75 عامًا من إصلاح الأجهزة الإلكترونية في لحج.. حكاية السبعيني سالم البيطار

> هشام عطيري:

> الظروف المعيشية تسلب كبار السن أحلام الطمأنينة والاستقرار
> في مدينة الحوطة، يمكن للمارين في الشوارع أن يلاحظوا مشهدًا يعكس حجم الأزمة الإنسانية والظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الكثير من سكان المدينة، سالم عبدالله علي، المعروف بالبيطار، رجل مسن يبلغ من العمر 75 عامًا، يفترش موقعًا في الشارع في الهواء الطلق، حيث يعمل في إصلاح مختلف الأجهزة الكهربائية البسيطة لتوفير لقمة العيش لأسرته المكونة من ثمانية أفراد.

ولد البيطار في عام 1951، وبدأت رحلته في مجال الهندسة كهواية عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، دون أن يتلقى أي تعليم رسمي أو دورات في الهندسة الإلكترونية، استطاع البيطار اكتساب مهارات إصلاح الأجهزة الكهربائية بجهوده الذاتية وخبرته المتراكمة على مر السنين، يتحدث البيطار بشغف عن الأيام التي كان فيها يعمل على إصلاح أجهزة التلفزيون القديمة ذات الأنابيب والمسجلات، وهي الأجهزة التي كانت تشكل المصدر الرئيسي لعمله وتوفير لقمة العيش لأسرته.

غير أن الأيام تغيرت، ومعها تغيرت نوعية الأجهزة الكهربائية التي يتم تداولها في الأسواق، يشير البيطار إلى أن العديد من الأجهزة اليابانية التي كانت منتشرة في الجنوب لم تعد موجودة، وحلت محلها الأجهزة الصينية الرخيصة ذات الجودة المنخفضة والتي تتلف بسرعة، هذا التغير أثر بشكل كبير على طبيعة عمل البيطار، حيث أصبح إصلاح الأجهزة الحديثة أكثر تحديًّا وأقل ربحًا.

الحاج/ سالم عبدالله علي
الحاج/ سالم عبدالله علي

في ظل هذه التغيرات، يلجأ العديد من المواطنين البسطاء إلى البيطار لإصلاح أجهزتهم الكهربائية بمقابل مادي بسيط، نظرًا لعدم قدرتهم على شراء أجهزة جديدة. يجد البيطار في عمله اليومي مصدر دخله الوحيد، ويعتمد عليه بشكل كامل لتوفير احتياجات أسرته. يشير البيطار بأسى إلى أنه في الأيام التي لا يستطيع فيها العمل بسبب المرض أو الظروف الطارئة، تعاني أسرته من نقص الغذاء.

أمام هذه التحديات الاقتصادية والإنسانية، يواجه البيطار صعوبة في إيجاد بدائل لأسرته، حيث يشير إلى أن أولاده يرفضون العمل في مجال الهندسة، مما دفعه لتعليم أحد أحفاده هذه المهنة، على أمل أن تستمر وتوفر لأسرته مصدر دخل مستدام، يعتبر البيطار أن نقل المهارات والمعرفة إلى الأجيال القادمة هو السبيل الوحيد لضمان عدم انقراض هذه المهنة التي أصبحت جزءًا من هويته وحياته.

يبدأ البيطار يومه من الساعة التاسعة صباحًا ويستمر في العمل حتى الثانية عشرة ظهرًا، ثم يستأنف عمله من بعد العصر حتى ما قبل المغرب. إلا أن ضعف نظره يمنعه من العمل ليلًا، مما يقلل من ساعات العمل الممكنة ويؤثر على دخله اليومي، على الرغم من هذه الصعوبات، يظل البيطار مثابرًا ومتفانيًّا في عمله، حيث يعتبره واجبًا نحو أسرته ووسيلة للحفاظ على كرامته واستقلاليته.

الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وارتفاع الأسعار يزيدان من صعوبة حياة البيطار وأمثاله من المسنين الذين يعملون لتوفير لقمة العيش، الأزمات الاقتصادية المتكررة وتراجع الدعم الاجتماعي يزيدان من الضغط على هؤلاء الأفراد، مما يجعلهم عرضة للفقر والجوع، يعكس وضع البيطار واقعًا مريرًا يعيشه الكثيرون في مدينة الحوطة، وهو نموذج للأزمة الإنسانية التي تتطلب تدخلات عاجلة لتحسين ظروف الحياة ودعم الأسر الفقيرة.

يعتبر البيطار مثالًا حيًّا على القوة والصمود في وجه الظروف الصعبة، وهو يواصل عمله بشغف وإصرار على الرغم من التحديات التي يواجهها. يمثل البيطار واحدًا من العديد من المسنين الذين يعيشون في ظروف قاسية ويعملون بشكل دؤوب لتأمين حياتهم اليومية. هذا المشهد يجب أن يدفعنا للتفكير في كيفية تحسين ظروف هؤلاء الأفراد وتقديم الدعم اللازم لهم، سواء من خلال توفير برامج دعم اجتماعي أو تحسين الخدمات الصحية والمعيشية.
  • الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للأزمة
تتجاوز قصة البيطار الجوانب الاقتصادية لتلامس أبعادًا إنسانية واجتماعية أعمق، تعكس قصة البيطار قوة الروابط الأسرية وضرورة التضامن بين الأجيال، عندما رفض أولاده مواصلة العمل في مجال الهندسة، لم يستسلم البيطار، بل سعى لتعليم حفيده هذه المهنة لضمان استمراريتها، هذا الالتزام العائلي يعكس أهمية نقل المعرفة والخبرات بين الأجيال، وهو ما يمكن أن يكون له دور كبير في التخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.


على مستوى المجتمع، تبرز قصة البيطار أهمية التكافل الاجتماعي ودور المجتمع المحلي في دعم أفراده. البساطة التي يظهرها الناس في اللجوء إلى البيطار لإصلاح أجهزتهم بمبالغ بسيطة، تشير إلى روح التعاون والتكاتف التي يمكن أن تسهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهل الأسر الفقيرة.

وتمثل قصة البيطار نموذجًا للكثير من القصص الإنسانية في مدينة الحوطة، وهي تذكرنا بأهمية العمل الجماعي والتضامن الاجتماعي لتحسين الظروف المعيشية ودعم الفئات الأكثر احتياجًا.

وبحسب التقارير الأممية لا يزال اليمن إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج نحو 9.8 مليون طفل إلى شكل أو أكثر من أشكال المساعدة الإنسانية.

بعد 10 سنوات من النزاع، لا تزال النظم الاجتماعية والاقتصادية الوطنية في اليمن على حافة الهاوية؛ وقد أضحت الأسر عرضة لانتشار الأمراض المعدية بسبب النزاع والتهجير واسع النطاق وتكرر الصدمات المناخية. يفتقر ملايين الأطفال إلى المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية. ولا يزال البلد يعاني من فاشيات متعاقبة من الكوليرا والحصبة والخناق (الدفتريا) وغيرها من الأمراض التي تسهل الوقاية منها باللقاحات.

في حين أن الانخفاض في الصراع النشط الذي لوحظ منذ أبريل 2022 أدى إلى انخفاض في عدد الضحايا المدنيين والمعاناة في المجتمعات المحلية، إلا أن الوضع لا يزال هشًا دون تسوية سياسية مستدامة.


وبحسب تقرير سابق للبنك الدولي لقد هوت عدة سنوات من العنف والصراع بالبلاد الفقيرة بالفعل وأغرقتها في حالة طوارئ غذائية مستمرة، حتى أنها باتت على شفا المجاعة. لكن حياة اليمنيين لم تتأثر بحالة الحرب المفتوحة فحسب، بل أيضًا بالحرب الاقتصادية، وقدم البنك الدولي تحليلًا لتداعيات هذه الحرب الاقتصادية، مع إبراز الصلات القوية بين صدمات الاقتصاد الكلي التي تعاني منها البلاد منذ عام 2014، وانتكاسات الاقتصاد الجزئي التي أصابت الأسر التي تسعى جاهدة لتوفير لقمة العيش لأبنائها، وبصفة خاصة، ينظر البنك في أزمة العملة، وهي إحدى الصدمات الاقتصادية الرئيسية التي يواجهها اليمنيون.

وبحسب البنك، من بين جميع التحديات الاقتصادية التي يفرضها الصراع كان تباين السياسات النقدية بين الفريقين المتصارعين، وتدفقات النقد الأجنبي، وتمويل عجز المالية العامة بزيادة المعروض من النقود من أهم الآثار التبعية الناتجة عن الصراع، وفي عام 2016، نقلت الحكومة المُعتَرف بها دوليًا مقر البنك المركزي إلى عدن، وهو ما يُمثِّل في الواقع قيام مؤسسة جديدة. ومع أن البنك المركزي اليمني احتفظ بإمكانية النفاذ إلى الأسواق واستخدام الأدوات النقدية، فإنه كان يفتقر إلى سيولة كافية من النقد الأجنبي، وفقا للبنك الدولي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى