أم طاهر.. من اللغة الإنجليزية إلى المناشير

> تقرير/هشام عطيري:

>
  • نائلة نبيل حمادي: ورشة النجارة العائلية والتحدي اليومي
  • ينما تصبح النجارة رسالة.. دروس من ورشة نبيل العائلية بلحج
> تتنوع الصور الإيجابية للمجتمع والعمل الأسري في توفير لقمة العيش في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها البلاد. فبينما تتواجد العديد من الصور الجميلة التي تبرز فيها الأسرة ككتلة واحدة وتعمل لهدف واحد لتوفير لقمة العيش، يمكننا أن نستعرض إحدى هذه الصور، وهي صورة النجار نبيل حمادي.


نبيل حمادي هو صاحب ورشة نجارة في مدينة صبر بلحج، وقد تخرج من معهد أبو مدين. بسبب الظروف الاقتصادية المتدهورة وصعوبة توفير العمال نتيجة لارتفاع أجورهم وضعف العمل، قرر نبيل أن يدفع بزوجته وبناته وأطفاله للعمل كنجارين في الورشة. نبيل لم يستسلم للتحديات، بل قام بتدريب أفراد أسرته على العمل معه في ورشة النجارة، حيث يعملون على مختلف الآلات جنبًا إلى جنب.

هذا العمل العائلي المتماسك لم يمر دون أن يلاحظه المجتمع المحلي. فقد لاقى تأييد الكثيرين الذين رأوا فيهم نموذجًا للعمل الجاد والمثابرة، بينما تعرضوا أيضًا لبعض الانتقادات والتنمر بسبب عمل النساء في مهنة النجارة. على الرغم من ذلك، ظل نبيل وأسرته مثابرين ومتمسكين بما يقومون به، حيث أصبحوا مثالًا للعديد من الأسر الأخرى في كيفية مواجهة الصعوبات والتحديات بالعمل الجماعي والاتحاد الأسري.


نبيل حمادي، نجار ماهر، بدأ مسيرته في عالم النجارة بعد تخرجه من معهد هواري أبو مدين في العام 1991م. كانت بداياته في بعض ورش النجارة، حيث عمل بجد لتطوير مهاراته وإتقان هذه المهنة اليدوية التي تتطلب دقة وصبرًا وإبداعًا. تمكن نبيل من بناء سمعة جيدة لنفسه في هذا المجال، إلا أن الحياة لم تكن دائمًا سهلة.

مع مرور الوقت، شهدت البلاد حربًا أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير. ارتفعت أسعار أجور العمال إلى حد كبير، ما جعل نبيل غير قادر على تحمل تكاليف العمالة في ورشته. لم يستسلم نبيل لهذه الظروف الصعبة، بل فكر في حل إبداعي يمكنه من الاستمرار في عمله وتوفير لقمة العيش لأسرته. قرر نبيل أن يدرب أفراد أسرته على أعمال النجارة.

نائلة نبيل حمادي: ورشة النجارة العائلية والتحدي اليومي
نائلة نبيل حمادي: ورشة النجارة العائلية والتحدي اليومي

بدأ نبيل بتدريب ابنته الكبرى، طيف، التي أظهرت مهارة وإتقانًا في العمل. تدريجيًا، أصبحت طيف تساعد والدها في الورشة بمهارة عالية. بعد نجاح تجربة تدريب طيف، قرر نبيل توسيع التدريب ليشمل ابنه طاهر وابنته الأخرى وزوجته. استغرق نبيل وقتًا لتعليم أسرته بالكامل أعمال النجارة، بدءًا من تشغيل الآلات وحتى إتمام الأعمال بأمان وإتقان.

على الرغم من التحديات الاجتماعية التي واجهها نبيل، حيث كانت هناك ردود فعل متباينة من المجتمع حول عمل أسرته في النجارة، إلا أنه ظل ثابتًا في قراره. بعض أفراد المجتمع شجعوا فكرة تدريب الأسرة على النجارة ورأوا فيها نموذجًا للعمل الجاد والمثابرة، بينما واجه الآخرون الفكرة بالنقد والتنمر، لا سيما بسبب مشاركة النساء في مهنة النجارة.


نبيل لم يلتفت إلى الانتقادات، وركز على الهدف الأسمى: توفير لقمة العيش الكريمة لأسرته. أشار نبيل إلى أن الدعم الذي تلقاه من إخوته وأخواته، وخاله عبداللطيف الذي وفر له محلاً لإنشاء ورشة النجارة، كان له دور كبير في نجاح مشروعه العائلي.

الآن، تعمل الأسرة كفريق واحد في ورشة النجارة، حيث أصبحت الورشة ليس فقط مصدر دخل، بل أيضًا رمزًا للتكاتف الأسري والتضامن في مواجهة الصعوبات. تبرز قصة نبيل وأسرته كدليل على أن التحديات يمكن أن تصبح فرصًا إذا ما تمت مواجهتها بالعزيمة والإبداع والتعاون.

ورشة نبيل العائلية بلحج
ورشة نبيل العائلية بلحج

هذه القصة ليست مجرد حكاية نجاح عادية، بل هي درس في كيف يمكن للعائلات أن تتكاتف وتتغلب على أصعب الظروف بالعمل المشترك والإصرار على النجاح. نبيل وأسرته يمثلون مثالاً حيًا للأمل والتفاني في تحقيق أهدافهم رغم كل التحديات.

أم طاهر، زوجة نبيل حمادي، هي نموذج آخر للعمل الجاد والتفاني في سبيل الأسرة. رغم أنها حاصلة على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى عدد من الدورات التدريبية في مجالي التمريض والتغذية، إلا أنها اختارت أن تعمل مع زوجها في ورشة النجارة. تقول أم طاهر إنها تعمل في الورشة في أوقات معينة، بينما يستكمل باقي العمل في منزلهم بمدينة الوهط. هذا الترتيب يمكنها من التوفيق بين العمل وواجباتها الدراسية ومتابعة أولادها وبناتها في تحصيلهم العلمي.

تشير أم طاهر بفخر إلى إنجازات أبنائها التعليمية، حيث تخرجت إحدى بناتها من الثانوية العامة وحصلت على المرتبة السابعة على مستوى المحافظة، بينما انتقلت ابنتها الأخرى إلى الصف الثالث الثانوي. ابنها طاهر يدرس في الصف الثامن، وطفلها الآخر يدرس في الصف الثاني. هذه الإنجازات تعكس التفاني والاهتمام بالتعليم داخل الأسرة رغم التحديات.

تقول أم طاهر إنها تعلمت من زوجها كل معدات النجارة، مثل المناشير، وأشارت إلى أن عمل النساء في مجال النجارة يعد عملاً صعبًا، ولكن بفضل جهود زوجها وتعليمه، تمكنت هي وبناتها وأولادها من إتقان العمل في ورشة النجارة. تعبر أم طاهر عن اعتزازها بعملها في مجال النجارة بعزة وشرف، مؤكدة أن العمل الذي تقوم به يجعلها تشعر برأس مرفوع.


تجربة أم طاهر تعكس كيف يمكن للعزيمة والإصرار أن يكسروا الحواجز التقليدية، حيث تمكنت من تحقيق توازن بين دورها كأم وعاملة. عملها في ورشة النجارة مع زوجها وأطفالها يعكس التعاون والتكامل الأسري في مواجهة الصعوبات الاقتصادية. تعتبر قصة أم طاهر مثالاً حيًا على كيفية تحقيق النجاح والتفوق في ظل الظروف الصعبة، وهي رسالة قوية عن قوة الإرادة والعمل الجماعي.

من خلال هذه القصة، تقدم أم طاهر دروسًا على أهمية التعليم، التكيف مع التحديات، والتعاون الأسري لتحقيق النجاح. أم طاهر وزوجها نبيل حمادي يمثلان مثالًا رائعًا على كيفية تحويل التحديات إلى فرص وتحقيق النجاح من خلال العمل الجاد والمثابرة.
  • طيف وألطاف.. قصة شغف وتحد
منذ أن كانت في الحادية عشرة من عمرها، وجدت طيف نبيل نفسها منجذبة إلى عالم النجارة. عملها في ورشة والدها نبيل لم يكن مجرد وظيفة، بل كان هواية وشغفًا نما معها عبر السنوات. عندما تخرجت من الثانوية العامة، حققت طيف مرتبة عالية على مستوى المحافظة، مما أظهر تفوقها الأكاديمي ونجاحها رغم كل الصعوبات. كانت تطمح دائمًا للالتحاق بكلية الطب لتحقيق حلمها بأن تصبح طبيبة، لكن الظروف المادية والعائلية حالت دون تحقيق هذا الحلم في الوقت الحالي.


لم يكن طريق طيف مفروشًا بالورود، فقد تعرضت في بعض الأحيان للتنمر والسخرية بسبب عملها في مهنة تعتبرها البعض غير تقليدية للنساء. لكنها لم تدع هذه الانتقادات تثنيها عن شغفها. بل بالعكس، زادتها إصرارًا على إتقان عملها وإثبات نفسها في ورشة النجارة، مما جعلها مثالًا يحتذى به في قوة الإرادة والمثابرة.

ألطاف، شقيقة طيف، وجدت هي الأخرى في النجارة عالمًا مليئًا بالتحديات والإبداع. تشكر والدها نبيل على تعليمهما مهنة النجارة بكل تفاصيلها. في البداية، كانت الطاف تخاف من استخدام المنشار، لكنها تجاوزت هذا الخوف بفضل تمرسها المستمر ودعم والدها. تحلم ألطاف الآن بإكمال دراستها الثانوية والالتحاق بكلية الطب، مستلهمة من شقيقتها الكبرى ومصممة على تحقيق حلمها.


وأبدى الناس إعجابهم الشديد بهذه الأسرة الفريدة التي تعمل في النجارة. قال المواطن طارق عبدالله إنه لم يشهد مثل هذا المشهد في أي محافظة من محافظات البلاد، مما يعكس تفرد وتميز عائلة نبيل. كذلك، أشاد المواطن حلمي عبد الله بالنجار نبيل حمادي، واصفًا إياه بأنه قدم بادرة إيجابية تستحق التقدير والاحترام. فنبيل لم يكتفِ بتعليم بناته مهنة النجارة، بل غرس فيهن قيم العمل الجاد والشغف بالمهنة، مما جعلهن نماذج مشرقة للشباب في المجتمع.


قصة طيف وألطاف نبيل هي قصة شغف وتحدٍ وإصرار على تحقيق الأحلام رغم الصعوبات. هي أيضًا رسالة ملهمة لكل فتاة تواجه تحديات في تحقيق طموحاتها، بأن الإصرار والعمل الجاد يمكن أن يتغلبا على أي عقبة. إن دعم الأسرة والتشجيع يمكن أن يحدثا فارقًا كبيرًا في حياة أي شخص، وهذا ما أثبتته عائلة نبيل بجدارة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى