الخليج فارسي إنما بستة شروط

> علي الصراف

>
​إذا عاد الفرس مجوسا كما كانوا فلسوف يُسعد كل العرب أن يصبح الخليج العربي فارسيا هبة وتنازلا وتبرعا. تحولهم إلى الإسلام كان خطأ تاريخيا ارتكبناه نحن العرب ودفعنا ثمنا باهظا له.

الوقح لا ينظر في موطئ قدميه. وهناك بين الفرس من يعتبر الوقاحة هي الشيء الطبيعي، فلا ينظر لا في موطئ قدميه ولا في موطئ رأسه. فلا غرابة من بعد ذلك أن يستدعي وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان السفير العراقي في طهران ليحتج على استخدام صفة “الخليج العربي” في العراق، خلال دوري كرة القدم الخليجي في البصرة، بينما كان يرى أنه يجب استخدام صفة “الخليج الفارسي”.

لم يلحظ حسين أمير أن أسمه عربي. كما لم يلحظ أنه يكتب فارسيته نفسها بحروف عربية، وأن قسطا كبيرا من محتوى لغته عربي، وأن القرآن الذي يقرأه عربي، وأن النبي الذي يتبعه (في الظاهر على الأقل) عربي، وأن “الأئمة المعصومين” الذين يلتف من خلف ظهرهم عرب، وأن إيران صارت دولة “إسلامية” (ولو في الظاهر أيضا) بفضل فتح عربي.

لم يلحظ حسين أمير عبداللهيان كل ذلك، لأنه وقح. ولكنه أراد من العراق (من دون أن يلحظ أنه بلد عربي) أن يستخدم صفة “الخليج الفارسي”، على اعتبار أن الوقاحة يجب أن تعم فتصبح هي الشيء الطبيعي في العراق الفارسي!

لم يحدث منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921 أن تجرّأت إيران على طلب من هذا النوع. ولكنها تتجرأ الآن بفضل ما صار لديها من “غلمان” يحكمون في هذا البلد. و”الغلمان” هي الصفة التي أطلقها الشاه إسماعيل الصفوي على المأجورين الذين استخدمهم لغزو العراق، فقتلوا ودمروا وحاصروا بغداد وجوعوا أهلها حتى مات عشرات الآلاف منهم. وهم يكررون الشيء نفسه الآن. إنما الأرقام صارت بمئات الآلاف والتهجير بالملايين.

وكالة “إرنا” الإيرانية نقلت عن الوزير عبداللهيان الكلام التافه التالي “تم استدعاء السفير العراقي إلى الخارجية بعد استخدام السلطات العراقية مصطلحا وهميا بدلا من الخليج الفارسي، وعكسنا حساسية الشعب الإيراني العظيم تجاه استخدام المصطلح الدقيق والكامل للخليج الفارسي إلى الجانب العراقي”.

لماذا تافه؟ لأن “الشعب الإيراني” ليس شعبا فارسيا. هذا شيء آخر لم يلاحظه الوزير ولا الوكالة الناطقة باسمه.

“الشعب الإيراني”، إذا كان موجودا بالفعل، فإنه يتألف من 11 أقلية، لا يشكل الفرس إلا نحو 40 في المئة من مجموع السكان. صحيح أنهم الأقلية الأكبر، إلا أنهم أقلية بين الأقليات، أولا. ولأنهم أقل عددا من مجموع الأٌقليات الأخرى، ثانيا. ولأن تلك الأقليات مضطهدة وتنتفض ضد الوقاحة والغطرسة الآن، كما ظلت تنتفض من قبل.

وتقول سجلات التاريخ إن إيران أصبحت دولة موحدة، بفضل المذابح التي راكمت الجثث والجماجم حتى صارت تلالا في بعض المواقع، لأجل إخضاع تلك الأقليات للمذهب الشيعي الصفوي. وامتدت الهيمنة الصفوية، كغطاء مذهبي لهيمنة أقلية على غيرها من الأقليات. فالفرس أرادوا بالتشيع الصفوي أن يُضفوا صفة أخرى على هيمنتهم، لكي لا تبدو حربهم ضد الأقليات حربا بين قوميات.

الأكراد والعرب والبلوش والأذريون والتركمان والجيلاك واللور وغيرهم، لا علاقة لهم بالفرس، وليس مما يُغريهم في شيء أن يكون الخليج فارسيا، فذلك بالنسبة إليهم صورة أخرى من صور الاستبداد والعنف المفروض عليهم.

إطلاق صفة “الفارسي” على الخليج العربي شاذة من عدة نواح أخرى. فهي، لو جازت، لأصبح من الجائر أن يُطلق على المحيط الهندي صفة “المحيط الهندوسي”. وهو شيء مضحك.

البحار لا تسمّى بأسماء أقليات ولا مذاهب. ولو كان لإيران ما تطمح به، لكان من الأنسب أن تسميه “الخليج الإيراني” وليس الفارسي، وهذا ممّا لا يستقيم مع واقع أن الفرس، من جهة ضفتهم على الخليج، ليسوا هم الأقلية الوحيدة التي تطل عليه. بينما العرب هم الأمة الوحيدة التي تطل على الضفة الأخرى. وهذه الأمة هي التي أعطت لتلك الأقليات لغتها وحروفها ودينها وثقافتها مما يشكل تفوقا حضاريا لا سبيل لنكرانه، لا من جانب الذين يحملون أسماء عربية، ولا من جانب الذي يصلّون على النبي العربي، ولا حتى من جانب الذين يغمزون للشقاق بإمام هو الآخر عربي، ويلطمون نفاقا وخداعا وشقاقا، على مقتل إمام عربي. والكل يعلم أنهم يلطمون على ما فات ومات من طموحهم الأقلوي.

وللتسمية بشكليها مبررات معقولة ومتداخلة في الكتابات التاريخية. بعض المصادر يقول إنه في حين “كان المؤرخ الروماني بلينيوس الأصغر أول من أطلق على الخليج اسم الخليج العربي في القرن الأول الميلادي”؛ وفي حين أن هناك “بعض النصوص الزرادشتية القديمة أطلقت على الخليج اسم “البحر التازي” حيث “تازي وتازيك” تعنيان “العربي” في اللغة البهلوية، فإن هناك كتابات لمؤرخين مسلمين مثل المسعودي في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” تسمي الخليج “بحر فارس”. كما أن بعثة الإسكندر الأكبر التي جاءت من الهند عام 326 ق. م مرت بمحاذاة الساحل الإيراني الحالي مما دعا الإسكندر إلى أن يطلق على الخليج اسم “الخليج الفارسي”، ومنه عمّت التسمية في توصيفات المستعمرين الغربيين وخرائطهم.

ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أن التسمية بين العرب والفرس ليست قضية إشكالية ولا يفترض أن تثير “حساسيات”، إلا إذا انطوت على تطلعات أقلوية، لتكون أساسا لصراع زائد عن الحاجة.

وهو يعني أن غلبة التسمية الفارسية في الوثائق والخرائط الغربية، هي غلبة استعمارية، ويفترض ألا تكون مصدرا يُعتدّ به.

وهو يعني أن الصفة من الجائز أن توصف على نحو مختلف بين لغات مختلفة. بحيث يمكن للفارسية أن تسمّي الخليج فارسيا، وللعربية أن تسمّيه عربيا.

ولكن، بالرغم من كل ذلك، ولأجل أن تنظر الوقاحة في موطئ قدمها، فإنه يمكن، بكل سرور، أن يُسمّى الخليج العربي خليجا فارسيا، إنما بستة شروط، غايتها أن تعطي لكل طرف حقه.

  1. أن يتخلى الفرس عن دينهم العربي، لأنهم لا يليقون بثقافته التي تقول “لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى”. ونظام الولي الفقيه لم يتق الله في أحد.
  2. أن يردوا لنا أسماءنا، مثل علي وحسين، فلا يستخدمونها، ليكتفوا بأسمائهم الفارسية. فيصبح اسم وزير الخارجية مثلا: شنار كاربرري بالدي.
  3. ألا يتمسحوا بأئمة عرب، فنكسب شقاقا ونفاقا أقل.
  4. أن يكتبوا لغتهم بحروف مبتكرة، غير عربية.
  5. أن يتخلصوا من كل الكلمات العربية في لغتهم.
  6. وألا يقرأوا القرآن، لأنهم لا يعقلونه. إذ يقول سبحانه “إنّا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”.

إذا فعل الفرس كل ذلك، وعادوا مجوسا كما كانوا، فلسوف يُسعد كل العرب، أن يصبح الخليج العربي فارسيا، هبة وتنازلا وتبرعا.

تحولهم إلى الإسلام، كان خطأ تاريخيا ارتكبناه نحن العرب، ودفعنا ثمنا باهظا له. وحان الوقت ليعود كلُّ ذي أصل إلى أصله.

العرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى