مسيرة الحوثيين على تل أبيب تفتح مختلف الجبهات أمام إسرائيل

> أمال شحادة:

>
​بحسب التعليمات التي صدرت خلال اندلاع حرب "طوفان الأقصى"، بعد تعرض إسرائيل لصواريخ وطائرات متوسطة وبعيدة المدى، يمكن إطلاق المنظومة إذا ما رصدت الرادارات الهجوم وتم التأكد من أنها هدف عدو، للكلف الباهظة لمنظومات الدفاع الجوية، خصوصا "حيتس"، وهي المنظومة التي كان يفترض إطلاقها للتصدي لمسيرة الحوثيين.

أدخلت مسيرة الحوثيين التي هزت تل أبيب ومنطقة واسعة حولها القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل في أبحاث ماراثونية حول سبل التعامل مع ارتفاع حدة احتمالات التصعيد، ولا سيما تجاه غزة ولبنان، وتصدرت إيران واليمن الأهداف المقبلة لإسرائيل في وقت وصل الاستعداد لهجوم على لبنان إلى مرحلة إعداد الخرائط والخطط وتسليمها إلى واشنطن للتنسيق وضمان زيادة عدد الجنود الأميركيين في المنطقة.

فعند الثالثة من فجر أمس الجمعة، ومن دون إطلاق صفارة إنذار أو محاولة التصدي الجوي لها، سقطت مسيرة من الحجم الكبير على مبنى في تل أبيب أدت إلى مقتل إسرائيلي وإصابة ثمانية آخرين في الأقل. واخترقت المسيرة الأجواء الإسرائيلية ورصد شهود مسارها فوق البحر بارتفاع منخفض لا يتجاوز المبنى الذي سقطت عليه، قرب السفارة الأميركية، على رغم أن إسرائيل رفعت درجة حماية أجوائها في مختلف المناطق إلى أعلى درجة، وفق تقرير أمني أكد ذلك في أعقاب مناقشة الإسرائيليين صحة ما أعلنه الجيش من أن خللًا إنسانيًا أدى إلى سقوط المسيرة من دون اعتراضها.

الجيش، وعلى لسان الناطق باسمه دانيال هاغاري أكد أن وحدة الدفاع الجوي رصدت الطائرة، لكنها لم تحسم أنها هدف عدو، والمفترض أن تواجهها بمنظومة الدفاع "حيتس".

وبحسب التعليمات التي صدرت خلال اندلاع حرب "طوفان الأقصى"، بعد تعرض إسرائيل لصواريخ وطائرات متوسطة وبعيدة المدى، يمكن إطلاق المنظومة إذا ما رصدت الرادارات الهجوم، وتم التأكد من أنها هدف عدو، وذلك للكلف الباهظة لمنظومات الدفاع الجوية، خصوصاً "حيتس"، إذ تبلغ أقل كلفة للمنظومة 100 ألف دولار، وهي المنظومة التي كان يفترض إطلاقها للتصدي لمسيرة الحوثيين.

وبحسب هاغاري، فإن المسيرة إيرانية الصنع من نوع "صماد 3" كبيرة الحجم وقادرة على الوصول إلى مسافات بعيدة، وتبين من التحقيقات الأولية لشظايا المسيرة أنه تم إدخال تحديثات عليها لتوسيع نطاق مسافة وصولها ودقتها.
  • الرد داخل اليمن لا يسقط من الحسابات
وبعد ساعات قليلة من سقوط المسيرة عقدت جلسة مشاورات وتقييم دعا إليها وزير الأمن يوآف جالانت قيادة الجيش والأجهزة الأمنية، وتم بحث خلفية سقوط المسيرة من دون كشف عنها واعتراضها.

وأكد المجتمعون حديث الجيش حول الخطأ الإنساني بعدم اعتبارها هدفًا عدوًا، وحديث الجيش هذا، سرعان ما نفته حقائق جاءت بعضها على لسان مسؤولين أمنيين اعتبروا المسيرة من النوع الدقيق والمتطور كالمسيرات التي يطلقها "حزب الله" في الشمال، والتي تتجاوز قدرة الرادارات الإسرائيلية على كشف عنها بسبب مسارها منخفض الارتفاع.

غالانت من جهته اعتبر أن إيران الجهة التي تقف خلف إطلاق المسيرة ضمن تشجيع وتسليح وتقديم الدعم لوكلائها في المنطقة، وهدد طهران والحوثيين بالرد القاسي "وتصفية الحسابات مع كل من يضر بدولة إسرائيل أو يرسل الإرهاب ضدها".

واعترف سلاح الجو من جهته بأن ما حصل هو إخفاق خطر معلناً تحمل مسؤوليته هذا الحدث وأوضح أن "المسيرة بعيدة المدى، حلقت على ارتفاع منخفض وشقت طريقها، ساعات طويلة، ووصلت من اتجاه البحر وانفجرت في قلب مدينة تل أبيب".

وفور انتهاء جلسة تقييم غالانت أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسة تقييم سريعة تلتها اتصالات تشاورية مع مسؤولين أمنيين حول سبل الرد وكيفية التعامل مع مثل هذا الحدث، وأعلن على لسان مسؤول عسكري أن تل أبيب لا تسقط من حساباتها إمكانية الرد على هذه المسيرة عبر هجوم داخل اليمن وتنفيذ خطة هجوم ضد الحوثيين.

وأجرى رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي هو الآخر تقييمًا للوضع وأمر بإجراء تحقيق استخباري وتكنولوجي لفهم الأداة والمنطقة التي أطلقت منها. وفي الوقت نفسه قام سلاح الجو بتكثيف نظام الدفاع الجوي من خلال دوريات الطائرات المقاتلة مع قدرات الكشف والاعتراض.
  • طائرات فوق البحر الأحمر
وبحسب تقرير إسرائيلي "تدير تل أبيب نظامًا دفاعيًا شاملًا يتضمن نشر رادارات حول حدود البلاد، إضافة إلى التعاون مع الدول المجاورة والصديقة لتحسين قدرات الكشف والاعتراض".

وأضاف التقرير أن القوات الجوية تقوم باستمرار بتشغيل طائرات مقاتلة فوق منطقة البحر الأحمر وفي شرق البلاد للمساعدة في اكتشاف واعتراض التهديدات المحتملة، وعلى رغم هذه الجهود فشل نظام الدفاع الجوي في اعتراض المسيرة. وأشار التقرير الإسرائيلي إلى أن التحدي الرئيس لإسرائيل يكمن في اكتشاف واعتراض المسيرات التي تحلق على ارتفاع منخفض، مضيفاً "في الماضي كانت هناك محاولات من قبل الحوثيين في اليمن والميليشيات في العراق، لإطلاق صواريخ باتجاه وسط إسرائيل ومنشآت استراتيجية. وحتى الآن، لم تكن هذه المحاولات ناجحة، فيما يمثل الحدث الحالي تغييرًا في هذا الاتجاه، عندما تمكنت طائرة من دون طيار، للمرة الأولى، من الوصول إلى وسط إسرائيل".

من جهته، نشر الموقع الاخباري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" "واي نت" تقريرًا نقل فيه قول مسؤول أمني إن "منظومة الإنذار والمراقبة الجوية في سلاح الجو رصدت مسار مسيرة الحوثيين في مقاطع عدة من مسارها، وعدم رصدها أنها معادية ناجم عن تحليقها باتجاه بدا للشخص المناوب في منظومة المراقبة الجوية أن المسيرة ليست متجهة نحو دولة أو إسرائيل أو تشكل خطرًا عليها"، ووفق هذا المسؤول الأمني فإن المسيرة واصلت مسارها "واختفت عن شاشات الرادارات، وربما حلقت فوق مصر وخليج السويس. ويرجح المقطع الأخير من مسارها أنها حلقت على ارتفاع منخفض جداً فوق البحر، وفي هذه الأثناء حولت مسارها بين حين وآخر كي تستغل نقاطًا ميتة"، وفق وصف المسؤول الأمني، "وهي نقاط لا يمكن لرادارات الجو الإسرائيلي ولا حتى للسفن الأميركية رصدها".

وقالت الخبيرة الاستراتيجية إييلت فريش إن حدث مسيرة الحوثيين في تل أبيب يشكل واحدًا من أخطر الأحداث التي شهدتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، وأضافت "ليس سرًا أن إسرائيل تواجه ضعفًا في منظومة التصدي للمسيرات، خصوصًا تعرضها لمسيرات دقيقة من صنع إيراني، مما يعني انتقال هذا التهديد إلى مرحلة خطرة جدًا سواء أطلقت المسيرات من قبل الحوثيين أو اليمن أو العراق". وحذرت فريش من خطورة عدم قول الحقيقة للسكان، ودعت إلى إجراء فحص داخلي دقيق وإعلان نتائجه وبكل صدق أمام الجمهور وطمأنته "إذا حقًا هم محميون من خطر الصواريخ والمسيرات".
  • لبنان التحدي الأكبر
وفي حين يواصل الإسرائيليون بحثهم حدث سقوط مسيرة الحوثيين في تل أبيب ودخول مركز ووسط إسرائيل إلى دائرة الحرب، يبحث مسؤولون أميركيون وإسرائيليون تصعيد الوضع الأمني في منطقة الشمال تجاه لبنان وسبل التعامل معه في حين تستمر المحادثات الدبلوماسية في محاولة للتوصل إلى تسوية تمنع حربًا، يحذر جميع الجهات من خطورتها.

وكشف عن أن قيادة الجيش الإسرائيلي أعدت رسالة خاصة إلى واشنطن، سلمها رئيس الأركان هرتسي هليفي لقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا تطلب فيها تل أبيب من واشنطن مساندتها في خطواتها الحربية تجاه لبنان.

وشملت الرسالة خرائط تشمل بنك أهداف الجيش في لبنان ونقاط وجود "حزب الله" ومخازن صواريخ ومسيرات وغيرها من الأهداف، وفق ما يقول الجيش الذي أبلغ بأنه "كثف استعداداته لاحتمال هجوم بري ضد حزب الله يهدف بالأساس لضمان الأمن وإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم".

ووفق مصادر إسرائيلية مطلعة على الرسالة فقد طلبت إسرائيل من الأميركيين مضاعفة وجودهم في الشرق الأوسط، في حال أطلقت إسرائيل حملتها البرية ضد "حزب الله". وتطرقت الرسالة أيضًا لاحتمال التوصل إلى تسوية سلمية، وفي هذا الجانب، طالب الإسرائيليون أن يشمل الاتفاق ضمانة أميركية لقدرة إسرائيل على الرد على لبنان في حال تم اختراق بنود الاتفاق.

من جهته حذر المتخصص العسكري الإسرائيلي جاكي خوجي من ارتفاع احتمال تدهور الجبهة الشمالية بسرعة إلى مواجهة أوسع. وطرح سيناريوهات يناقشها الجيش في استعداداته لمواجهات مع لبنان بينها:

- فتح حرب واسعة تلبي تطلعات بعض من وزراء الحكومة وقسم من الجمهور، وضربة ساحقة يدخل خلالها آلاف جنود الجيش الإسرائيلي عميقًا في أراضي لبنان، في مشهد يذكر بعام 1982. وهم سيصلون حتى نهر الليطاني في الأقل، إن لم يكن أعمق منه، وينجحون في إبعاد "حزب الله" بعيدًا من الحدود. وأكد خوجي أن مثل هذه السيناريو بعيد من إمكانية التنفيذ، نتيجة التطورات الأخيرة في إسرائيل وعدم رغبة حتى رئيس الحكومة في تنفيذه في ظل جيش مستنزف من الحرب الأطول في تاريخه وجيش الاحتياط ضعيف ومخزون الذخيرة محدود.

- مواصلة صيغة القتال الحالية، وهجمات موضعية من الجو على مطلوبين أو مخازن ذخيرة، حتى تنتهي الحرب في غزة.

وقال خوجي: إن أكبر القادة في حزب الله، وحتى آخر مطلقي الصواريخ، كلهم مستهدفون من قبل الجيش الإسرائيلي.

"اندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى