كهرباء عدن بين حكومتين.. من الاستقرار النسبي الى التدهور المستمر

> عدن «الأيام» وحيد الفودعي*:

>
  • حكومة معين وفرت 30% من تكلفة الوقود وبن مبارك  عجز عن توفير سيولة
> يُعدُّ ملف كهرباء عدن من أكثر القضايا الملحّة التي تُثقل كاهل المدينة وسكانها؛ إذ تعاني عدن من أزمة خانقة تضرب جذور الحياة اليومية، حيث أدت انقطاعات الكهرباء المتكررة والطويلة إلى معاناة كبيرة للسكان، وخصوصاً كبار السن والمرضى والأطفال، الذين يعيشون تحت وطأة درجات حرارة عالية وانقطاع التيار الكهربائي المستمر. هذه الأزمة تجاوزت كونها مجرد مشكلة فنية أو إدارية لتصبح أزمة إنسانية تهدد سلامة المواطنين وحقوقهم الأساسية في الحصول على خدمات أساسية.
  • خلفية تاريخية لأزمة الكهرباء
تعود جذور أزمة الكهرباء في عدن إلى عقود مضت، حيث شهدت المدينة تراجعًا مستمرًا في الاستثمارات الموجهة نحو تطوير البنية التحتية الكهربائية. خلال العقود الأخيرة، عانت عدن من توترات سياسية واجتماعية متكررة أثرت بشكل مباشر على قطاع الخدمات، بما في ذلك الكهرباء. إن الحروب المتكررة وانهيار الاقتصاد الوطني أضعفا قدرة الدولة على تمويل مشروعات الطاقة الأساسية. إضافة إلى ذلك، كان لغياب السياسات الحكومية الفعالة واستشراء الفساد تأثير كبير على تدهور البنية التحتية للكهرباء، مما أدى إلى تفاقم الأزمة تدريجيًا.
  • تأثير اجتماعي واقتصادي
لا يمكن الحديث عن أزمة الكهرباء في عدن دون التطرق إلى تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية العميقة. في ظل انقطاع الكهرباء المستمر، تعرضت القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الصناعة والتجارة إلى ضربات موجعة. تراجعت الإنتاجية الصناعية، وأغلقت العديد من المصانع أبوابها، مما أدى إلى فقدان العديد من المواطنين لمصادر رزقهم. كما تأثرت الأعمال التجارية الصغيرة بشكل كبير، حيث أن غياب الكهرباء يعوق قدرة هذه الأعمال على تقديم خدماتها بشكل فعال. إضافة إلى ذلك، زاد الاعتماد على مولدات الكهرباء الخاصة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف التشغيل على أصحاب الأعمال وزيادة الأعباء المالية على المواطنين العاديين.
  • فترة د. معين عبد الملك: استقرار نسبي وسط التحديات
في ظل هذه الأوضاع، تتجه الأنظار نحو إدارة ملف الكهرباء في عهد الدكتور معين عبد الملك، حيث تميزت تلك الفترة نسبيًا باستقرار أفضل مقارنةً بما تعيشه عدن اليوم. لم يكن الوضع مثاليًا حينها، إلا أن الحكومة استطاعت في أسوأ الأحوال الحفاظ على معدل تشغيل للكهرباء أفضل من المعدلات الحالية. في عهد الدكتور معين، كانت الكهرباء تُقطع ثلاث ساعات مقابل ساعتين من التشغيل، وهو ما كان يُعتبر إنجازًا في ظل التحديات الهائلة التي واجهتها حكومته. الدكتور معين أدرك بعمق جذور المشكلة عندما وصف قطاع الكهرباء بـ "الثقب الأسود" الذي يلتهم موارد الدولة، إلا أن ذلك لم يمنعه من السعي الجاد نحو إيجاد حلول حقيقية ومستدامة.
  • عقود الوقود وفورات مستدامة
أحد أهم الإجراءات التي اتخذها الدكتور معين كانت إعادة النظر في عقود توريد الوقود، حيث استطاعت حكومته التفاوض على أسعار أفضل من تلك التي كان يقدمها تاجر النفط أحمد العيسي. هذه الخطوة لم تكن مجرد إجراء عابر، بل كانت جزءًا من استراتيجية حكومية أوسع لتحقيق وفورات مالية دائمة. ونتيجة لذلك، تمكنت الحكومة من توفير 30 % من تكلفة الوقود، وهي وفورات لم تكن مؤقتة بل استندت إلى تحسين إدارة الموارد وإجراء مفاوضات فعالة.
  • فترة بن مبارك والتدهور الكبير
على النقيض من ذلك، تأتي فترة الدكتور بن مبارك، حيث شهدت المدينة تدهورًا غير مسبوق في خدمة الكهرباء. رغم الادعاءات بتحقيق وفورات بنسبة 30% من خلال التفاوض مع موردين جدد، إلا أن هذه الوفورات لم تكن مستدامة على الإطلاق. الفارق الجوهري هنا هو أن الحكومة في عهد الدكتور بن مبارك اعتمدت على الدفع النقدي الفوري للحصول على الوقود، مما قلل من تكاليف المخاطر بالنسبة للموردين، ولكنه كان حلاً مؤقتًا وغير قابل للاستمرار. هذا النهج أدى إلى تفاقم الأزمة بدلًا من حلها، حيث عجزت الحكومة عن توفير سيولة نقدية مستمرة، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء لساعات طويلة تفوق بكثير ما كان عليه الوضع في عهد الدكتور معين ووصلت ساعات الانقطاع الى أكثر من 18 ساعة مع بداية الصيف.
  • تأثير السياسات المؤقتة
عند النظر بتمعن إلى الادعاءات التي طرحتها الحكومة خلال فترة الدكتور بن مبارك، نجد أن تحقيق وفورات بنسبة 30% من خلال التفاوض مع موردين جدد لم يكن إلا حلًا قصير الأمد لمشكلة تتطلب استراتيجيات بعيدة المدى. رغم أنه قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الإجراء يمثل نجاحًا اقتصاديًا، إلا أن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة تمامًا. الاقتصاد القائم على الدفع النقدي الفوري قد يعزز من موقف الحكومة التفاوضي في المدى القصير، لكنه يعرضها لخطر عدم الاستدامة في المدى الطويل. فبمجرد أن تواجه الحكومة ضغوطًا مالية أو نقصًا في السيولة، تصبح عاجزة عن الاستمرار في هذا النمط من التعامل، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع بدلًا من تحسينها.

بالإضافة إلى ذلك، الاعتماد على هذه الوفورات المؤقتة أهمل الجوانب الأساسية الأخرى المتعلقة بالاستثمار في البنية التحتية للكهرباء وإدارة الموارد بكفاءة. بدلاً من توجيه الجهود نحو إصلاح جذري للنظام الكهربائي والتعامل مع المشاكل الهيكلية، تم التركيز على توفير حلول سريعة تخفف من حدة الأزمة بشكل مؤقت فقط. هذا النهج أسفر عن نتائج كارثية على المدى الطويل، حيث عادت الأزمة بقوة أكبر مع تزايد ساعات الانقطاع وتراجع جودة الخدمة إلى مستويات غير مسبوقة.
  • حلول مستدامة
في ضوء الأزمة المستمرة، تزداد الدعوات بين المواطنين والخبراء بضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لمعالجة أزمة الكهرباء في عدن. الحلول المؤقتة لم تعد كافية، ويجب على الحكومة الحالية تبني استراتيجيات مستدامة تعتمد على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة إدارة الموارد، وتفعيل الرقابة الصارمة على الفساد. كما يجب على المجتمع الدولي والمؤسسات المانحة أن تلعب دورًا أكبر في دعم مشروعات الطاقة في عدن، نظرًا لأهمية استقرار الكهرباء في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  • الفساد عقبة أمام الحلول
الفساد المستشري في قطاع الكهرباء يظل العامل الأكبر الذي يُعطل أي جهد لتحسين الوضع. ورغم تصريحات الدكتور بن مبارك المتكررة حول مكافحة الفساد، إلا أن الواقع يثبت أن تلك الجهود لم تثمر عن نتائج ملموسة، بل على العكس، تصاعدت الأزمة وازدادت معاناة المواطنين، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية في المدينة.
  • المقارنة بين حكومتين
خلال فترة الحرب، شهدت عدن تبدلاً مستمرًا في الإدارات الحكومية، وكل إدارة تعاملت مع أزمة الكهرباء بطرق مختلفة. ومع ذلك، يظل من الواضح أن فترة الدكتور معين عبد الملك تُعد من الفترات التي شهدت تحسنًا نسبيًا في ملف الكهرباء مقارنة بالفترات الأخرى. هنا، يجدر المقارنة بين النهج الذي اتبعه الدكتور معين عبد الملك في معالجة الأزمة والنهج الذي اتبعه الدكتور بن مبارك. في حين ركز الدكتور معين على الاستدامة والبحث عن حلول طويلة الأمد، نجد أن إدارة الدكتور بن مبارك اعتمدت على الحلول السريعة والمؤقتة التي لم تُسهم في تحسين الوضع بل أدت إلى تدهوره. هذه المقارنة تسلط الضوء على أهمية الإدارة الفعالة والرؤية الاستراتيجية في معالجة الأزمات الوطنية.
  • خلاصة
إن تحليل هذا الوضع يقودنا إلى استنتاج أن إدارة ملف الكهرباء في عهد الدكتور بن مبارك لم تكن فقط غير فعالة، بل إنها فشلت في تقديم أي حلول جوهرية. بدلاً من معالجة الأزمة، زادت تعقيدًا، مما جعل حياة المواطنين أكثر صعوبة وتعقيدًا. لا يمكن النظر إلى الوفورات المؤقتة التي حققتها الحكومة الحالية على أنها إنجاز، بل يجب أن تُعتبر إشارة إلى الفشل الإداري وتفاقم الأزمة.

ختامًا، بات من الضروري على الحكومة أن تتخذ خطوات جذرية لمعالجة أزمة الكهرباء في عدن. لا يمكن الاستمرار في سياسة الحلول المؤقتة التي أثبتت فشلها مرارًا وتكرارًا. يجب إعادة النظر في الاستراتيجية المتبعة، محاسبة المتسببين في تفاقم الأزمة، والبحث عن حلول مستدامة وفعالة لضمان توفير الخدمة بشكل مستقر ومناسب للمواطنين. آن الأوان لاتخاذ خطوات حقيقية لإنقاذ عدن من هذه الأزمة المستمرة التي تُهدد كل جوانب الحياة فيها.

* باحث ومحلل اقتصادي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى