التحديات والصعوبات.. ورقة عمل عن دور نقابة المحامين حول حقوق الإنسان

> المحامي/ جسار فاروق مكاوي:

>
  • الصراعات السياسية والأمنية تؤثر بشكل مباشر في تعزيز وحماية حقوق الإنسان
ملخص

انطلاقاً من العنوان لهذه الورقة الرئيسية أستطيع الجزم من دون مواربة بوجود صلة وثيقة جامعة شاملة بين مهنة المحاماة العريقة وحقوق الإنسان لا انفصام بها، فهي وحدة واحدة تتوازن معها وفقا لمتطلبات الواقع والمحيط الذي نعيشه.
  • لمحة تاريخية موجزة
في تلك الفترة من تاريخ عدن كمستعمرة بريطانية عند احتلالها لشبه جزيرة عدن وفي العام 1841م لم يكن هناك محامون، كان المدعي والدفاع وهو الشخص صاحب المظلمة يتواجهون داخل المحكمة وكل منهما يدلي بأقواله، وكان يُبت في القضية خلال دقائق، ونظراً للأمية المنتشرة في البلاد في تلك الفترة، لم يكن من الضرورة تقديم الدعاوى كتابياً أمر هام، ولكن في العام 1873م، ونظراً لازدياد أعداد المتعلمين في أوساط المجتمع في عدن، أصبح أمراً ضرورياً تقديم الشكاوى كتابياً، وفي العام 1874م أصبحت عدن مقاطعة مستقلة قضائياً وتعمل بقانون عدن (Aden Act) المنبثق من قوانين حكومة بومباي.
  • المدخل
لا شك أن التحديات جمة في مواجهة العديد من القضايا التي تعترض سبيل أي مهنة أو حلول أو مسارات معينة، لكن بالتصميم والإرادة نستطيع اجتياز تلك الحواجز التي تعمل على خلق الصعوبات وتتشكل منها عوائق تقوض من تلك المهام التي تضطلع بها مهنة المحاماة، وعندما نستعرض الأدوار النقابية للمحامين فهي عديدة لكنها تحمل ذات الهم المشترك الذي يمكن لأي مجتمع أن يعاني منه أو ينشغل فيه ومن حوله وهو (الحق) و(الإنسان)، فالأول ثابت والثاني خلق بطبيعته وولد معه وهي الفطرة السليمة والبشرية التي يحملها معه أينما ذهب وحل، والنقابات المهنية ومنها نقابة المحامين في عدن والجنوب عامة التي تعد إحدى أهم النقابات التي ترتبط وتتعايش مع هموم ومشاكل الناس في كل وقت وحين، والوقوع في مشكلة لإنسان ما تقوده بالضرورة للبحث عن منقذ له يعينه على الخروج منها وتجاوز الأمر إما بشكل نهائي أو بأخف الضرر سواء كان ماديا أو معنويا.
  • دور نقابة المحامين
إن حماية حقوق الإنسان هي من أولويات مهنة المحاماة وهي مسؤولية ملقاة على عاتقها وهدف يظل ملاحقا في استمرارية لضمان عدم الوقوع فيه. تلك مهمة أساسية نص عليها قانون المحاماة رقم (31) لسنة 1999م بشأن تنظيم مهنة المحاماة.

مادة (4): تضطلع مهنة المحاماة بالأهداف الرئيسية التالية:

1 - العمل على تطبيق القوانين من خلال المساهمة مع أجهزة القضاء والنيابة العامة في إرساء وتثبيت سيادة القانون وعدالة التقاضي والدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان.

2 - المساهمة مع أجهزة القضاء والنيابة العامة من اجل تيسير سبل العدالة وتبسيط إجراءات التقاضي وإزالة العراقيل والتعقيدات أمام المتقاضين.

3 - نشر الوعي القانوني وتطوير الفكر القانوني والمساهمة في تطوير التشريع.

4 - العمل على تحقيق ضمان حرية ممارسة المهنة لتحقيق العدالة.

5 - تقديم المساعدة القضائية لغير القادرين.

6 - تثبيت وتطوير تقاليد ممارسة المهنة.

7 - الدفاع عن مصالح النقابة وإعداد وتدريب أعضائها وتقديم الخدمات اللازمة لهم وتنظيم معاش الشيخوخة والعجز والوفاة بما يتفق والقوانين النافذة.

8 - التعاون مع النقابات المهنية والمنظمات المماثلة في الداخل والخارج في سبيل تبادل الخبرات ونصرة قضايا الحرية والعدالة والسلام.

لذلك، فإن مهنة المحاماة تعد عملا أصيلا وشريفا وإنسانيا في المقام الأول لأنها عنصر من عناصر يتكامل فيها تشكيل المجتمع والحث على تنمية قدراته وحماية حقوقه المشروعة التي أكدت عليها جميع المواثيق الدولية مثل: (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني ومناهضة كل أشكال التمييز، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحق في الحصول على التعليم السليم والمهارات الحياتية والمبادئ التوجيهية للمحامين) وهناك العديد من المدونات القانونية الدولية والخاصة التي تعمل على استشراف وتطوير نظم العمل في هذا المجال.
  • التحديات والصعوبات
واجهت نقابة المحامين عموما والمحامون خصوصا تحديات ومصاعب جمة تشكلت أمام تنفيذ مهامهم وكانت بمثابة حاجز سد طويل، خارت فيه قوى البعض واستمد الآخرون قواهم من مهنتهم للاستمرار في التغلب على ذلك الحاجز والسد المنيع ألا وهو جهات إنفاذ القانون الذين لا يمكن أن يحقق هذا الأداء من قبل النقابة دورا أو نجاحات إلا بالتكامل مع جهات إنفاذ القانون، ويلعب الوعي بتلك الحقوق الطريق الأمثل والوسيلة الفضلى في تعزيز المفاهيم الأساسية بين أوساط المجتمع ككل، ولا شك أن تقييم ذلك هو عمل مستمر ونهج لا بد من الأخذ به لتطوير الأداء في كل مرحلة يقبل فيها جيل جديد من المحامين من الجنسين.

إن دور نقابة المحامين في تعزيز حقوق الإنسان نستطيع أن نوجزه أيضا من خلال الآتي:

1 - التدريب والتثقيف: الإعداد لبرامج تدريبية لتأهيل المحامين في مجال حقوق الإنسان وتنظيم ورش عمل ومحاضرات حول حقوق الإنسان.

2 - الدفاع عن حقوق الإنسان: تقديم الدعم القانوني للأفراد الذين تتعرض حقوقهم للانتهاك والدفاع عن قضايا حقوق الإنسان في المحاكم.

3 - التعاون مع المنظمات الحقوقية:

التنسيق مع المنظمات المحلية والدولية لتعزيز حقوق الإنسان والمشاركة في المبادرات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وعلى نقابة المحامين العمل على أن تكون هادفة في تنفيذ مهامها ومستقلة دون تحيز إلا في الحقوق والواجبات العامة والخاصة والدور الذي تلعبه في تحقيق مفهوم العدالة التصالحية والحد من الانتهاكات الماسة بالحق الإنساني والتنسيق الدائم مع مختلف الجهات ذات العلاقة والصلة بأعمالها وأنشطتها وتحقيق أهدافها.

التحديات التي تواجه نقابة المحامين في عدن والجنوب عامة تبرز لنا عدة تحديات أهمها:

1 - التحديات القانونية والإجرائية: صعوبات في تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان.

2 - نقص في الموارد والتمويل.

3 - الضغوط السياسية والاجتماعية: لا شك أن تأثيرات الصراعات السياسية والأمنية ينعكس بشكل مباشر على عمل النقابة ودورها المنوط بها في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتعد الضغوط الاجتماعية والمجتمعية سببا مباشرا تؤثر على استقلالية النقابة.

4 - نقص التدريب والموارد: عدم كفاية البرامج التدريبية المتخصصة في حقوق الإنسان وقلة الموارد المخصصة للبحث والتطوير في هذا المجال.

إن استقلالية مهنة المحاماة نقطة رئيسية ومهمة لمسار عمل طويل ودور فعلي من خلال الالتزام بآداب المهنة واحترامها من قبل المجتمع ككل والمحامي بشكل خاص، كذلك تضطلع النقابة بمسؤولياتها ومهامها في متابعة القضايا والشكاوى الماسة بأعضائها انطلاقا من قانون المحاماة، وتعرض العديد من الزملاء المحامين والمحاميات لانتهاكات ماسة في صميم المهنة أثناء مزاولتهم لها أمام جهات إنفاذ القانون أو القضاء وهو ما أشارت إليه وثيقة صادرة من رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي الفاضل (ناظم باوزير) بهذا الشأن وتوجيهه إلى كل القضاة والنيابات العامة والمتخصصة بعدم إهانة أي محام والسماح لهم (مزاولة المهنة وفقا لقواعد وضوابط قانون المحاماة) ومتابعة قضايا موكليهم أمامهم بحرية كاملة، ولا شك أن الأحداث في اليمن بشكل عام فرضت شكلا آخر للعمل النقابي، حيث أصبح هناك نقابتين عامتين، نقابة عامة في صنعاء تحت سلطة الأمر الواقع في الشمال وهي ضمن العديد من النقابات المهنية الأخرى التي تقع تحت سلطة الحوثيين، والأخرى في عدن والمناطق المحررة خصوصا في الجنوب، لذلك عملت النقابة على إعادة ترتيب أوراقها وتنظيم مهام أنشطتها وفقا لذلك المستجد، كما أن للنقابة دورا بارزا عبر عدد من منتسبيها في لقاءات مهمة دعا إليها فريق الحوار الوطني الجنوبي وهو أحد هيئات المجلس الانتقالي الجنوبي، واللقاءات المتعددة مع مختلف الجهات والمكونات والنقابات المهنية والأهمية التي يكتسبها الحوار الوطني الجنوبي عبر الاستفادة من وجود القانونيين في صياغة مشروع الميثاق الوطني الجنوبي، وجلسات الحوار، بحكم أنهم الأكثر قرباً من تحكيم النزاعات وحلها ومعرفة ظروف الناس وضرورة حماية مهنة المحاماة وتوفير الحصانة لمنتسبيها كما هو متعارف عليه، مؤكدين على أهمية الحفاظ على النظام والقانون.
  • التوصيات
توصي هذه الورقة إلى الجهات ذات العلاقة والصلة العمل على تحقيق الآتي:

1 - يوصي اللقاء التشاوري بضرورة احترام مهنة المحاماة وتعزيز دور النقابة مع شركاء العمل المدني عبر الدعوة إلى توسيع دائرة المشاركات والمنح في مجال تطوير المهنة.

2 - يوصي المجتمعون في اللقاء التشاوري بإنشاء معهد عالي للمحاماة بعدن يتبع نقابة المحامين ويكون رافدا حقيقيا للمجتمع.

3 - اعتماد الحوار وسيلة مثلى وفضلى في تعزيز التعاون بين مختلف شرائح المجتمع المدني في عدن والمناطق المحررة خصوصا الجنوب وأن الحوار قيمة حضارية تعزز من هذه الشراكة بما يحقق الأمن والسلم الاجتماعي.

4 - الدعوة إلى توسيع نطاق الحملات التوعوية وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان ومواءمة ذلك مع المبادئ الوسطية التي نادت بها الشريعة الإسلامية.

5 - رفض وإدانة المساس بالحقوق والحريات الأساسية ومنع انتهاكاتها ومحاسبة الفاعلين وتقديمهم للعدالة.

6 - العمل على تطوير منظومة الإجراءات القانونية اللازمة لتحقيق الحماية القانونية للعاملين في المهنة من المحامين والمشتغلين بها في الوظائف العامة وفقا لقانون قضايا الدولة وجداول نقابة المحامين بشكل متوازٍ.

7 - يوصي اللقاء التشاوري بعدن حول دور نقابة المحامين في تعزيز وحماية حقوق الإنسان بضرورة تسهيل دور المحامين أمام جهات إنفاذ القانون والقضاء والنيابة وتمكينهم من القيام بالدور المنوط بهم تحقيقا للعدالة والمساواة والمبادئ التوجيهية للمحامين ونستطيع أن نوجز التوصيات في الآتي:

1 - تعزيز البرامج التدريبية من خلال تطوير برامج تدريبية متخصصة في حقوق الإنسان لجميع المحامين وزيادة التعاون مع الأكاديميات والمنظمات الحقوقية الدولية.

2 - تحسين الدعم المالي والموارد من خلال العمل على تأمين تمويل مستدام لدعم الأنشطة المتعلقة بحقوق الإنسان وتعزيز الموارد المتاحة للنقابة لتحسين قدراتها في الدفاع عن حقوق الإنسان.

3 - تعزيز التعاون والتنسيق من خلال إنشاء شراكات استراتيجية مع المنظمات الحقوقية والجهات الحكومية وتعزيز التعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمؤسسات الدولية الأخرى.

4 - دعم القوانين والتشريعات: العمل على تطوير وتحسين القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان وتقديم مقترحات لتعديل التشريعات بما يعزز حماية حقوق الإنسان.

السادة المحترمون، في ختام هذه الورقة التي أتمنى أن تكون ذات فائدة وقد حملت معها شرحا عاما ولو موجزا عن دور نقابة المحامين بعدن، اسمحوا لي أن أورد بعض الاقتباسات الملهمة عما قيل عن المحاماة:

مهنة المحاماة هي واحدة من أكثر المهن إشراقًا وتحديًا في مجال القانون، وقد قيلت العديد من الكلمات الجميلة التي تصف جمال وأهمية هذه المهنة: إن المحامي هو صوت للصَّامتِ، وسلاّح للضَّعِيفِ، يُسعِفُ ليستطيع توجيه حق طائش عابر.

إن المحامي هو شخص يبادر باستخدام جميع سبل القانون لتصوير خطأ مزعج بشكل جذاب.

ويضاف إلى هذا قول آخر: "إن المحامي هو شريك في العدالة، رمزٌ طفولي يسعى إلى تطبيق الديمقراطية بروح نبيلة". تظهر هذه العبارات أهمية مهنة المحاماة وتأثيرها في تحقيق العدالة من خلال التصوير المثير والدافع الطفولي لحماية الضعفاء وإصلاح الظلم.

إذا كانت مهنة المحاماة هي فن الخطابة، فإن المحامي يجب أن يكون رسّامًا لصورة قانونية مشرِّفة.. المحامي يسارع في استخدام سبل القانون لإبراز الخطأ بشكل جذاب، والمحامي شريك في رسم خطى انطلاقة دولة حق وخلاصة ديمقراطية. تعكس هذه العبارات تفاني المحامين في التصدي للظلم وتضاف إلى قائمة طويلة من الردود التي تؤكد أهمية دور المحاماة في بناء مجتمع عادل وديمقراطي يسعى جاهدًا لإظهار الحقيقة والخطأ في سبيل تأمين حقوق المجتمع والفرد.

أشكر الجميع على حسن الاستماع وسعة الصدر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى