الجنوب ومحاذير التعامل مع العقلية اليمنية

> من الصعب فهم العقلية اليمنية فكثيرون من الإقليم والعالم انخرطوا في الشؤون اليمنية، ويعتقدون بأن اليمن منطقه رخوة يستطيعون التأثير على مجريات الأمور فيها، البعض نجح لبعض الوقت، والبعض الآخر فشل منذ البداية وخرج خاسرًا ولم يتعلم أحد من التاريخ.

داخل الشخصية اليمنية كثافة من التعقيدات غير المفهومة، يبدو للوهلة الأولى بأنها طيعة ولينة، لمجرد إغرائها بصفقات ومصالح شخصية، ولكن تلك الشخصية لمجرد أن تجد مصدرًا آخر أفضل يجود عليها بصفقات ومصالح شخصية أفضل، سرعان ما تغير مواقفها والتجارب السابقة ماثلة للعيان.. مثل هذه العقلية مستحيل تبني دولة، وما يجري اليوم إلا نتاج تلك العقلية.

العجيب في الأمر بأن كل تلك النخب السياسية والقبلية والدينية، بما في ذلك كل قوى الشعب اليمني بتفاصيله المتعددة، إلا من رحم ربي، تقف صفًا واحدًا لمواجهة الجنوب، فلم يستطيعوا تحمل رئيس جنوبي لمدة سنتين، وبالمناسبة هم من اختاره كرئيس توافقي، وسرعان ما تم الانقلاب عليه بطريقة سلسة، وسجنه، وتحولت كل منظومة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية تحت إدارة السيد، ولم يقاومه أحد، وأول عمل قاموا به هو تسيير الجيوش لاحتلال عدن والجنوب تحت حجة مطاردة الدواعش، والهدف اعتقال الرئيس الذي فر إلى عدن وإعادة احتلال الجنوب.

اليوم يقوم الحوثي بتغيير عميق للبنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، ويفرض التوجه الأحادي من جانب واحد على المجتمع، ولا نجد أي موقف أو رؤية سياسية للشرعية، ومن ورائها القوى التي تسمي نفسها وطنية، لوضع المعالجات حربًا أو سلمًا لمواجهة التحولات الخطيرة في صنعاء، واستعادة العاصمة لكنها تستغل تواجدها في عدن لتقوم بتكرار تثبيت وحدة 7/7 عبر:

- تضييق الخناق على معيشة الجنوبيين وتجاهل تضحياتهم منذ العام 94م، وانتصارهم وتحرير الأرض الجنوبية من الغزو الحوفاشي في 2015 وصد غزوة خيبر، التي سيرتها الشرعية من مأرب باتجاه عدن عام 2019.

- تستخدم الدعم الإقليمي والدولي بل بالأصح تبتز هذا الدعم لمساعدتهم على تنفيذ أجنداتهم تجاه الجنوب، وفي نفس الوقت لمساعدتهم بالضغط على الحوثي للامتثال للتسوية.

- تعميق الخلافات الجنوبية الجنوبية، وإن لم تكن هناك خلافات يتم تخليقها بين أوساط الجنوبيين.

- إغراء بعض الجنوبيين بالوظائف وبعض المصالح الشخصية، والسماح لهم بالفساد لتوريطهم بحيث يصبحون أدوات طيعة بيدها.

- استخدام ورقة الإرهاب لإثارة الرعب في بعض المناطق الجنوبية، مع استمرار تنفيذ الاغتيالات للجنوبيين، وهذه سياسة ونهج ثابت منذ بداية الوحدة عام 90م.

- السؤال متى ستتعلم النخب الجنوبية من تلك المهازل التي تحاك ضد الجنوب لفرض واقع ما قبل 2015 في عدن والمحافظات الجنوبية المحررة وتثبيت وحدة 7/7 ؟ متى سيرتفعون إلى مستوى التضحيات التي قدمها شعب الجنوب؟ ومتى سيكفون عن المعارك الجانبية البينية حتى ولو كانت إعلامية؟ ومتى يضعون مصلحة الجنوب فوق أية مصالح أخرى؟ هناك خلل لابد من الاعتراف به ويتطلب معالجات حقيقية، وهذه هي الفرصة المتوفرة حاليًا التي إن ضاعت فلن تعود إلا بعد حين، وبعد مآسي ومعاناة قادمة سيتحملها شعب الجنوب، فالأمر يستدعي مراجعات والبحث في القواسم المشتركة بين النخب الجنوبية في إدارة ملف الجنوب، وتشغيل العقل الجنوبي الجمعي، حتى لا يتم استدراج الجنوب إلى فخ التسوية غير العادلة. لابد من التفريق بين المشاركة في السلطة وبين المهمة النضالية لاستعادة دولة الجنوب، فالمشاركة قد لا تجلب استعادة الدولة الجنوبية، لكنها وسيلة إن تم استخدامها بطريقة صحيحة تخدم الهدف الأساسي، ولن يتم ذلك إلا عبر حشد الإجماع الجنوبي ليتحمل مسؤوليته التاريخية أمام شعب الجنوب والأجيال القادمة، هذه مسائل مطروحة أمام المجلس الانتقالي وكل القوى الجنوبية الأخرى، مطلوب حسمها دون تأخير وإن تعذر الوصول إلى موقف موحد، لا يوجد خيار إلا عودة الجميع إلى شعب الجنوب، عبر أي آلية سياسية، ليضع لهم السقوف التي سيم التفاوض حولها.

- أخطاء الماضي يجب أن توضع في سلة المهملات، وهي معروفه للقاصي والداني، وتكرارها لا يعني إلا تمكين الآخرين للدخول لتوسيع الشقاق بين أبناء الجنوب.

- الشرعية وقوى سياسية وقبلية ودينية يمنية أفشلوا الوحدة وتعاملوا مع الجنوب كأنه أرض بلا شعب، وفي الأخير سلموا الجمهورية لأحفاد الإمامة، ولم يحترموا ضيافة الجنوب وتحولوا إلى حكام لنظام 7/7، من عدن لم يقوموا بتطبيع الحياة في المحافظات الجنوبية المحررة، وشجعوا العديد من المعارك الجانبية بين الجنوبيين، حتى أصبح وضع الجنوب في أسوأ حالة. والهدف هو سحب البساط من تحت أقدام الانتقالي، وإحراق كرته، وإبعاده عن حاضنته الشعبية، وأمام هذا الوضع، من الضروري إعادة النظر في الشراكة التي أصبحت خطرًا على مستقبل الجنوب، عبر التفريق بين الاشتراك في السلطة، وبين تعزيز الجبهة الداخلية كمرجعية جنوبية، وهنا يجب على القوى الجنوبية الأخرى أن لا تقف موقف المتفرج، فهي مستهدفة بشكل مباشر إن تم استهداف الانتقالي، وعليها مسؤولية أن تضع يدها بيد الانتقالي لمراجعة المسيرة النضالية الجنوبية وإعطائها الزخم المناسب، فشعب الجنوب يستحق العيش بكرامة.

- استعادة الأوطان لا تقبل المساومة ولا تضع للتداول بين أيدي قوى تكن العداء للجنوب، فأولى الأولويات ترتيب البيت الجنوبي وتحصينه، والانطلاق بعدها في أي شراكات أو مفاوضات يكون الآخر قد اعترف بحق الجنوب في استعادة هويته واستقلاله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى