تغير الديناميكيات الإقليمية

> محمد فيصل الدوسري:

> ​نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مقالا حول رفض الإمارات استخدام أراضيها كمنطلق لهجمات أميركية على مواقع في المنطقة، ما جعل على حد قول الصحيفة الولايات المتحدة تقوم بتسريع عملية نقل الطائرات الحربية والمسيرات إلى قاعدة العديد في قطر، للحفاظ على القدرة القتالية، بسبب القيود التي فرضتها الإمارات بمنع تنفيذ أي ضربات جوية واستخدام أراضيها كمنصة للهجمات الجوية الأميركية.

وفي سياق ما ذكر في مقال “وول ستريت جورنال”، لعلني أسلط الضوء على عدة زوايا قد تفسر تحفظ دولة الإمارات على استخدام أراضيها للعمليات العسكرية الأميركية، وهو حق سيادي يعكس استقلالية القرار السياسي الإماراتي بما يتلاءم مع أمن دولة الإمارات الوطني، ولعل بتقديري أن المنطقة تمر بحالة صعبة من التوترات على إثر تداعيات حرب غزة الإقليمية، وغيرها من الملفات العالقة، وتوسيع مناطق الصراع لن يجدي شيئا غير زيادة شدة الأزمات في المنطقة، واستمرار تدهور الأوضاع الإنسانية في عدة مشاهد عربية.

ودولة الإمارات تنتهج سياسة خارجية مبنية على تصفير المشكلات، والتركيز على المشتركات وأدوات الاقتصاد والتنمية، وتنوع العلاقات والفرص والمكتسبات، بحيث تسعى إلى تحقيق التوازن في تحالفاتها الدولية والإقليمية، وهو منهج فريد من نوعه، لكونه عزز الدور الإماراتي كلاعب فاعل ووسيط نجح في اختراق أشد الأزمات، ولعل الوساطة الإماراتية بين روسيا وأوكرانيا، والتي نجحت في عدة مناسبات في إطلاق المئات من الأسرى بين البلدين، أكبر دليل على نجاح دبلوماسية الإمارات برؤيتها الإستراتيجية الحديثة.

كما لا يمكن تجاهل تباطؤ الموقف الأميركي مطلع عام 2022، حين استهدف الحوثيون منشآت مدنية في دولة الإمارات، وهو ما أعطى انطباعا كبيرا حول تردد الدعم الأمني الأميركي، وتصدي إدارة جو بايدن للتهديدات الإقليمية لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وبشكل خاص حفاظها على أمن حلفائها التاريخيين في دول الخليج، حينها اكتفت ببيانات إدانة ووعود بدراسة إعادة الحوثيين إلى قائمة الإرهاب، بينما اليوم تناقض واشنطن نفسها عندما تريد استخدام قوة الردع مع نفس الجماعة الحوثية.

وهو ما يعيد إلى الأذهان التفاهمات الأمنية، فالظروف الراهنة تغيرت، وقد تكون للإمارات إستراتيجية متعددة الأوجه في التعامل مع التحديات الأمنية، حيث تسعى للحفاظ على استقلاليتها، وتحقيق أهدافها الإستراتيجية بطرق تناسب تحدياتها الخاصة، ومع تغير الديناميكيات الإقليمية وفي ظل التطورات الأمنية المتسارعة في المنطقة تكون الحاجة ملحة لإعادة تقييم ومراجعة التعاون الأمني، لضمان مواكبته التحديات الراهنة، بما يعكس التغيرات في السياسات والأولويات الإستراتيجية لكلا البلدين.

وفي كل الأحوال التباينات طبيعية بين الدول والحلفاء والأصدقاء، وأستطيع أن أسميها تباينات الأصدقاء، أما خلافات الخصوم فهي بعيدة عن العلاقة الإماراتية – الأميركية التاريخيّة، لكونها علاقة طويلة وعميقة، وتتسم بالأهمية الكبيرة على كافة الصعد، ومنذ تأسيس دولة الإمارات شهدت العلاقات الثنائية مستويات متعددة من التعاون والشراكة في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن والاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا، وتعتبر الإمارات من أقوى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث يتشارك البلدان العديد من الأولويات الإستراتيجية، مثل مكافحة الإرهاب، وضمان استقرار المنطقة، وتعزيز التجارة والاستثمار.

بالإضافة إلى ذلك تمتلك الإمارات موقعا جغرافيّا إستراتيجيّا يجعلها محورا هاما للنفوذ الأميركي في المنطقة، والعلاقة القائمة بين البلدين تعتمد على قواعد الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك، ما يمكنهما من تجاوز التحديات الراهنة، والعمل معًا على تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها.

وهذه العلاقة المميزة تأتي مع مجموعة من المكاسب على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، خاصةً مع تبني الإمارات سياسة خارجية محايدة وتقف على مسافة واحدة بين أطراف الصراعات؛ فعلى الصعيد السياسي تتمثل مكاسب العلاقة في التعاون المشترك في قضايا الأمن الإقليمي والدولي، وعلى الصعيد الاقتصادي تعتبر الإمارات أحد أهمّ شركاء الولايات المتحدة التجاريين، حيث يتبادل البلدان التجارة والاستثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية، وبإعلان خط التجارة الهندي – العربي – الأوروبي وبرعاية أميركية تبرز الإمارات كمحور تجاري رئيسي يربط بين القارات ويعزز التبادل التجاري والاقتصادي بين الشرق والغرب، ما يشكل شراكة إستراتيجية هامة تعود بالفوائد وتعزز الاستقرار والازدهار.

عن "العرب اللندنية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى