بني على قمة تحمل رمزية تاريخية.. دار وقلعة المُقَدم

> أحمد يسلم:

> المُقَدِّم: من أسماء الله تعالى وهو الذي يقدم الأشياء ويضعها في مواضعها.
والمقدم. مقدم على أقرانه ومميز عنهم. وفي حضرموت مقدم القبيلة رأسها وشيخها وفي لبنان يطلق المقدم على مقام الشخصية الثالثة تراتبيا بعد الأمير حسب ما أودته قواميس اللغة العربية ومنها الصحاح.
والمقدام من الرجال: الشجاع وما في معانيها ومرادفاتها.

ودار المقدم بُني على قمة تحمل رمزية تاريخية كونه يقع على أعلى نقطة في جبل السنيدي (موفجة) الشهير موطن سلاطين لحج وخنفر قديما بني على أنقاض بيوت قديمة ولا يعرف على وجه التحديد متى كانت، أما دار المقدم (بضم الميم وسكون القاف) فقد بُني قبل ما يزيد عن مائة وبضعة سنين كما روى أحدهم لأقربائه من آل سنيد القاطنين في عمران جبل السنيدي موفجة البالغ من العمر 85 عامًا آنذاك وهو المرحوم محسن حسين ناصر الكلدي السنيدي وقد توفى قبل 14 عاما، حيث أفاد أن دار المقدم بُني وهو في سن الطفولة بين 6-7 سنوات ومما يتذكره أنه كان يشارك عمال أعداد الخلب ( المادة اللاصقة لحجارة البناء ) وقد بناه محمد صالح الصلاحي وصالح فضل الصلاحي وآل الصلاحي موطنهم لبعوس يافع هم أشهر ممتهني العمران والبناء في يافع والبيضاء وهم أيضا آل بن صلاح من شيد قصور زارة التابعة لسلاطين العواذل وقصور مودية، كما أفادت زوجة الرئيس الأسبق علي ناصر محمد الباحثة ريم عبد الغني سورية الجنسية أثناء زيارتها إلى مسقط رأس زوجها الرئيس في مودية.

دار المقدم
دار المقدم

وتعود ملكية دار المقدم إلى أبناء ناصر قاسم عبدالله سعيد السنيدي، وقد تم تصميمه وبناءه بطريقة خاصة ربما ليمثل قلعة حربية في أرفع وأشهر موقع في يافع على الإطلاق وفي ذات الوقت مسكنًا ودارا يلبي متطلبات المعيشة المكانية والروحية لأسرة مترابطة يوفر لها هذا الدار أو القلعة متطلبات العيش الكريم والأمن والأمان ويتكون من خمسة طوابق بارتفاع يزيد عن 16-17 مترا أي ثلاثة أمتار وسمك المدماك الجدار بذراعين في الأسفل ويقل سماكة الجدار كلما ارتفع المبنى ليصل في طابقه الخامس والأخير بمقدار ذراع ونصف وفي هذا التناسق كلما ارتفع المبنى سر من أسرار العمارة اليافعية منها مايتعلق بالمتانة وتناسق قوام المبنى وفي ذات الوقت الحماية من البرد وصعوبة الاختراق أيضا روعي في بناء دار المقدم تجهيزه بنوافذ صغيرة تسمى(اللهوج) ومفردها لهج تسمح بمرور الهواء والضوء بمقدار قدم مربع وفي هذه القلعة الحصينة كانت بديلا عن النوافذ الخشبية التي عادة ما تزين البيت اليافعي وعمل اللهوج في دار المقدم هنا جاء لعدة اعتبارات ومنها أنها أي اللهوج لا تسمح بدخول البرد نظرا لموقع الدار حيث تصل درجة البرودة عادة في فصل الشتاء إلى درجة التجمد تحت الصفر وثاني هذه الأسباب تفاديا لولوج الطلقات النارية خاصة وأنه بني بعد فترة وجيزة من دخول السلاح الناري إلى يافع وبالتالي سهولة سدها بحجر بمساحة 30-36 سم مربع من الداخل ولدى الدار ما يكفي من العكر (بضم العين وفتح الكاف) وهذه الفتحات الدائرية تخترق مدماك المبنى وتشيد من جميع اتجاهات الدار لتسمح بمرور الرماح والسهام وكتل اللهب حال الخطر وتكون هذه العكر معدة بطريقة تسهل التصويب على مداخل الدار ( السدة) ومدفن الحبوب ومأوى البقرة والغنم ويحاط دار المقدم وكل بيوت يافع من على شاكلته بسور حجري من كافة الجهات وله باب خاص غير باب الدار طبعا ويؤمن السور الذي يعلوه الزرب والزرب أغصان الشجر كثيفة الشوك كالسدر وغيرها وفي داخل السور الحجري غرف صغيرة متلاصقة مبنية بطريقة الريش (حجر بدون خلب) مأوى البقر والأغنام ومخازن الحبوب والحطب وغروب المياه أوعية حفظ المياه وجلبها من جلود البقر والأغنام، إضافة إلى الوصر وهو مبنى دائري أرضيته مبلطة بالحجر المسطح لدرس (لبيج) سبول المحصول بالملابيج والملابيج عصوات معكوفة من شجر السدر غالبا بطول مترين تقريبا يتم بواسطتها ضرب السنابل بالملابيج طوال معظم النهار وبالتالي تنقية الحبوب بالمصاول ومن ثم تخزينها.


  • سقف دار المقدم
سقوف طوابق بيت المقدم الخمسة كلها وبيوت يافع بشكل عام مسقوفة بخشب السدر (العلب) المنشورة بالمناشير الحديدية المسننة وميزة خشب العلب الموشورة أنها صلبة جدا ومقاومة للأرضة ويتعمد في اختيارها من العلوب الأقدم عمرا لتوفر أكبر قدر من الصلابة ولا يقوى على السقف بالخشب المنشور قديما إلا علية القوم والميسورين منهم، أما العامة من الناس فيستخدمون خشب(المدرج) والمدرج قد تكون من السدر أو القرظ أو السقم ولكنها دون تدخل النجارين أي (الوشارة) ذلك أن وشر الخشب عملية مكلفة ومجهدة وتحتاج إلى حرفيين مهرة.


وعادة ما تكون الخشب المنشورة منحوتة برسوم وزخارف ومنمنات جمالية ورمزية يزدان دار المقدم بالعقود نصف الدائرية مع كل لفة من الدرج حتى (المسقف) وهو مخرج البيت إلى سطحه الأعلى وروعي في مفارشه أي الغرفة الرئيسة في كل طابق زخارف وعكوف وتساريح حجرية حول وفوق النوافذ والجدران من الداخل لكنها طمست للأسف بمادة الأسمنت في منتصف السبعينات من القرن الماضي نظرا لعدم استيعاب وإدراك عمال الأسمنت حينها أهمية هذه النقوش والزخارف بذريعة أنهم لدقتها فلا يستطيعون تلبيسها بمادة الأسمنت، ومن محتويات دار المقدم، مطحنة الحبوب الذي تقع على يسار مدخل البيت المؤدي إلى الدرج ما تزال موجودة حتى اليوم.

ويفضل قديما الأهالي بعمل مطبخ الطعام المعروف (بالصعد على قمة الدار وفي آخر لفة من سلم الدرج المؤدية مباشرة الى سطح (جبا) الدار لاعتبارات منها سهولة نفاذ الدخان المتصاعد من قمة الدار وثانيا ليوفر (الصعد) جزء من الدفء في ثنايا الدار في أيام الشتاء

وهناك تتوفر الإضاءة الكافية القادمة من باب المخرج، وما اتذكره حين جرت العادة في القصور اليافعية بحرص الجدات خاصة بمد حبل في جدار صعد الدار عليه تنشر وتعلق رؤوس ذبائح المواليد تباعا في كل دار كعلامة توثيق وشهادة ميلاد لكل مولود كونها عادة متوارثة منذ سالف الأزمان.
  • مميزات وسمات دار المقدم:
- شيّد في موقع استراتيجي هام للغاية حيث شيد في أعلى مرتفع في جبل السنيدي موفجة بارتفاع يصل إلى 2400 متر عن مستوى سطح البحر ويطل على مناطق واسعة جدا منها عدن وساحل أبين وصولا إلى شقرة، الضالع، الحبيلين، جبل العر مكيراس والظاهر، بهيئته وموقعه يمثل قلعة سياحية وتراثية معمارية لهي من أجمل القصور والقلاع اليافعية بل والجزيرة العربية أن لم تكن أفضلها على الإطلاق.

- ضرورة الحفاظ والصيانة على هذا المعلم المعماري الذي لا يقل أهمية عن دار القويزي حضرموت وصهاريج الطويلة في عدن.


- بني هذا الدار على قمة تمثل أهمية تاريخية غاية في الأهمية كانت تمثل رمزًا يافعيًا ووطنيًا أصيلًا في القيادة والريادة جعلت الشاعر الكبير أحمد فضل القمندان يقول مفاخرًا بجذور أجداده وموفجة على فكرة موطن العبادل وآل سلام والعزيبة والمناصرة في لحج وخنفر حين أنشد في قصيدته المغناة الشهيرة

يافع من الموفجة متحدرة

عزب وسلامي ومولى المنصرة

غارة معي بالجيوش المكبرة

ما نعذره هاشمي ما نعذره

وأنت تخبر على بن هرهرة.

وهي في مضمونها لمقاومة الغزو الزيدي القاسمي

- قيل لي أثناء زيارتي العام الماضي إلى موطن أجدادي الأول جبل السنيدي موفجة الذي ينتصب على قمته دار المقدم بقيام من يسكنه حاليا بإزالة (كواثره) التي تعلوه وتزينه أشبه بتاج مرصع بالجواهر على رأس ملك أو ملكة والسبب يعود لجذب تلك الكواثر للصواعق التي عادة ما تصيب كواثر الدار وقد أودت في السبعينات بحياة أحد ساكنيه.

أوصي ومن خلال هذه المقالة باعتماد هذه القلعة الحصينة التي تعلو قمة جبل ذات تاريخ لأن تضم إلى قائمة المعالم السياحية الشهيرة والرموز الوطنية المحتفى بها وتوثيقها لدى الجهات الرسمية وبالتالي صيانتها والحفاظ عليها.

- تنظيم زيارات علمية للطلاب كليات الهندسة والعمارة لمعرفة التفاصيل الدقيقة عن مضمون وشكل العمارة اليافعية، اعتبار دار المقدم واحد من أبرز معالم العمارة اليافعية وتشكيلاتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى