​خفايا المشهد العبثي في جنوب اليمن

> شيماء منير مطر:

> تتسارع أحداث المشهد في جنوب اليمن على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي، ويزداد الانخراط الدولي والإقليمي في أحداث هذا المشهد العبثي، وتظهر بين كل ذلك تحليلات وقراءات سياسية قد توهمك بتحليل نهائي للمشهد، بينما هناك خبايا وكواليس غير معلنة يمكن أن تكشف عن جانب من خلفيات تصرفات الكثير من المشاركين في صناعة هذا المشهد العبثي.
فلا يوجد زمن منفصل عن زمن، وكل حلقات أحداث المشهد تدور في نهر يدفعك إلى أن تصل إلى حقيقة مصلحة أشخاص في إقصاء الرجال الوطنيين من جنوب اليمن.
  • لفهم المشهد العبثي
روايات كثيرة تداولت حول غياب اللواء أحمد سعيد بن بريك عن المشهد، منها أنه مسافر إلى الخارج من أجل العلاج، رغم أن هذا الرجل لم يترك بلاده يوما مهما اشتد عليه التعب، ولا بد أن وراء هذا الغياب تفاصيل غير معلنة، ولكن من يتتبع تصريحات "بن بريك" الأخيرة يتوصل إلى الرواية الحقيقية، كما أن التعمق في الرسائل خلف تصريحاته الأخيرة يمكن أن نفهم طبيعة المشهد العبثي في جنوب اليمن.

ولفهم كل هذا علينا أن نعود إلى تصريحات "بن بريك" على هامش فعاليات الجمعية الوطنية العام الماضي الذى تحولت لأشبه بانتفاضة شعبية تجسد سلطة الشعب وحقه في تقرير مصيره، حين قال: "هنقلب الطاولة" في الإشارة ضمنيا إلى استمرار اللعب بتطلعات الشعب الجنوبي الذى عانى لسنوات ومازال يعاني.

حين أشار إلى أن هناك اتفاقات تجرى من أسفل الطاولة بين حزب الإصلاح - ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن- وبين جماعة الحوثي، مهددا بتحرير وادى حضرموت وبأي ثمن.
وعند متابعة تصريحات "بن بريك" تستطيع أن تفهم الجوانب الخفية والتفاصيل غير المعلنة عن سبب إبعاده عن المشهد وفهم طبيعة ما يحدث في جنوب اليمن، فمن خاف قلب الطاولة؟ ومن خاف من إفشال الخطط التي تبرم تحت الطاولة على حساب الشعب؟.
التصريحات لم تعجب خليطا من المستفيدين من استمرار اللعبة المتكررة ضد الشعب في اليمن، والذين يسعون إلى تنصيب شخصيات على كراسي باسم الشرعية وهم لا يمثلون الشعب ولا يعملون لصالح استقرار البلاد.
  • خيوط المؤامرة
ولا يمكن متابعة تطورات ما يحدث في اليمن إلا وأن تجد مسرحية ليلى والمجنون حاضرة أمامك، وخاصة حين سأل والد ليلى قيس: "جئت تطلب نارا أم جئت تشعل البيت نارا؟".
فمن المفترض أن الدول التي تدخلت بهدف حل السلام في اليمن تأتي لتقدم نارا تضيء الطريق لشعب عانى لسنوات، لا أن تأتي لتحرق الشعب وتضرب بتطلعاته وأحلامه عرض الحائط.
ولا يبدو أن بعض هذه الدول أنارت طريقا أو أخمدت نارا، فالطريق ينيره أبناء الشعب أنفسهم عندما يمتلكون قراراهم في اختيار مصيرهم، وعندما يمتلكون القرار في اختيار من يمثلهم على رأس الشرعية.
فالتاريخ أثبت أن الطريق إلى استقرار البلاد ينيره أبناء البلد أنفسهم في حكم أنفسهم، لا بتدخل خارجي يربك المشهد ويزيده عبثية.
لم يخطئ "بن بريك" عندما نوه بأن صبر الشعب قارب على النفاد حين أشار إلى أن شعبه يحترم ويلتزم الاتفاقيات التي تجري تحت إشراف دولي، ولديه سياسة النفس الطويل في الصبر قائلا: "انتظرنا 8 سنوات ولكن ليس بمقدورنا الانتظار 8 سنوات أخرى".
فلا يخفى على الجميع أن هناك دولا تنفخ في نار عدم الاستقرار في اليمن كلما لاحت أي فرصة لوقفها، وتقذف بالمزيد من الوقود كلما ظهر أي قادة سياسيين مخلصين قادرين على كسب ثقة الشارع الجنوبي.
فلا يخفى على الجميع أن رغم إبرام العديد من الاتفاقات والمشاورات التي دارت في السعودية وجمعت كل الاطراف بما فيها جماعة الحوثي الإرهابية، إلا أن السلام والاستقرار لم يصل إلى اليمن حتى اليوم.
فعلى الرغم من إعطاء الشرعية لجماعة إرهابية والجلوس معها على طاولة مفاوضات إلا أن الحوثي أثبت للعالم كله أنه غير ملتزم باتفاقيات وأنها جماعة لا دين لها ولا عهد لها ولا تؤتمن على إبرام اتفاقات من أجل إنقاذ البلاد.

فكيف يطالبون الشعب في اليمن بالصبر لانتظار نتائج اتفاقيات؟ وما المتوقع من هذه النتائج في ظل استمرار نزيف من الدماء وفى ظل تهديدات تحيطه من كل جانب لأن أحد أطراف الاتفاقية يشعل المنطقة بخطط مدروسة وممنهجة لتنفيذ مخطط إقليمي يخدم مصالح بعض الدول في المنطقة، بل يستغل المشاورات التي حدثت في السعودية لكسب مزيد من الوقت للسيطرة على الأرض.

وهكذا في إبحار مستمر لتجميع خيوط متفرقة تكشف لك أبعاد المشهد والخبايا غير المعلنة، وتنكشف الحقائق بشأن من مصلحته أن يزيد الأوضاع اشتعالا في الجنوب ويصب عليه ما يزيدها اشتعالا.

لندرك على نحو أعمق الكواليس غير المعلنة في المشهد الجنوبي في هذه المرحلة الشديدة الاضطراب، والتى تزداد تعقيدا يوما بعد يوم بسبب روح الأنانية التي تطغى على بعض المسؤولين في الدولة والجهل الذي يتحكم بتصرفاتهم.

وإذا رغبنا في فهم باقي جوانب المشهد العبثي يجب البحث عن إجابة هذه الأسئلة: "من أتى بهؤلاء في الشرعية؟ ومن يحرك هؤلاء؟ يجب البحث عن كفية تمكين أشخاص داخل الشرعية لخدمة مصالح دول على حساب الشعب تحت شعارات خادعة؟ يجب الحديث بصراحة، وعندما تحدث بن بريك صراحة كان مصيره النفي والإقصاء عن المشهد"، وهو ما يثير تساؤلات عدة: لماذا اختار الشعب لنفسه هذا البؤس؟ وكيف يصمت على استمرار وجود قيادات غير وطنية بالشرعية؟ أم أن المدينة الصامدة غلبت على أمرها؟.
في الكواليس تفاصيل كثيرة ليس هذا التوقيت للحديث عنها، ولكن أهم تفصيله أن هناك قيادات داخل الشرعية تراهن على إشعال البلاد وتعمل لصالحها بأي ثمن وبأي طريقة حتى لو كانت على حساب تجويع وقتل الشعب.
  • سلطة الشعب
إن الشعوب هي التي عليها أن تأتى بحكوماتها، وأن الحكومات التي تأتي بـ "البارشوت" وتعمل ضد إرادة الشعب تفشل في كل الأحوال بعد أن تنفضح أهدافها وأعتقد أن رائحتها فاحت.
فالقيادات بالحكومة تختبر خطواتها العملية بشأن حلول جذرية لرفع معاناة الشعب، لا القيام بأعمال نحو مزيد من استنزاف قدرة الشعب على التحمل.

ولقد عرفنا شعب الجنوب بالمقاومة والنضال من أجل استرداد دولته وكشف القيادات غير المخلصة التي تخرب في البلاد تحت اسم الشرعية.

ففي الوجه الآخر للمشهد، تنتصب البطولة بأبلغ ما لها من معانٍ، حيث يجسد شعب الجنوب كل معاني القوة والصلابة والتحدي في تحمل حرب الخدمات المفتعلة، مستلهمين كل ما عرفت أمتهم وشعبهم من معاني التضحية والفداء والاستبسال في مواجهة أعداء البلاد الذين يحاربون الشعب بسلاح انقطاع الكهرباء بأكثر من 12 ساعة يوميا.

وفي المقابل، نجد الصمت من قبل مسؤولين بالشرعية قتل أبناء الشعب بحرب الخدمات، وهو ما يعنى الصمت عن سلاح يهدف به تشتيت الشعب عن عقيديتهم في المقاومة والنضال واسترداد دولتهم.

وفي ظل استمرار مباركة سياسة تكسير الشعب وتجويعه، لا يوجد سوى الإرادة الجنوبية هي من بأيديها أن تخرج البلاد من الفخ الذى ساعدت فيه بعض قيادات الشرعية للإيقاع بالبلاد في نفق مظلم.

ولذا من الأهمية أن تبقى الروح الجنوبية حية متقدة داخل كل هذا الركام والمشهد العبثي، ومن الضروري الحفاظ على روح الجنوب وأساليب مقاومته من أجل استعادة دولته هو بحد ذاته عقيدة يجب الحفاظ عليها.
  • الشعب بحاجة لإحياء الروح
ليس المأزق في قدرة الشعب على الصمود والمقاومة بل الإشكالية الأساسية هي غياب الروح عن الجنوبيين، فلماذا لا يعود بن بريك ليحيي الروح من جديد؟

فليست هي المرة الأولى التي يجد فيها الشعب أنفسهم أمام فخ تاريخي، وفى كل مرة يثبت للعالم بأسره مدى صلابته ومقاومته وتمسكه بعقيده استرداد وطنه مهما كان الثمن.. في كل مرة يقف الشعب شامخًا صامدًا محتسبًا ومحتضنًا مقاومته، ومشاركًا لها في رسم مشهد يفتخر به كل إنسان حر عربي له ضمير حي.

كل حلقات المشهد تؤدى إلى القصة الحقيقية وراء إقصاء بن بريك، ولا يمكن أن تتابع تطورات الأوضاع في جنوب اليمن إلا وأن تشعر بالفراغ السياسي الذى خلفه غياب بن بريك، ولكن كلي ثقة في إرادة الشعب في استرجاع القيادات الوطنية المخلصة والوقوف أمام محاولة بعض المتذاكين فعله لإبعاد القيادات المخلصة والمناضلة.

وخلاصة المشهد اليوم في جنوب اليمن صمود شعبي مقاومة عصية على الانكسار، تقابله أيادٍ خارجية وربما داخلية تعبث في البلاد.. واستمرار هذا بدون عودة قادة سياسيين مخلصين إلى البلاد يعنى تهديد طريق النضال الطويل الذى ضحى فيه الكثير بأرواحهم.

وهكذا في إبحار مستمر لتجميع خيوط متفرقة تكشف لك أبعاد المشهد والخبايا غير المعلنة، وتنكشف الحقائق بشأن من مصلحته أن يزيد الأوضاع اشتعالا في الجنوب ويصب عليه ما يزيدها اشتعالا؟

"درب"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى