​جماعة الإخوان تستبق زيارة السيسي لتركيا وتبدي رغبة في التصالح مع القاهرة

> القاهرة "الأيام" العرب اللندنية:

> حاولت جماعة الإخوان في مصر استباق زيارة للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة في سبتمبر المقبل، عبر إرسال إشارات تصورهم كأنهم ساعون إلى المصالحة وتقديم تنازلات من أجل حل أزمة التنظيم المستعصية، والدفع به داخل مشهد مفتوح من التحولات الإقليمية، بدلًا من أن تصبح الجماعة كبش فداء للتقارب المصري – التركي.

وكثفت جماعة الإخوان رسائلها في هذا الاتجاه اليومين الماضيين بعد الإعلان عن استعدادات لإتمام الزيارة المؤجلة لأنقرة، وهي الأولى للرئيس السيسي منذ سقوط حكم الإخوان في مصر عام 2013. وتخشى الجماعة المحظورة في مصر من أن يؤدي التقارب المصري – التركي إلى المزيد من التضييق على أنشطتها وقادتها وعناصرها في تركيا.

ويرجع تضارب التصريحات والبيانات التي صدرت عن جماعة الإخوان إلى رغبتها المحمومة في وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ملفها على جدول الأعمال وأن يقنع الرئيس السيسي بقبول التصالح معها وجعلها جزءًا من التحولات في المنطقة، وتنتقل مع الحليف التركي من العداء والخصومة إلى الصلح والتعاون مع القاهرة.

وبعث الإخوان بالرسالة الأولى عبر قناة “الشرق” لمخاطبة الطرف التركي ومحاولة إيهامه بأن الجماعة مستعدة لتقديم تنازلات لصفقة صلح مع النظام المصري. وزعم الإعلامي ماجد عبدالله، المذيع بقناة “الشرق” التابعة للجماعة، أنه يحمل رسالة من حلمي الجزار القيادي في جبهة لندن الإخوانية، ويقودها صلاح عبدالحق، إلى النظام المصري حول صفقة مؤداها اعتزال العمل السياسي مقابل الإفراج عن قادة وعناصر التنظيم بالسجون.

لتدحضها برسالة ثانية، نافية العروض التي قدمتها للمصالحة مع النظام المصري، على ضوء تجاهله لتصريحات بعض قادتها، وعدم تجاوبه مع خطابهم، وأصدر الجزار بيانا نفى فيه ما جاء في الرسالة الأولى، زاعمًا أن ممارسة السياسة من مبادئ تنظيمه.

وحمل البيان عنوان “الإخوان والسياسة وملف المعتقلين”، مشددة على أن إعلان الجماعة عدم منافستها على السلطة “لا يعني الانسحاب من العمل السياسي الذي يظل من ثوابت مشروع الجماعة”، وأنها “جزء أصيل من الشعب المصري تدافع عن حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل ميدان ولا تتخلى عنه كواجب شرعي ووطني”.

تقع جماعة الإخوان حاليًا بين طرف مصري يتعامل معها بالتجاهل ومن منطلق أنها منظمة إرهابية يصعب إجراء حوار معها، ناهيك عن عقد صفقة صلح، وحليف تركي يتحلل من علاقته بها تدريجيًا على ضوء قناعته بأنه غير قادر على بناء علاقات طبيعية تطغى عليها الثقة مع مصر في ظل استمرار استضافة أعضاء الجماعة في تركيا، حيث كان وجود هؤلاء سببًا رئيسيًا للخلاف بين القاهرة وأنقرة.

وتركز الجماعة على التطورات التي تشهدها العلاقات بين مصر وتركيا باحثة عن صيغة تضعها بين هوامشها، لأن انتقال البعض من قادتها وعناصرها إلى دول في أوروبا وآسيا لم يخفف ثقل الإخوان في تركيا. ويقيم في تركيا نحو ثمانية آلاف عضو من الإخوان، وثلاثة آلاف من جماعات موالية وقريبة منها، وجرى منح الجنسية لحوالي ألفي شخص، بينما يُصنف الباقون على أنهم مهاجرون غير شرعيين.

وتصطدم طموحات الإخوان في هذا الاتجاه برفض مصر الصارم على مختلف المستويات لفكرة التصالح مع تنظيم حرّض على العنف وحمل السلاح ضد الدولة والمجتمع، وتم توثيق ما نفذه من عمليات وتفجيرات واغتيالات سياسية في السنوات الماضية.

وجرى اختبار مشروع جماعة الإخوان البديل المتمثل في إظهارها بصورة أقل راديكالية وقابلة لتقديم تنازلات، مقابل منحها هامش حركة وحضور في عدة محطات، وثبت أن ذلك مناورات سياسية وحيل لشغل الأعضاء بأوهام تبقيهم على أمل العودة.

وفي كل مرة يُعاد فيها طرح المشروع يظهر تهافته وتتفجر تناقضاته، وتم إطلاقه للمرة الأولى قبيل انتخابات الرئاسة المصرية في ديسمبر الماضي، وحينها وضح التناقض بين موقف جماعة تزعم أنها على استعداد لترك العمل السياسي وسعيها لتأييد ودعم مرشح رئاسي منافس للرئيس السيسي، وما جعلها تتراجع هو يقينها بأنها ستظهر في المشهد الانتخابي ضعيفة للغاية وغير قادرة على الحشد.

ويُعد القيادي الراحل إبراهيم منير (جبهة لندن)، وشغل منصب القائم بأعمال المرشد، أول من لوّح بورقة تروج لفكرة اعتزال الجماعة المنافسة على السلطة السياسية، مقابل إطلاق سراح سجناء الجماعة في مصر.

ويفتقر هذا الطرح إلى المنطق، فالجماعة فعليًا غير قادرة على المنافسة على السلطة بسبب ضعفها وتشرذمها وصراعاتها الداخلية، ولن تكون قادرة على العودة إلى الواجهة إلا بعد سنوات طويلة من الترميم والإصلاح، ما يعني أنها تُطالب بجوائز مقابل عنوان فضفاض وهمي.

وأعقبت دعوة الإخوان للصلح محاولات من الجماعة لاختراق المشهد وإثارة قلاقل، عندما عرض أحد أعضاء الإخوان صورًا مسيئة للرئيس المصري على شاشة عرض بأحد الشوارع الشهيرة في محافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، ومواكبتها السلبية لتداعيات الحرب على قطاع غزة ومساهمتها في توظيف الأحداث كمحاولة لابتزاز بعض الدول العربية، والمزايدة على مصر والتخطيط لوضعها تحت نفوذ محور إيران.

ويتجاهل النظام المصري إشارات تنظيم الإخوان، ويعلم أن محاولاته ليست أكثر من غسيل سمعة وإعادة إحياء وإنتاج نفسه سياسيا، من خلال الإيحاء بأنه يقبل بالتوافقات، مقابل منحه مساحة حركة في الدول العربية التي حظرته في السنوات الماضية.

وعلى مستوى الأفراد، حُوكِم ويُحاكَم قضائيًا كل من تورط في جرائم إرهاب وتحريض، بينما تتعاطى الدولة المصرية بشكل إيجابي عبر احتواء من تنصل منفردًا من التنظيم ومنهجه وأفكار مؤسسيه ومنظريه في طريق إعادة تأهيله فكريًا ومجتمعيًا وتربويًا، من دون أن يطرح نفسه ضمن تكتل أو مجموعة مُعرضة للاختراق والتوظيف السياسي.

وسربت مؤخرا رسالة من عناصر إخوانية مسجونة تتبرأ فيها من الجماعة، وتعلن عن رغبتها في المصالحة مع الدولة. وتتراجع قيمة مناورات الإخوان المتكررة في اللعب بورقة مبادرات الصلح في توقيتات محددة، مع حدوث تغيرات في توجهات داعمي الإخوان الإقليميين، من منطلق أن الجماعة لم تعد ذات أهمية في المشهد المصري، وغير مؤثرة في عموم المشهد الشرق أوسطي.

وباتت مصر كدولة في موقف قوة بعد نجاحها في تقويض هيكل الإخوان التنظيمي وإلحاق هزائم بالجماعات التكفيرية المتعاونة معها، ووضعت شروطا أمام الطرف التركي ونفذ الكثير منها، ما أوصل العلاقات إلى هذا المستوى من القوة بين البلدين، وصولًا إلى تبادل الزيارات بين الرؤساء.

ووفقًا لما يدور من نقاشات داخل غرف الجماعة المغلقة، هناك رهان على نهجها البراغماتي في ظل التغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية وإعادة تطبيع العلاقات مع أنظمة من خارج المعسكر التقليدي الداعم لها ومعادية للجماعة منذ وقت ليس بالقصير، ارتأت أن تتحالف معها بشكل مؤقت لتحقيق أهداف سياسية تخدم مصالح الطرفين.

وتكتسب زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا في سبتمبر المقبل أهمية كبيرة، بالنظر إلى أن الرئيس أردوغان كان أول زعيم يزور مصر بعد انتخاب القيادي الإخواني محمد مرسي رئيسًا، مستعرضًا آنذاك الصلات الأيديولوجية بين الجماعة وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وهو ما انتفضت ضده مصر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى