مركز دراسات يستعرض السيناريوهات المستقبلية للأزمة المالية والاقتصادية

> «الأيام» غرفة الأخبار:

> أصدر مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، اليوم، دراسة تناول فيها سيناريوهات التصعيد الاقتصادي ما بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية.
وقدمت الدراسة خمسة سيناريوهات محتملة للأزمة المالية والاقتصادية في اليمن، وفيما يلي نصها:

كان قرار الحوثيِّين بسكِّ العملة المعدنية مِن فئة (100) ريال يمني الشرارة التي أشعلت فتيل التصعيد الأخير، خاصَّة بعد انتهاء أزمة توقيف البنوك بسبب الشبكة الموحَّدة. وقد أثار القرار ردَّة فعل حاسمة مِن قبل البنك المركزي في عدن، تمثَّل بإعلان قرار نقل البنوك واستبدال الأوراق النقدية القديمة كما سبق إيضاحه.

ويرى البنك المركزي أنَّ حلَّ مشكلة السيولة يتمثَّل في السماح بتداول الأوراق النقدية القانونية التي أصدرها بدلًا عن سكِّ عملة مزيَّفة، وكان هذا هو المنطلق لقرار سحب الأوراق النقدية القديمة، كما أنَّ تصنيف جماعة الحوثيين “جماعة إرهابية” مثَّل بدوره قاعدة انطلاق مهمَّة للبنك لاتِّخاذ قرار نقل المراكز الرئيسة للبنوك إلى العاصمة عدن.

واتَّخذ الحوثيُّون قرارات مضادَّة، غير أنَّها لم تكن جديدة كلِّيًّا، فكما ذكرنا سابقًا أوقفت السلطات النقدية الحوثية بالفعل التعامل مع مجموعة مِن البنوك بعدن، ووصفتها بغير المرخَّصة، وسبق أن حظرت تداول الأوراق النقدية الجديدة. ولم تكن القرارات الصادرة عن الحوثيِّين ذات صدى كبير.

ورغم اتِّهام الحوثيِّين للسعودية بالوقوف وراء قرارات البنك المركزي إلَّا أنَّهم لم يعلنوا عن تعليق مشاورات السلام الجارية معها، وكذلك لم يصدر بيان واضح مِن السعودية لتأييد خطوات الحكومة الشرعية الاقتصادية الأخيرة، بل أكَّد وزير الدفاع السعودي على مساعي السلام وضرورة إحراز تقدُّم بشأن خارطة الطريق لإنهاء الأزمة في اليمن أثناء لقائه برئيس مجلس القيادة، د. رشاد العليمي، مطلع يونيو 2024م.

وأعلن الحوثيُّون عن استبدال الأوراق النقدية في مراكز جمركية استحدثوها مِن قبل على الحدود الشطرية وحدود سيطرتهم، مع دفع فارق التحويل بين العملتين، ما يؤكِّد على مضيهم في تقسيم الاقتصاد، واعتمادهم على آليَّات الأسواق السوداء بدلًا عن الجهاز المالي والمصرفي.

وبالنسبة للبنوك، فهي تعيش أوضاعًا صعبة بسبب ازدواجية القرارات الصادرة مِن البنك المركزي وتلك الصادرة مِن الحوثيِّين، حيث يمنع الحوثيُّون البنوك بالقوَّة مِن نقل مراكزها إلى عدن، بالإضافة إلى وجود مشاكل فنيَّة تتعلَّق بنقل كوادرها في هذه الإدارات إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، غير أنَّ الأثر على البنوك الستَّة التي تمَّت معاقبتها مِن قبل البنك المركزي تبدو أكبر، بصفتها البنوك التي تعمل على مستوى الجمهورية. وكذلك فإنَّ قرار الحوثيِّين هو الآخر يمثِّل عقوبة على هذه البنوك، لكن بصفة غير مباشرة، حيث يمنعها القرار مِن التعامل مع البنوك التي لا تحمل رخصة عمل مِن السلطات النقدية الحوثية المتمثِّلة بفرع البنك المركزي في صنعاء. وحتَّى الآن لم يصدر أيُّ بيان علني مِن البنوك، إلَّا أنَّ بعض البنوك قامت بنشر إعلانات عن استمرارها في استقبال الحوالات مِن الخارج بعد تداول إشاعات عن توقُّف الحوالات إثر صدور قرار البنك المركزي الخاص بالحوالات الخارجية. مِن جهة أخرى، استجابت شركة “موني جرام” لتوجيهات البنك المركزي، وطلبت مِن وكلائها تقديم بيان موافقة مِن البنك المركزي في عدن كشرط للعمل عبر شبكتها للتحويلات المالية.
ولعدم وجود استطلاعات رأي على الساحة اليمنية لا يمكن معرفة اتِّجاهات الرأي العام إزاء القرارات الأخيرة، غير أنَّ إنهاء الانقسام الاقتصادي يمثِّل مطلبًا شعبيًّا.
  • تداعيات وسيناريوهات محتملة
أثارت قرارات البنك المركزي الكثير مِن الجدل والتوقُّعات حول نتائجها وانعكاساتها، خاصَّة بسبب توقيتها وعدم تراجع البنك أو قبوله التفاوض بشأنها. وسوف نتناول التداعيات والسيناريوهات على شقِّين، الأوَّل فيما يتعلَّق بسحب العملة، والثاني فيما يتعلَّق بنقل إدارات البنوك.
حيث يُتوقَّع أن يصدر البنك المركزي قرارًا يقضي بإلغاء التعامل بالأوراق النقدية الصادرة قبل 2016م، بعد انتهاء المهلة المحدَّدة بشهرين، وبالتالي عدم قبول تداولها أو تخزينها مِن قبل المؤسَّسات المالية المختلفة والأفراد. وبالطبع فإنَّ هذا القرار لا يعني التخلُّص مِن العملة شمالًا، حيث ستبقى مطروحة للتداول استنادًا إلى قوَّة الحوثيين. ومع ذلك يمكن توقُّع اشتداد أزمة السيولة، خاصَّة في حال تشديد الإجراءات على الحوالات الخارجية إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
ورغم فشل قرار الحوثيين في احتواء مشكلة السيولة بسكِّ العملة المعدنية إلَّا أنَّ اشتداد أزمة السيولة قد يدفع الحوثيين لاتِّخاذ إجراءات مماثلة لفئات مختلفة، لا سيَّما وأنَّ سكَّ العملة يحقِّق للحوثيين مصدر دخل إضافي وسهل.

وفيما يخصُّ نقل مراكز البنوك الرئيسة وإدارات عمليَّاتها إلى عدن فإنَّ التوقُّعات تشير إلى أنَّ القرارات المتضادَّة، الصادرة مِن البنك المركزي ومِن سلطات الحوثيين، سوف تقود إلى فصل البنوك بشكل شبه كامل، ويمكن الاستفادة في هذا التحليل مِن المقارنة مع وضع بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك)، والذي صدر قرار بنقل مركزه إلى عدن مطلع عام 2019م، فقد تمَّ فصل البنك، وفرض الحوثيُّون عقوبات سابقة تمنع التعامل مع  البنك في عدن، وخدماته المالية، مثل خدمة “كاك حوالة” في عام 2021م. وكذلك كان البنك ضمن البنوك التي أصدر الحوثيُّون قرارًا بوقف التعامل معها. ورفضت بعض الجهات التعامل مع البنك في عدن مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية -مقرُّه صنعاء - في برنامج التحويلات النقدية غير المشروطة لعام 2022م، بسبب العقوبات على البنك، والتزام المموِّل “منظَّمة اليونيسيف” بذلك، فقد تقدَّم البنك لمناقصة في كلٍّ مِن صنعاء وعدن، وهما يمثِّلان كيانًا واحدًا، وهذا يخالف إجراءات المناقصات وفقًا لردِّ الصندوق. ومِنه يمكن استخلاص نجاعة الضغوط الحوثية على المنظَّمات والجهات الدولية بعدم التعامل مع البنوك خلال السنوات السابقة، خاصَّة مع وجود مراكز المنظَّمات الرئيسة في صنعاء، وكذلك تضرُّر البنوك نتيجة الانقسام.

وتختلف الإجراءات إلى حدٍّ ما هذه المرَّة باعتبارها صادرة مِن البنك المركزي، والذي يحظى بدعم محلِّي ودولي، ويمثِّل الاعتراف الدولي بقرارات البنك حجر الزاوية في التأثير على مدى نجاح قرارته. ويوضِّح الجدول التالي السيناريوهات المستقبلية المتوقَّعة:

حيث يشير السيناريو الأوَّل إلى بقاء الأمور كما هي عليه الآن، أي عدم مقدرة البنوك على نقل مراكزها إلى عدن، الأمر الذي قد يُعرِّضها للعزلة، ولعقوبات أكثر صرامة.

والواقع أنَّ أيَّ تفاهمات اقتصادية غالبًا ما تكون مرتبطة بتفاهمات سياسيَّة، أو ضمن التسوية النهائية للنزاع، بحيث يتراجع الحوثيون عن السيطرة بالقوَّة على مؤسَّسات الدولة واستهداف الاقتصاد، والتراجع عن تزوير العملة، وتحصيل الإيرادات لصالحهم. وبكلِّ الأحوال فإنَّ التسوية الشاملة لن تنتج وضعًا مثاليًّا لعودة الدولة ومؤسَّساتها، خاصَّة مع بقاء القوَّة العسكرية بيد الحوثيين، ولكن يمكن أن تُقدِّم نقاط تفاهم مشتركة ومقبولة قائمة على المرجعيَّات.

أمَّا السيناريو الثاني فهو فصل الإدارات الرئيسة للبنوك وأنظمة الرقابة والمحاسبة، مع وجود احتمالية لبقاء المؤسَّسة بشكل واحد صوريًّا، وسوف يشترط البنك المركزي وصول البيانات حول عمليَّات البنوك المشتركة إلى فروعها في مناطق سيطرة الحوثيين أيضًا. ومِن شأن هذا السيناريو أن يقود إلى عزلة للبنوك في صنعاء، وأن تحوَّل أنشطتها وفعاليَّاتها مع العالم الخارجي إلى الإدارة الرئيسة أو الإقليمية في عدن، وسوف تتعرَّض البنوك لخسائر ومشاكل فنِّية ومحاسبية وإدارية نتيجة هذه الخطوة. كما أنَّ الخطوة قد تمثِّل نتيجة واقعية للسياسات المتضادَّة، مع احتمالية تنفيذ الحوثيِّين عقوبات ضدَّ البنوك التي تنفِّذ هذه الخطوة، ولكنَّها في نفس الوقت ستكون عاجزة عن إيجاد بدائل فيما يخصُّ تعامل البنوك مع العالم الخارجي، وبالتالي تحوُّل الجهاز البنكي في مناطق سيطرة الحوثيين إلى نظام شبيه بالنظام البنكي والمصرفي الإيراني المعزول عالميًّا، خاصَّة مع تغيُّر بعض المزاج الدولي في التعامل مع الحوثيين، وقيام الحوثيين مؤخَّرًا بحملة اعتقالات وملاحقة لكوادر المنظَّمات الدولية العاملة مِن صنعاء، حيث مثَّل وجود المنظَّمات الإغاثية والدولية في صنعاء عامل قوَّة للحوثيِّين في مواجهة بعض قرارات الحكومة سابقًا.

أمَّا السيناريو الثالث فيدور حول إمكانيَّة إنشاء غرفة تنسيق محدودة بين البنك المركزي وفرعه في صنعاء فيما يخصُّ إدارة الرقابة على البنوك، مِن أجل تجاوز مشكلة الرقابة على البيانات وعلى تمويلات مكافحة الإرهاب؛ ولكنَّ هذا السيناريو مستبعد لعدَّة أسباب، مِنها: أنَّ الحوثيِّين جماعة مصنَّفة “جماعة إرهابية”، محلِّيًّا وإقليميًّا، ولا يمكن القبول بوجود ممثِّلين لها في الرقابة على النشاط المصرفي والمالي، وأيضًا لا يمكن الركون لأيِّ تفاهمات مِن هذا الشأن دون وجود تسوية شاملة وحلٍّ للوضع القانوني لفرع صنعاء. ويُمكن أن يقود هذا السيناريو إلى استقالة مجلس إدارة البنك المركزي الحالية.

أمَّا السيناريو الرابع فهو سيناريو نقل مراكز البنوك ومراكز العمليَّات إلى عدن، وهو سيناريو يصطدم بدرجة رئيسة بمواجهة الحوثيِّين للقرار واحتمالية وضع يدهم على أصول البنوك وممتلكاتها، أو التعرُّض لكوادر البنوك وتقييد تحرُّكاتهم، وتحوُّل حالة البنوك إلى حالة شبيهة بحالة “كاك بنك”. غير أنَّ الملكية الخاصَّة للبنوك قد تحدث فارقًا في آليَّة التعامل مع الأمر بخلاف “كاك بنك” الحكومي. وسبق للحوثيِّين إغلاق بعض البنوك مؤقَّتًا، والتعدِّي على كوادرها.

أمَّا السيناريو الأخير فيتناول إمكانية استمرار التصعيد في الملفِّ الاقتصادي، خاصَّة في الملفِّ المالي وقطاعي الاتِّصالات وآليَّات الاستيراد، الأمر الذي قد يقود إلى انهيار الهدنة الحالية وعودة التصعيد العسكري. وحتَّى الآن يبدو هذا الخيار مستبعدًا في الأجل القصير، لكنَّه ممكن في الأجل المتوسِّط، وخاصَّة في حال فشلت التفاهمات بين السعودية والحوثيِّين.

وختامًا تجدر الإشارة إلى أنَّه في ظلِّ تعثُّر إمكانيَّات تحقيق التسوية الشاملة ورفض الحوثيين التراجع عن السيطرة على مؤسَّسات الدولة والتراجع عن الانقلاب على المرجعيَّات القانونية والدستورية ونتائج مؤتمر الحوار فإنَّ التصعيد قادم لا محالة وسوف تستخدم الحكومة جميع الأوراق المتاحة لديها لمواجهة الحوثيين، ومِنها بالطبع الملف الاقتصادي الذي استخدمه الحوثيون كثيرًا لتثبيت الانقلاب وخنق الحكومة ماليًّا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى