دول مجلس التعاون الخليجي تبني تحالفات مالية ودبلوماسية جديدة

> "الأيام" العرب اللندنية:

> ​على مدى السنوات العشرين الماضية، غيرت العديد من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تركيزها على تصدير الطاقة لاستهداف الاقتصادات الناشئة في آسيا، وخاصة الصين والهند، التي شهدت زيادات كبيرة في الطلب على النفط والغاز.

وبالإضافة إلى ذلك، قامت دول مجلس التعاون الخليجي بزيادة وارداتها من مناطق مثل شرق وجنوب وجنوب شرق آسيا. ويشكل هذا التغيير في أنماط التجارة جزءا من تحول أوسع نطاقا.

ويقول ألكسندر كاتب، وهو خبير اقتصادي ومحلل مالي معتمد، في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط، إن دول مجلس التعاون الخليجي الرائدة، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تعتمد تقليديا على الغرب من أجل الأمن، لكنها الآن تقوم بتوسيع تحالفاتها الجيوسياسية.

وتبدو دول مجلس التعاون الخليجي حريصة على مواصلة تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي في المعاملات التجارية والأصول الدولية. وفي موازاة ذلك، فإنها على استعداد لتعزيز علاقات مالية أوثق مع دول البريكس إذ تمثل هذه التغييرات فرصا جديدة.

  • إعادة توجيه نحو الشرق

في السنوات الأخيرة، أعادت دول مجلس التعاون الخليجي موازنة صادراتها النفطية، مبتعدة عن الغرب ومتجهة بشكل متزايد نحو آسيا الناشئة. وقد تأثرت عملية إعادة التوازن لصادرات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي بعوامل مختلفة، بما في ذلك الطلب المتزايد على الطاقة من قبل الصين والهند، وتعميق العلاقات السياسية والاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول الآسيوية، وزيادة الاكتفاء الذاتي في إنتاج النفط من جانب الولايات المتحدة وأوروبا وكندا، وانخفاض الطلب على النفط من أوروبا الغربية.

وتستوعب آسيا ككل الآن أكثر من 70 في المئة من إجمالي صادرات النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي، وتمثل الصين وحدها 20 في المئة.

وبحلول عام 2023، أصبحت الهند بالفعل ثاني أكبر مستورد صاف للنفط الخام في العالم بعد الصين، بعد أن زادت وارداتها بنسبة 36 في المئة على مدى عقد من الزمن لتلبية الاستهلاك المتزايد لمصافي التكرير.

واليوم، تستوعب الدول الأعضاء في رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، والتي تضم الهند، 15 في المئة من إجمالي صادرات دول مجلس التعاون الخليجي من النفط والغاز.

ومن المتوقع أن تظل آسيا أكبر متلق لصادرات النفط الخليجية في المستقبل المنظور. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تصبح الهند أكبر مصدر للطلب العالمي على النفط.

ونمت التجارة غير النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا بوتيرة ثابتة، لاسيما في جانب الاستيراد. ويعكس هذا الاتجاه العالمي الذي تقوم بموجبه الدول بزيادة وارداتها من آسيا، وخاصة الصين، التي أصبحت أكبر شريك استيراد لدول مجلس التعاون الخليجي.

في قمة البريكس+ التي انعقدت في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا في أغسطس 2023، تمت دعوة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للانضمام إلى المنظمة الحكومية الدولية.

ومن المتوقع أن تستفيد دول مجلس التعاون الخليجي ككل من انضمام أبرز أعضائها إلى مجموعة البريكس+، نظرا لتوسع الأخيرة ودورها المتنامي داخل مجموعة العشرين كقوة موازنة لكتلة مجموعة السبع.

ومن الممكن أن يمنح هذا التطور المزيد من المصداقية والنفوذ لمجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه في تشكيل الأجندات الاقتصادية والسياسية العالمية.

لدى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أسباب فريدة للسعي للحصول على عضوية البريكس+.

وفي حين أن اقتصاد دولة الإمارات قد لا يكون لديه اقتصاد بقيمة تريليون دولار، فإن دعوتها للانضمام إلى مجموعة البريكس+ هي شهادة على مكانتها كمركز تجاري عالمي، إذ تلعب البلاد دورا محوريا في مجالات الطاقة والتجارة والتمويل الدولية.

وبالنسبة للسعودية، فإن الانضمام إلى مجموعة البريكس+ سيعني التحول من كونها متحالفة في المقام الأول مع الولايات المتحدة إلى أن تصبح قوة إقليمية مستقلة.

وقبلت الإمارات العربية المتحدة دعوة الانضمام إلى منظمة بريكس+، في حين لم تقبلها السعودية أو ترفضها رسميا.

وإذا بدأت دول مجلس التعاون الخليجي في الانضمام إلى البريكس+، فإن هذا من شأنه أن يساعد الأخيرة في سعيها المعلن لإنشاء بديل للدولار الأميركي باعتباره العملة العالمية الرائدة في نهاية المطاف.

ومن المحتمل أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة توجيه بعض احتياطياتها المالية الكبيرة بعيدا عن الدولار لدعم اتحاد المقاصة لمجموعة البريكس+، وفي نهاية المطاف، عملة البريكس+.

ورغم أن مثل هذه العملة تظل احتمالا بعيد المنال، فإن تحقيقها قد يؤدي إلى تحويل المشهد المالي العالمي.

وفي الأمد القريب، يتمثل الهدف الأقل طموحا من جانب مجموعة البريكس+ في إنشاء نظام مدفوعات ذاتي الجملة والتجزئة بين أعضائها، وهو النظام الذي يستخدمون فيه عملاتهم الخاصة بدلا من الاعتماد على الدولار في التحويلات بين العملات المحلية.

ويعكس هذا التجارب السابقة لاتحادات المقاصة الدولية، مثل اتحاد المدفوعات الأوروبي، الذي سعى بنجاح في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى تسهيل المقاصة التجارية والتسوية بين الدول الأوروبية المعنية مع تقليل الاعتماد على سيولة الدولار.

  • التركيز على الغرب يتضاءل

بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية وما تلاها من استخدام الدولار كسلاح من خلال فرض قيود شاملة على وصول النظام المصرفي الروسي إلى السيولة بالدولار وتجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي من الدولار واليورو، أصبحت أجندة التخلص من الدولرة أكثر أهمية للعديد من البلدان.

وإذا لم يتم إحراز تقدم على مستوى مجموعة العشرين في إنشاء عملة احتياطية دولية حقيقية، كما تم النظر فيه لفترة وجيزة في أعقاب الأزمة المالية في الفترة 2007 – 2008، فإن الدافع لدى مجموعة البريكس+ لإنشاء نظام الدفع والمقاصة الخاص بها سيكون أكبر.

ويتزامن اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بمثل هذا النظام مع تحركاتها الأخيرة نحو تسوية دفع شحناتها من النفط والغاز إلى الصين والهند بالرنمينبي الصيني (الذي يشار إليه غالبا باليوان) والدرهم الإماراتي.

وفي ضوء كل هذه التطورات، فإن السؤال المهم الذي يجب معالجته هو التطور المحتمل للنظام النقدي لسعر الصرف الذي تستخدمه دول مجلس التعاون الخليجي.

وباستثناء الكويت، التي أعادت تأسيس نظام التعويم الموجه في عام 2007، فإن دول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى هي من بين الدول القليلة في العالم التي لا تزال مرتبطة رسميا بالدولار الأميركي.

ويمكن القول إن هناك بعض المزايا المرتبطة بالحفاظ على هذا الربط، لأنه يوفر الاستقرار والرؤية للمستثمرين، ولكنه يقيد أيضا خيارات السياسة النقدية ويحد من قدرة الدولة على الاستجابة بفعالية للظروف الاقتصادية المحلية والخارجية المتغيرة.

وعلى مدى عقود، تمتعت دول مجلس التعاون الخليجي بعلاقة مميزة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن النخب السياسية والاقتصادية الجديدة في هذه الدول أصبحت الآن أكثر حزما ووعيا بالمشهد العالمي المتغير.

وحتى في حين تسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، فإنها تدرك تمام الإدراك تحول العالم بعيدا عن الأحادية القطبية.

ويرى ألكسندر كاتب أن القيود المفروضة على الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي لم تتطور إلى تحالف عسكري كامل أو اتفاقية أمنية، إلى جانب فهم أن الأمن الإقليمي يجب أن تتم إدارته من قبل الجهات الفاعلة المحلية نفسها، تدفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة النظر في تحالفاتها الدبلوماسية وسياساتها الاقتصادية.

وقد تمكنها علاقتها المتنامية مع مجموعة البريكس+ من المشاركة في تشكيل أدوات تجارية ومالية جديدة يمكن أن تحل في نهاية المطاف محل النظام النقدي والمالي الدولي القائم المدعوم بالدولار.

ومع ذلك، هناك مخاطر مرتبطة بمثل هذه الخطوة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتأثير الجيوسياسي والاقتصادي المحتمل. وبينما تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على تنويع اقتصاداتها تحسبا لعصر ما بعد النفط، فإنها سوف تحتاج بشكل متزايد إلى واردات التكنولوجيات المتقدمة الحالية والتطوير المشترك لتقنيات جديدة. إن التطور الجيوسياسي العالمي نحو موقف أكثر تصادمية، مع مواجهة كتلة غربية وغير غربية على المستوى الدولي، يمكن أن يشكل تهديدا لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي إذا اضطرت هذه الأخيرة إلى اختيار أحد الجانبين. في مثل هذا السيناريو المواجه للمواجهة العالمية، قد يكون من المفيد لهذه البلدان أن تحول جهودها نحو تعزيز التعاون والتكامل الإقليميين، والمشاركة بشكل أكثر نشاطا في تشكيل الاتفاقيات الأمنية الإقليمية الداخلية، وتبني سياسة الانحياز المتعدد على المسرح العالمي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى