رحلة الشمال والجنوب.. نهايات وبدايات

> حوّل "أنصار الله" اليمن الجمهوري إلى دولة دينية طائفية يحكمها إمام جديد، تدور في فلك إيران وتخوض حروبها لاستنزاف المنطقة العربية.

ومن "أم قراهم" يتلقون الدعم العسكري والمادي وكل ما يحتاجونه في مشاريعهم الحربية، ولديهم سلطنة عمان، العضيد الوفي وقت الضيق، كما أن هناك شبكة من الداعمين والاتباع في الخارج، إضافة إلى التواطؤ الغربي المعروف.

"أنصار الله" سلطة معفية من أي التزامات تجاه شعب يحتشد من أجلها بالملايين في مناسباتها الدينية والجهادية وترسل من خلاله رسائلها للإقليم والعالم بأنه من حولها داعمًا ومساندًا.

يحصدون الضرائب والجمارك والجبايات.. إلخ ويصادرون أموال وشركات، وكذلك أملاك المعارضين (على طريقة التجربة الخمينية). وتنمّي الجماعة بشكل متسارع طبقة رأسمالية موازية بمواصفات خارج قوانين السوق وحتى خارج نماذج قوى النفوذ التي سادت في اليمن الجمهوري.

ولا ننسى عزيزي القارئ مسألة أخرى تتعلق بتثبيت دعائم الطبقة الدينية الجديدة والتي تُبدِّد ما سبقها، ولديهم وقود بشري لكل حروبهم من الأطفال إلى الشيوخ مثلما فعلت إسبرطة ( 900 ق.م) في نظام خدمتها العسكرية.. وكذلك إعداد النشء و طلاب المدارس إعدادًا "إيمانيًّا" وغرس الوعي الطائفي المتشدد والولاء المطلق للشريحة "المختارة من السماء".

وبالمجمل تعمل الجماعة على تدمير أي معالم للمجتمع المدني وتهندس على أنقاضه معمارًا جديدًا: دولة دينية بدائية واقتصاد بقواعد إسلامية في حدود خدمة الأباطرة الجدد وجيش عقائدي في محور إيران، وكذلك صناعة النخب لتتوافق مع المنهج "الإيماني" بهرمية تخدم بإذعان حاكميتهم وعهدهم.

هناك إذن أزمة عميقة مستعصية لا تقوى مبادرات السلام على تفكيكها فهي متلازمة تاريخيّة تعود جذورها إلى حقبة حكم الأئمة وأصبحت أكثر تعقيد بفعل العامل الإقليمي. ومن نافلة القول أن دولة سبتمبر تعيش نهايات تراجيدية بعد أن حُسم أمرها أو يكاد، بأيْدي "أنصار الله".

من زاوية أخرى ثمّة عملية (توافق) تجري بهدوء تام بين تنظيم الإخوان وأنصار الله على خلفيات محلية وإقليمية.. فالرعاة متفقون. ولا يستبعد أن يذهب الإخوان إلى تفاهمات واتفاقات حول مناطق سيطرتهم على هامش خطط سلام مفترضة، كما أن دعم أنصار الله لتنظيم القاعدة لم يعد خافيًّا.



ماذا عن الجنوب؟



عزيزي القارئ: لقد تسبب هروب "القيادة الشرعية" في نقل "اضطراب ما بعد الصدمة" من صنعاء إلى عدن.. وجرى بناء منظومة حاكمة بالتحالف مع تنظيم الإخوان أسست لواقع مأزوم ودفعت بالجنوب إلى حلبة صراعات متعددة. حتى أن أولويات الشرعية وأحزابها وجيشها تغيرت من مواجهة انقلاب صنعاء إلى مواجهة تطلعات الجنوب والسيطرة على عدن.

وظل هناك سعي حثيث لتقزيم قضية الجنوب وخنق الحياة المدنية وإنهاك المجتمع واستنزاف معنوياته، رافقه تضليل إعلامي منفلت عن أي ضوابط أخلاقية وتوظيف مناطقي لكافة الأحداث العامة والخاصة بهدف تفتيت القاعدة الشعبية وخلق بيئة معادية لفكرة استعادة دولته.

وفي مسار مواز فرض "تحالف دعم الشرعية" واقعًا فيه كثير من المفارقات جعل الجنوب يحمل قضايا بدلًا من قضية. وأصبح جزءًا أساسيًّا في منظومة الشرعية، يشاركها مسارات الحرب والسلام وتداعيات عاصفة الحزم وارتداداتها، وتعذر عليه لذلك تحقيق الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية بعد أن فرض أنصار الله سلطتهم شمالًا وكذلك الإخوان في مناطقهم. وهو ما سيكلف الجنوب مواقف متأخرة وربما مواجهات شاقة في مسارات التسوية التي ستخضع لكثير من الضغوط والمقايضات والمبادلات.



ماذا بعد ؟



ربما توافق الرأي عزيزي القارئ بأن خريطة السلام تعزز مكانة أنصار الله. ومع ذلك يعتبرها المجتمع الدولي استحقاقًا طبيعيًّا لا بديل عنه. وهو أمر وارد للغاية! ولكنك قد توافق الرأي أيضًا بأنه لا توجد ديناميات قوية تدفع بمسار السلام بأفقه الداخلي الشامل.

وقد ينحصر الأمر على (خطوات الضرورة) في مراحل منفصلة، حتى تفرز الميادين واقعًا موضوعيًّا ثابتًا.

كل شيء قابل للتحليل هنا!

أما"الإطار التفاوضي" الخاص بالقضية الجنوبية فلم يكن أبدًا منتهى الأمل. ولا يبدو أكثر من كونه تضمين مطاطي يندرج في سياق الوعود المبهمة.

لهذا تعتبر الضمانات الداخلية أكثر حيوية، وفي مقدمتها القدرة على الدفاع والردع، لكن تلك لا يُكتب لها الثبات إذا لم يشهد النسيج الاجتماعي تعاف قوي، وعودة الزخم الشعبي إلى مستواه السابق وكذلك اتساع الشراكة في قيادة الانتقال الكامل إلى وضع الدولة.

كل ذلك يتطلب إرادة أقوى وحوار أعمق وأشمل و فعل أهم مما نراه على الواقع. أليس كذلك عزيزي القارئ؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى