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية والعسكرية وتفشي الفساد والإفساد وتشكيل الكيانات الجنوبية أبرزها المجلس الانتقالي وتشكيل المجالس الوطنية في حضرموت والمهرة ومحاولة تشكيل مجلس أبناء عدن الوطني والتصريحات المعادية والمستفزة للجنوبيين من بعض أعضاء مجلسي القيادة والوزراء وتشجيع نزوح اليمنيين من مناطق سكنهم الآمنة والمستقرة وإيوائهم كلاجئين وصرف الأموال والأراضي لهم للبناء في المحافظات الجنوبية المضطربة أمنيًا ومعيشيًّا بهدف تيئيس شعب الجنوب العربي وإخضاعه للعودة إلى صنعاء، مقابل ما تشهده المحافظات اليمنية من أمن وأمان واستقرار منذ أن استعاد أنصار الله السلطة من الانقلابيين 26 سبتمبر 1962 وبالمحصلة تحولت الحرب من استعادة الشرعية إلى صنعاء وطرد الانقلابيين ومحاكماتهم إلى احتلال المحافظات الجنوبية عنوة من قبل الشرعية الهاربة بالخارج بعد أن حررها أبناؤها أثناء حرب 2015/ 2024م إلى عودة الجنوب إلى صنعاء وخير دليل تشكيل مجلسي القيادة الرئاسي والوزراء برئاسة أركان النظام اليمني المحتل للجنوب منذ حرب 1994م وإلا لماذا شُكلا؟.

وتماشيًا مع ذلك تم تغيير الأخ/د. معين عبد الملك رئيس الوزراء (يمني) بعد أن هيئت السلطة الشرعية أرضية الملعب في الجنوب وتم تعيين الأخ/ د. أحمد عوض بن مبارك رئيسًا للوزراء باعتباره (جنوبي عربي) ليوقع اتفاق "التسوية " لإعطاء الاتفاق صيغة المشروعية الجنوبية كما تتصورها الذهنية القبلية اليمنية.

وتأكيدًا لذلك أصدر المجلس الانتقالي بيان تأييد ودعمًا لتعيين د. بن مبارك رئيسًا للوزراء مع أن قيادة الانتقالي صادقت على تعيينه ويعني ذلك تأكيدها وحرصها الشديدين لتوقيع اتفاق التسوية بعودة الجنوب العربي إلى باب اليمن، وبمعنى أوضح أصبحت قيادة الانتقالي ضد استعادة دولة "ج ي د ش" ، إلا في حالة انسحابها من اتفاق ومشاورات الرياض ولا نعتقد أنها تستطيع الانسحاب.

وسيرًا على ذلك عاد إلى عدن الأخ/ سلطان البركاني رئيس مجلس النواب اليمني لعقد جلسة البرلمان في عدن للتصويت على الاتفاق لإعطائه صفة الشرعية الدستورية المنعدمة تمامًا لمجلس النواب الذي انتهت صلاحيته الدستورية منذ أكثر من عشرين عامًا على انتخابه في 27 أبريل 2003م ومن ثم يتم التوقيع من قبل د. بن مبارك رئيس الحكومة ومن ثم مصادقة د. رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي المعين مع سبعة نواب له في 7 أبريل 2023م بقرار من الرئيس عبدربه منصور هادي المنتهية ولايته الدستورية منذ أكثر من تسع سنوات تقريبًا انتخب لمدة عامين (21 فبراير2012 /21 فبراير 2014م) فقط بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي بموجبهما علقت الدستور اليمني.

والجدير بالذكر إنه في العام 2019م رفض المجلس الانتقالي أن يعقد مجلس النواب جلسته في عدن لانتخاب الأخ/سلطان البركاني رئيسًا لمجلس النواب واضطر المجلس أن يعقد جلسته في سيئون/ حضرموت بالرغم من حضور الجلسة الأخ/الرئيس هادي رئيس الجمهورية وعدد من قيادة الدولة وسفراء الدول الخليجية والعربية والأجنبية.

وعلى ذات السياق، ربما تدارك صاحب القرار المكالمة الهاتفية بين د. بن مبارك والرئيس هادي الذي سربها أنصار الله عندما أوقفوه وهو في طريقه إلى مجلس النواب يحمل معه مسودة مشروع الدستور الجديد للمصادقة عليه وخشية من ردود الأفعال والطعن بالاتفاق من قبل شعب الجنوب العربي كما يطعن بعدم شرعية اتفاق الوحدة اليمنية الذي لم يستفتى عليه وكذلك رفض الأخ/الرئيس حيدر أبوبكر العطاس رئيس مجلس الشعب الأعلى التوقيع على اتفاق الوحدة ووقعه الأخ/ علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني من دون أي صفة قانونية أو شرعية تخوله ذلك.

وتماشيًا مع ذلك تم تعيين الأخ/ د. شائع محسن محمد وزيرًا للخارجية وشؤون المغتربين (جنوبي عربي) لإضفاء مزيد من المشروعية الجنوبية بحضوره التوقيع على الاتفاق بصفته وزير للخارجية يتمتع بأحكام القانون الدولي.

والملاحظ أن اليمنيين الشماليين يتفاوضون مع السعودية والجنوبيون يوقعون الاتفاقيات فالمرحوم الشيخ عبد الله الأحمر رئيس مجلس النواب تفاوض على مذكرة التفاهم الحدودية مع السعودية ووقعها المرحوم عبدالقادر باجمال 1995م وكذلك وقع اتفاق جدة لترسيم الحدود اليمنية السعودية النهائية عام 2000م.

والسؤال الذي يثور ما هي الصفة القانونية للمفوضين للتوقيع على الاتفاق بين الرياض وصنعاء؟ فالمفوض الأول الأخ/ المشير مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى لأنصار الله الذي بصفته يفوض الأخ/د. عبدالعزيز بن حبتور رئيس حكومة تصريف الأعمال في العاصمة صنعاء للتوقيع على الاتفاق عن حكومة صنعاء العاصمة السياسية لليمن، أو ربما غيره.

والمفوض الثاني الأخ/د. رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي الذي بصفته يفوض الأخ/ د. أحمد عوض بن مبارك رئيس وزراء الحكومة الشرعية للتوقيع عن حكومة العاصمة المؤقتة عدن.

وكلا المفوضينِ سيوقعان تحت اسم وعلم والنشيد الوطني للجمهورية اليمنية، وبالتالي يبرز السؤال من منهما يحمل الصفة القانونية المشروعة لتوقيع الاتفاق أو أن التوقيع سيكون بين حكومتي صنعاء وعدن المؤقتة - الجمهورية اليمنية- عاصمتان لدولة واحدة أم دولتان؟

 وبالتالي من يمثل منهما الحكومة الشرعية ومن يمثل المعارضة أو بالأصح من يمثل النظام السياسي في صنعاء المعترف به ممارسة دوليًا أو من يمثل النظام السياسي في عدن المؤقتة المعترف بها شكلًا دوليًّا؟ وبالتالي من هو النظام الحاكم منهما ومن هو الحزب المعارض؟ لكن نقول " لله الأمر من قبل ومن بعد في بعض سنين ".

والحقيقة أنه من الصعوبة بمكان الوقوف على الحالة اليمنية القبلية الفريدة في العالم منذ قيام ما يسمى ثورتي سبتمبر 1962م وأكتوبر 1963م حتى مجلس الأمن الدولي وصف حرب 1994م بين الشريكين في الوحدة  بـ"الحالة" في قراريه (924 و930 لعام 1994م) ومن شدة تعاظم الحالة اليمنية واستفحالها بالجسد اليمني استدعى نظام القبيلة اليمنية ليس دول مجلس التعاون وجامعة الدول العربية للتدخل في الشؤون الداخلية لليمن فحسب، وإنما استدعى مجلس الأمن وبدوره أدرج اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على الرغم من أن الميثاق لا ينطبق على الحالة اليمنية باعتبارها أزمة داخلية لكنها قبيلة في مجتمع الدول المسماة دولة والحقيقة أنها "اللادولة واللانظام".

والخلاصة أن وجود نظامين قانونيين مختلفين بدولة واحدة لا يعني لهما شيئًا، لأن همهما الوحيد الاستيلاء على ثروات الجنوب العربي مقارنة مع الفارق الكبير-  بالعدوان الإسرائيلي بإبادة غزة بعد اكتشاف الثروات الغازية والنفطية في بحر غزة وبالتالي لا قانون دولي ولا إنساني ولا قرار محكمة العدل الدولية ولا قرارات مجلس الأمن ولا مجتمع دولي وإلخ.. مقابل الاستيلاء على ثروات الشعب الفلسطيني وهذا هو حال الجنوب العربي الذي يتكالب عليه الغير من دون أية اعتبارات لعل ليس أبرزها حربي (1994/2015/ 2024) فحسب وإنما الفتوى الشرعية لـ د. الديلمي وزير العدل اليمني بتكفير شعب الجنوب العربي وإباحة سفك دمه بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ والاستيلاء شرعًا على أموالهم وأراضيهم وهذا ما حصل وعشناه أثناء حرب الردة والانفصال..

والمشكلة أساسًا تكمن في القيادات الجنوبية التي يختارها الخارج بعناية وفرضها لتمثيل شعب الجنوب العربي مقابل دعمها ماليًا وعسكريًّا ولوجستيًّا وإلخ .. من أجل تنفيذ أوامره سواء بإلغاء دولة الجنوب العربي أو بعودته إلى باب اليمن وكان يعتقد المناضلون الثوريون الجنوبيون بأنهم سيجعلونهم حكامًا بدلًا عن حكام الجنوب العربي المنتخبين من شعبهم وأدخلوهم في صراعات لا نهايات لها تحت شعارات القومية اليمنية والقومية العربية والأممية الاشتراكية والشيوعية وهلم جرا.. انتهت ليس بإلغاء دولة الجنوب العربي فقط وإنما بإلغاء الدولة الوارثة "ج ي د ش " وبالمحصلة أصبح شعب الجنوب العربي لا أنه من دولته السابقة أو من الدولة الوارثة " ج ي د ش" ولا من دولة الجمهورية اليمنية التي اتحدت دولته معها في 22 مايو 1990م وإنما حروب متواصلة بدون نهاية منذ العام 1963م.

وقبل الأخير يبقى القرار بيد شعب الجنوب العربي الصامد بعد أن دفعت به القيادات الجنوبية المدعومة خارجيًا مؤخرًا بزج أبنائه في حرب (2015/ 2024) وهم لا لهم ناقة بها ولا جمل وضحى بأكثر من (60.000) قتيل وجريح جنوبي عربي لمقاتلة أنصار الله، تحت مزاعم باطلة والآن هذه القيادات الجنوبية تعد نفسها وعلى استعجال للعودة بالجنوب إلى صنعاء وتناشد أنصار الله الاعتراف بها ومرحلة انتقالية جديدة.

وقبل الأخير الحرب أساسًا على ثروات الجنوب العربي وموقعه الاستراتيجي فقط وليس صحيحًا أن الحرب كما يصورونها ويروجون على الانقلابيين الحوثيين، والشرعية تنتظر التوقيع على الاتفاق للعودة إلى صنعاء بالجنوب بثرواته وما يهمهم ألا يحاكمون أمام المحكمة الجزائية بصنعاء بتهمة العدوان على اليمن، لكن ربما يتضمن ذلك في ملحق سري للاتفاق والله أعلم.

وبالمحصلة نكرر الحرب على شعب الجنوب العربي بسبب ما تختزنه أرضه وبحره من ثروات هائلة وموقعه الاستراتيجي وإلا على ماذا الحرب على الجنوب؟ لأنه صاحب الحق  السيادي والحصري للأرض والثروات ولذا لن تترككم القوى الخارجية تعيشون وتنعمون بخيرات بلدكم إلا إذا شكلتم جبهة وطنية واحدة ومتينة لا تنفصم عراها من عدن إلى المهرة وسقطرى وتمتلكون قراركم السيادي بأيديكم حتى استعادة دولتكم "ج ي د ش " وتدافعون عن وطن أجيالكم كما يدافعون أهل غزة عن وطنهم فلسطين وإلا نفذوا مخططهم بتقسيم وتفتيت بلدكم على أيدي القيادات الجنوبية.

وخلاصة القول لا يمكن أن نستعيد دولتنا "ج ي د ش" بأيدي الذين ألغوا قيادات الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل الحزب الاشتراكي اليمني المجلس الانتقالي الجنوبي.

ولهذا يجب على شعب الجنوب العربي محاكمة هؤلاء الذين ألغوا دولتنا والسؤال لهم أين دولة الجنوب العربي التي سلمتكم بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م " الاستعمار البغيض " بحسب أدبياتكم الثورية بل وأين الدولة الوارثة "ج ي د ش "  وهي الدولة الأم للجنوب العربي وفقا للقانون الدولي وليس غيرها.. أم أنها تبخرت في الهواء وسيلعن التاريخ من أضاعوا دولتنا "الجنوب العربي" بشخطة قلم.

وقبل الأخير على شعب الجنوب العربي أن يصحوا ويختار قيادته الوطنية بنفسه التي تؤمن بمبدأ واحد استعادة دولته "ج ي د ش " فقط وفي الأخير لا مجال للتسوية في استعادة الدولة، لأن التسوية تعني "مقايضة" تنفيذ الاتفاق بعودة الجنوب العربي إلى باب اليمن فقط.
والله من وراء القصد.  
1 - "الأيام" 21 مارس 2024م.
2 - راجع اتفاق الرياض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى