معرضان تشكيليان يحتفلان بالوجوه وآثار المكان على خلفية الذكريات والأحوال

> ياسر سلطان:

> ​محمود حمدي "مشوّش" وعفراء أحمد تأتي بـ "القمرية" من اليمن
> يستضيف "غاليري أكسس" في القاهرة حتى الخامس من يوليو الجاري معرضًا لأعمال الفنان المصري محمود حمدي تحت عنوان "مشوّش"، ويضم المعرض مجموعة من الرسوم الملونة على مساحات متفاوتة، وهي رسوم تحتفي بصورة الوجه أو هيئته من دون الاستغراق في تفاصيله.

وفي هذه المساحة التي يحتلها المعرض تطالعنا مجموعة كبيرة من المُعالجات اللونية للوجوه، ولا يعتمد الفنان في هذه التكوينات على الأسلوب المعتاد لرسم الوجه، بل هو فقط يستعين بالقالب لإنشاء محتوى بصري تتداخل فيه الألوان والخطوط.

ويتكئ الفنان في جانب من عمله هنا على الانتقاء العشوائي، فهو يُلقي بخطوطه وألوانه على مساحة الرسم، ثم ينتقي من بين الأشكال الناتجة من هذا الاشتباك ما يقترب في هيئته من صورة الوجه، وهذه الأشكال المنتقاة تؤكد لاحقًا بالحذف والإضافة لتتشكل من جراء ذلك ملامح الوجوه التي أمامنا، وهي وجوه لا تخلو من التناقض والتعقيد.


"مشوّش" عنوان قد يعكس حالاً شعورية ما أو مرحلة مضطربة، أو ربما مزاجًا شخصيًا طارئًا، لكنه على أي حال قد يشير إلى طبيعة هذه الوجوه ذات البنية المضطربة والمكررة على امتداد مساحة العرض، ولا شك في أن الوجه يمثل عنصرًا محببًا لدى الرسامين، لا لأنه من العناصر الأساس في اكتساب المهارات اللازمة للرسم وحسب، بل لكونه الوسيلة الأسهل والأكثر مباشرة والتي قد يلجأون إليها للتعبير عن أنفسهم.

وحين نرسم وجهًا فنحن نستند في صوغنا له على إرث متراكم وقديم في تاريخ الرسم وصناعة الصورة، ولا ننسى أيضًا أن الوجه مرآة لأفكارنا ومشاعرنا، وهو بؤرة اهتمامنا حين نتعامل مع الآخرين.

محمود حمدي فنان بصري وقيّم فني يعيش ويعمل في القاهرة، وقد تخرج في كلية التربية الفنية جامعة حلوان عام 2002 ، وهذا المعرض الفردي هو التاسع له، كما عُرضت أعماله أيضاً ضمن كثير من المعارض الجماعية محليًا ودوليًا، وهو يعمل في مجال إدارة الفنون، وكان لأعوام مديرًا فنيًا وقيمًا على كثير من الأحداث الفنية، كما أسس وشارك في تأسيس كثير من المساحات الفنية المستقلة والخاصة في القاهرة.
  • "بنت القمرية"
يشغل معرض الفنان محمود حمدي إحدى مساحتي العرض في "غاليري أكسس"، أما المساحة الأخرى فهي مخصصة لمعرض الفنانة اليمنية عفراء أحمد بعنوان "بنت القمرية"، وهو من تنظيم الفنان المصري أحمد شوقي حسن، ويضم صورًا فوتوغرافية وتجهيزات في الفراغ وشرائط صوتية وأخرى للفيديو ومطبوعات يدوية، كما تشمل هذه التجهيزات أيضًا تركيبًا يضم صورًا فوتوغرافية مُرممة تعود لعائلة الفنانة، إذ ترك جدّ عفراء أحمد تلك الصور ضمن مجموعة من الوثائق الأخرى التي تخص تاريخ العائلة، وقد اكتشفتها الفنانة من طريق الصدفة عند عودتها لمنزل العائلة في اليمن.


"بنت القمرية" هو المعرض الفردي الأول للفنانة عفراء أحمد في القاهرة، وتقدم من خلاله مجموعة من الأعمال المنتقاة خلال تجربتها الفنية الممتدة على مدى الأعوام الخمسة الماضية، ويشير "القمرية" إلى تلك النافذة التراثية التي اشتهرت بها منازل اليمن، وهي أحد العناصر المهمة التي تستعيد من خلالها الفنانة عفراء أحمد ذكرياتها البصرية هناك، لكنها تستقر حالياً في القاهرة، وفي أثناء هذه الإقامة توطدت علاقتها بـ "القمرية" كما يقول البيان المصاحب للعرض، باعتبارهما نازحتان تبحثان عن شعور جديد بالوطن.

"القمرية" هي العنصر الأكثر تكرارًا في هذا المعرض، وهي حاضرة بشكل مادي مباشر كحطام على أرض القاعة، وكذلك في عدد من الصور والمطبوعات التي يضمها المعرض، حيث تطرح كل من عفراء والقمرية تساؤلات مهمة حول طبيعة المنزل ودلالته كفضاء مُراوغ قد يعني المكان أو الأرض، أو قد يشير حتى إلى الذكريات والتواريخ، كما قد يشير المنزل كذلك، بحسب الفنانة، إلى الحدود الجغرافية أو الافتراضية، وربما يعكس الصراع والمصالح المشتركة والعائلة والشعور بالانتماء، أو هو كل ذلك معاً.


وتتساءل عفراء من خلال هذا المعرض عن طبيعة العلاقة التي تنشأ بعد انقطاع الاتصال بين الناس والمكان؟ وكيف ينجح المنزل في أن يظل فكرة قائمة؟

عفراء أحمد فنانة متعددة التخصصات، وهي مواليد عام 1992، وتشمل أعمالها التركيب والنحت والتصوير الفوتوغرافي والفيديو، وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في تكنولوجيا الوسائط المتعددة من جامعة آسيا والمحيط الهادئ في ماليزيا، وعُرضت أعمالها في ماليزيا ومصر ومعهد الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية.


وبحسب "اندبندنت عربية" ولدت الحركة التعبيرية الفنية التي وسمت مرحلة بكاملها في أوروبا، في مطلع القرن العشرين، كردّ فعل على محنة التحضّر الزاحف، وتمددت في كل ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، إثر صدمة هذه الحرب والاضطرابات الاجتماعية التي تبعتها، وثورة المقاربة الفرويدية للأمراض العصابية والصدمات النفسية، التي شكّلت أرضية خصبة لانبثاق تلك الجمالية الرهيبة التي تتّسم بحدة وتشويه وغرابة لم يعرفها تاريخ الفن من قبل. ومنذ انطلاقتها، سعت هذه الحركة الطلائعية، قبل غيرها، إلى توحيد الفن والحياة، وإلى إلغاء الفصل بين الفنون، جاعلةً من المواهب المتعددة المثل الأعلى للفنان، ومن العمل الفني الكلي الهدف المنشود.

ولا عجب إذاً في تغلغل التعبيرية داخل جميع الفنون: المسرح، الموسيقى، الهندسة، وخصوصًا السينما، كما تشهد على ذلك المقابلة المثيرة التي يقترحها المعرض الحالي بين، لوحات ورسوم ومحفورات لفنانين تعبيريين كبار، مثل أليكسي جاولينسكي وأوغست ماكي وإيريك هيكيل وأوتو ديكس وإميل نولدي، ومن جهة أخرى، مقتطفات من 12 فيلمًا شهيرًا، مثل "متروبوليس" لفريتز لانغ، "الرجل الأخير" و"نوسفيراتو" لفريدريش مورنو أو "عيادة الدكتور كاليجاري" لروبرت فيني. مقابلة تتيح لنا فرصة استنتاج أن الفن التشكيلي التعبيري، بخطوطه العنيفة وحفافي عناصره الظاهرة ولمسته الديناميكية، سعى إلى تصوير الجانب الخفي من الواقع، والسينما التعبيرية سارت على خطاه بتصويرها مكامن الظل من الحياة الداخلية، والكوابيس والمخاوف وصدمات مجتمع ما بعد الحرب.
"اندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى