أهم معوّقات حل الأزمة الجنوبية (4-4)

>
  • البحث عن الحلول
.لابد من الإشارة هنا إلى أن الغرض من كتابتي لهذا الموضوع الرباعي وتحت هذا العنوان، قبل وبعد كل شيء يهدف إلى الدعوة لكل قادر على التأثير في هذا المجتمع النصف حي من شدة وجعه، للخروج من دائرة التشكي وتكرار وصف أوجاعنا، والانعتاق من تلك الدائرة المغلقة بلا نهاية، للوصول إلى ثلاث حقائق مهمة جدًّا، والاقتناع بهن مثلما يكون الاقتناع المطلق بفكرة أو مبدأ ما، والعمل الجاد من قبل كل المجتمع على تحقيقهن وهنّ:

1. أن حلول كل مشاكلنا السياسية والمجتمعية، لا يمكن أن تأتي كما نريد لها أن تكون، من خارجنا كشعب أو مجتمع، نحن الأكثر إحساسًا بآلامنا ومشكلاتنا والأكثر حرصًا على تأمين مصالحنا المشتركة. وهيهات لأحد أن يدعي بعكس ذلك.

2. أن الطرق السلمية لتحقيق آمالنا ومصالحنا المشتركة، هي أقصر الطرق وأكثرها أمانًا وبالتالي هي الأكثر قدرة على الدفع بحركتنا للتقدم إلى الأمام وتعويض ما فاتنا من أعمال يجب إنجازها باقتدار وقوة في عالم يأكل فيه القوي الضعيف والشواهد على ما نقوله، لا تُعد ولا تحصى من حولنا.

3. أننا الأجدر والأحق أن نتبادل المصالح فيما بيننا أو مع (غيرنا) في إطار تبادل المصالح والمنافع ونحن أقوياء، أكثر مما نفعل ذلك ونحن مصابون بالعياء والضعف، وما الفترة التي مضت علينا إلا مصداقًا لما نقول، فنحن نعيش في عالم لا يعترف سوى بتحقيق المصالح بغض النظر عن وسائل تحقيقها.

هذا الجهد الذي بين أيديكم هو اجتهاد فردي من كاتبه، لكم قبوله أو رفضه أو مناقشته أو الحوار حوله بغية تحسينه لما فيه مصلحة الوطن وناسه. إن أصبت فلي أجر المجتهد، وإن أخطأت فذلك لقلة الخبرة لدى العبدلله، في طرق مثل هذه الأمور، ولحسن نية لديه التي يمكن أن يكون قد ارتكبها عن غير عمد في عالم لا توجد فيه حسن نوايا في أغلب الأحوال. وأعني عالم السياسة.

* انطلاقًا من إيماننا المطلق بحقوق الشعوب في اختيارها لنظمها السياسية والاقتصادية، وبعد تجربة وحدة سياسية غلبها الحماس القومي والوطني المنطلق من معطيات تاريخية معينة، تجاوزتها معطيات الواقع السياسي والجيوبوليتيكي والاقتصادي، على المستويين المحلي والدولي، وبعد التجربة الفاشلة التي مر بها اليمن نستخلص ما يلي:

1) يجب علينا الإقرار كشعب يمني أن تجربة الوحدة اليمنية قد مثلت أسوأ تجربة وحدوية فاشلة، يمكن أن تحدث بين أي دولتين في العالم. وأن علينا إدراك أن هذا الفشل قد ألقى بظلاله على جميع جوانب الحياة، وأن هذا الفشل قد انعكس سلبًا (بلغة الأرقام والاقتصاد) على حياة البسطاء من أبناء الشعب في الشمال والجنوب. إن نسبة تفشي الفقر في أوساط الفئات المجتمعية الوسطى وما فوق الوسطى وكذا قليلي الدخل قد زادت بنسبة رهيبة ومفزعة لكل من لديه ولو نسبة صغيرة من ضمير حي.

2) إن ارتفاع نسب البطالة بين الشباب في سن العمل وكذا ارتفاع نسبة الأطفال ممن يضطرون للعمل نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة تصل إلى واحد من أعلى الأرقام في العالم أجمع، كذلك الحال بالنسبة المؤشرات الوفيات وخاصة في قطاع الأطفال.

3) إن المؤشرات التنموية والاقتصادية للدولتين قبل الوحدة وفي ظل وجود اكتشافات نفطية وغازية بسيطة كانت أعلى قيمة مما أصبح الحال عليه بعد الوحدة واكتشاف كميات كبيرة من الغاز والنفط لم يفصح النظام عن مقدارها لغياب الشفافية لديه، ناهيك عن الثروة السمكية والثروات الطبيعية الأخرى في واحدة من أغنى بلدان الجزيرة العربية، وهو الأمر الذي يفضي إلى تساؤلات من أهمها: إلى أين تذهب موارد البلد ومن يلتهمها؟

4) اتضح لاحقًا ومن خلال رصد المؤسسات الاقتصادية العالمية أن الدولة قد استشرى فيها سرطان الفساد في كل القطاعات وعلى كل المستويات، وانعكس ذلك على قيمة العملة وانخفاض مستوى دخل الفرد وهو ما اسفر إجمالا إلى إعلان اليمن الموحدة، دولة فاشلة. في الوقت نفسه اختفت الطبقة المتوسطة اجتماعيًا وأصبح أقل من 10 ٪ من السكان يسيطرون ويتحكمون ب 90 ٪ من خيرات البلاد. وهذا هو السبب الأساس لثورة فبراير في صنعاء2011.

5) نستشف مما سبق ذكره أن المنظومة السياسية الحاكمة الفاسدة هي المتسبب والذي يجب أن توجه لها أصابع الاتهام في فشل البلاد على كافة المستويات وفي المقدمة المستوى الاقتصادي. وأن ما كان يجب أن يذهب لتحسين حياة المواطنين ذهب لقلة أقل من القليلة من المهيمنين على مقاليد السلطة، الناهبين لثروات البلد. وبالتالي لم يصل خير الوحدة المنتظر، للمواطن البسيط سواء كان شماليًّا أو جنوبيًّا؛ بل استفادت منه ثلة بسيطة من المستفيدين بحكم مواقعهم السلطوية ولا شأن هنا للجهة أو المذهب الذي ينتمي إليه الفاسدون.

6) وجدت اليمن نفسها تحترب بينيا، بعد ثلاث سنوات فقط من تحقيقها للوحدة. لينتصر الطرف الشمالي الأقوى، والذي بيّت للحرب وأعد لها جيِّدًا، ويكتسح الجنوب الأقل سكانًا والأكبر مساحة والأكثر ثرواتا، والذي قدم (دون تحفظ) كل ممكن لإنجازها. ولتتحول بعدها الوحدة الطوعية إلى احتلال وهيمنة عسكرية وسياسية واقتصاديه وإقصائية للشعب الجنوبي في كل المستويات وعلى كافة الأصعدة أسفرت كل تلك الممارسات عن سخط وغضب شعبي عارم انتشر على طول وعرض المحافظات الجنوبية، رافضًا لتلك الممارسات غير السوية (بداية الحراك الشعبي الجنوبي الرسمي 2007).

7) وعلى الرغم من ارتفاع أصوات المثقفين والسياسيين الجنوبيين التي تطالب تصحيح سلمي لمسيرة الوحدة، لم يستمع نظام صالح لتلك الأصوات واستمر في غيه، ليقابل مسيرات الجنوبيين السلمية بأشد أنواع القمع المسلح والاعتقالات غير القانونية والاغتيالات التي طالت أفضل العناصر الوطنية الجنوبية بالقتل المباشر.

8) في تقديرنا المتواضع، أن حل الأزمة الجنوبية بطريقة سلمية عادلة وفقًا لمعطيات التاريخ القريب والتجربة التي مر بها الجنوب من 1990 و حتى 2015 وبموجب القانون الدولي والواقع السياسي المعاش، يمكن أن يشكِّل المدخل السياسي والقانوني لحل الأزمة السياسية الشاملة، سواء في الشمال أو في الجنوب، وبأقل خسائر بشرية ومادية واجتماعية، يمكن أن يتحمل كلفتها الشعبان في الشمال والجنوب لا سمح الله. وأن أي خروج عن حل سياسي لا يرضي الطرف المتضرر بحسب القانون الدولي لن يؤدي إلاّ إلى المزيد من التأزيم للمشاكل الواقعة، والمزيد من العنف والدمار الذي سيدفع ثمنه المواطن في الشمال والجنوب عل حدٍّ سواء وهو الأمر الذي يتوقعه وينتظره الكثيرون ممن يعنيهم الحقد على هذه البلاد وشعبها.

* مما ذكرناه من سرد وتوصيف للأزمة، في الحلقات الثلاث السابقات الماضيات استطيع القول إن ما كتبته ليس سوى تعبيرًا عن وجهة نظر شخصية فردية فليس لي من كيان سياسي أنتمي له، سوى كوني حراكيًا جنوبيًّا يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي كمواطن جنوبي، والأخير الحامل السياسي الشعبي للقضية الجنوبية والذي نرجوه، بل ندعوه إلى أن يقوم بعملية تصحيح شاملة لأدائه السياسي والتنظيمي والتخلص من العاهات التي تسلقت في كيانه، وأصبحت مضرة بل خطيرة على مسيرته كضرورة استحقاقية سابقة لمرحلة أو مراحل هي الأكثر خطورة وأهمية في مسيرته نحو الهدف الذي حدده شعب الجنوب له. من هذه المنطلقات يمكنني أن استخلص النتائج التالية:

a) أن هناك مؤامرات واسعة ومتعددة الأطراف، من الخارج والداخل، تهدف إلى تدمير اليمن، شماله وجنوبه، أرضًا وإنسانًا، وتمزيقه إلى دويلات عدة، أو في أحسن الأحوال وضعه في وضع أشبه ما يكون بوضع الصومال. لذلك فإن على الشعب في الشمال والشعب في الجنوب، وقواهما النخبوية السياسية الوطنية الشريفة أن يعملوا بكل قوة على إفشال هذه المخططات، وعدم ترك المجال للقوى المعادية تعبث بهذا البلد العظيم صاحب التاريخ المجيد، وبمقدراته وإمكانياته، من خلال القبول المتبادل والتعاطي الإيجابي والتنازلات المتبادلة لبعضهما البعض لمصلحة الطرفين أرضًا وإنسانًا، والخروج من عاصفة الأزمات هذه بأقل الخسائر الممكنة.

b) ضرورة توسيع اللجنة الرباعية بأعضاء جدد من الدول العربية والأممية دائمة العضوية، الفاعلة والحريصة على السلم والأمن الدوليين (من دولتين إلى أربع دول). سيما وأن عضوين أمميين من الرباعية هما في حالة حرب مباشرة مع جماعة أنصار الله، الطرف المسيطر على شمال اليمن، نتيجة للغزو الصهيوني وحلفائه على قطاع غزة وهذا في تقديرنا سبب حاسم ومنطقي يدعوا لتوسيع عضوية اللجنة. على أن تعمل اللجنة الموسعة على فتح مفاوضات مباشرة بين الأطراف اليمنية.

c) نزول وفد أممي مشكّل من قبل أمين عام الأمم أو مجلس الأمن وليكن برئاسة مبعوث الأمين العام، لاستطلاع الأوضاع الشاملة في المحافظات الشمالية والمحافظات المحررة عمومًا وتحديدًا المحافظات الجنوبية. ضمن جدول زمني محدد لتقييم الأوضاع السياسية والمعيشية (الاقتصادية) والصحية والتعليمية والأمنية. وترتيب اللقاءات لهم مع الشخصيات الاجتماعية والاعتبارية والأكاديمية والمواطنين ليطلعوا على تفاصيل الأوضاع على الطبيعة ومن السكان مباشرة. وتقدير اتجاهات الحلول المناسبة ورفعها للأمم المتحدة بتكويناتها المعنية.

d) بعيدًا عن الشعارات والرغبات العاطفية للبعض وربما للكثيرين، فليس هناك من مناص من اعترافنا جميعًا بأن الواقع الجغراسياسي (الجيوبوليتيكي) والاقتصادي والعسكري، الموجود اليوم على الأرض المسماة بالجمهورية اليمنية، يؤكد وجود دولتين فعليا (واحدة في الشمال والثانية في الجنوب). هاتان الدولتان مختلفتان في أسسهما ومنطلقاتهما الفكرية والسياسية وحتى في القيمة النقدية لعملتيهما، التي لا يجمعهما سوى اسم الوحدة النقدية. هاتان الدولتان مختلفتان نوعيًا فيما بينهما كل على حدة من جهة، وما بينهما كجهة وما بين نظام دولة الجمهورية اليمنية التي تشكلت من الدولتين السابقتين في الجنوب والشمال. وهذه مسألة لا يمكن المرور عليها دون إعطائها الأهمية اللازمة.

e) على جميع من يتحمل مسؤولية الملف اليمني من كافة المستويات أن يتذكروا بشكل دائم أن الحالة أو الوضع في اليمن لا يشبه الوضع في السودان أو الصومال على سبيل المثال. فنحن نتحدث عن دولتين كانتا عضوين كاملي العضوية في الأمم المتحدة ومنظماتها وفي جامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الدولية.

أتمنى أن أكون قد وفقت بشكل من الأشكال في توصيل وجهة النظر والفكرة أو الأفكار التي أراها حول هذا الموضوع الشائك للقارئ الكريم. والله والوطن من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى